شكل وباء كورونا عامل تعرية مدهش للمشهد الإعلامي المغربي، أشبه تماما بالرياح والمياه الطوفانية بالنسبة إلى الطبيعة. فمن ناحية، كان لقوة العاملين فعله في جرف أشجار الإعلام الفيروسي التي ليس لها من قرار، بحيث لم تعرف كيف تتعامل مع الوباء، ومن ناحية أخرى، أفرغ المجال للإعلام الجاد، الذي أصله ثابت وفرعه في السماء، كي يستعيد مكانته. وأكثر من ذلك، فإن العاملان معا اضطرا الأرضية التي يعيش فيها الإعلامان الجاد والفيروسي كي تتعامل مع الأنجع والأنفع والثابت.
لطالما عانى الرأي العام المغربي من صحافة “الفاست فود”، والبحث عن “الكليك”، والرغبة في زيادة المشاهدات، لكسب المزيد من المال، ولو على حساب العنوان المبالغ فيه، أو الكاذب، والخبر المصاغ برعونة، ودون أي مراعاة لسلامة اللغة ولا المعطيات، ولا التداعيات التي يفترض أن يخلفها الخبر على الناس عند نشره.
يطرح كثير من الإعلاميين الجادين، الذين سارعوا بتلقائية كبيرة إلى الانخراط في التصدي للوباء في صحفهم وإذاعاتهم وقنواتهم، وحتى في السوشل ميديا، بطواعية، السؤال الذي لا بد منه: “ترى هل سيصمد الوضع المستجد بعد أن ينتهي وباء كورنا المستجد؟”.
ولئن كان الأمل قائما في أن تتنبه الجماهير، وهي الفيصل في الجواب على السؤال المحوري، إلى ضرورة التفافها حول الإعلام الجاد، الذي منحها الثقة المفتقدة في الخبر، وبث فيها التوعية المطلوبة لتجاوز الخطر، وأمدها بالإرشادات اللازمة لتوخي الحذر، بل وأسهم في طمأنينتها بتقديمه خدمات مفيدة في الترفيه وتشتيت القلق الناجم عن الحجر الصحي في الييوت، فإن الخوف قائم من النسيان الذي يضرب الإنسان في مقتل.
فرغم التكرار الملاحظ في التحذير، مثلا، من الضغط على أزرار الكهرباء المشتركة في العمارات السكنية، إلا أنك سرعان ما تجد أحدهم يضغط على الزر، متناسيا. وقد يحدث ذلك بعد انحسار الوباء، وعودة الناس إلى الحياة الطبيعية، فيضغطون، مجددا، على أزرار الإعلام الفيروسي، وينسوا أن هناك إعلاما يستحق المتابعة.
ومع ذلك، فمن نسي وضغط على الزر، كان يسارع إلى غسل يديه بالماء والصابون، ويعقمهما. وعسى أن يحدث ذلك مع الإعلام الفيروسي، فينحسر الوباء، أو ينتهي إلى غير رجعة.