أعتقد جازمًا أن العنصر البشري هو الركيزة الأساسية لكل تقدم وبدونه لن نحصد النتائج المأمولة ودعونا نتفق أنه بدون تخطيط استراتيجي مسبق لن يكون هناك إقلاع اقتصادي واجتماعي. هذا الإقلاع له ثلاثة مستويات منها القريب، المتوسط والبعيد.
على المستوى القريب: المغرب والحمد لله قطع أشواطًا كبيرة في جلب الاستثمارات وبذلك خلق فرص شغل كبيرة وللحفاظ على هذا المستوى، أقترح الدعم المالي السريع والمباشر للمقاولات الصغرى والمتوسطة والكبرى حتى لا يتم تسريح العمال والموظفين وتشريد الأسر.
على المستوى المتوسط: أقترح أن يحاول المغرب تحقيق الإكتفاء الذاتي ويجعله من أول أولوياته في جميع المجالات ابتداء من المجال الفلاحي (إيجاد طرق بديلة للسقي كتحلية مياه المالحة مثلا) إلى المجال الصناعي وهنا يجب تطوير الصناعة بكل مجالاتها فأنا أؤمن إيمانًا راسخًا بأن الصناعة هي مفتاح التقدم والرقي لكل الأمم
قطع المغرب أشواطًا كبيرة فيما يخص الصناعة بتشجيع الإستثمار الخارجي والداخلي وقد أصبحت شركات كبرى في مجال السيارات والطائرات تثق في المغرب . كما ان المغرب يتوفر على رأسمال بشري مهم جدا وذو كفاءة عالية سواء داخل المغرب أو خارجه ، و لكي يكون هناك إقلاعا اقتصاديا حقيقيا وجب العمل على خطة وطنية لإرجاع العقول والأدمغة الكثيرة من الخارج وتكاتفها مع نظيراتها في الداخل ليكونا مفتاح نهضة صناعية كبرى معتمدة على التكنولوجيات الحديثة والصناعات الثقيلة وكذا العالم الرقمي ووضع استراتيجية لعدم هروب هذا الرأسمال البشري المهم جدا إلى الخارج.
على المستوى البعيد: هنا يجب التركيز على التعليم والصحة وكذا ملاءمة التكوينات في الجامعة والتكوين المهني مع سوق الشغل وهنا أحيل بحكم إقامتي لأكثر من 17 سنةً في الخارج (ألمانيا 15 سنة وفرنسا سنتان) على التجربة الألمانية الرائدة في هذا المجال وسوف أتطرق لهذا الموضوع لمحاولة شرح هذه التجربة في مقال آخر.
كما أشرت سابقًا التعليم ثم التعليم ثم التعليم لماذا؟
كما نعلم التعليم هو حجر الزاوية وهو اللبنة الأساسية لبناء أي مجتمع كيفما كان ولكي نبني جيلًا جديدًا مسلحًا بالعلم النظري والتطبيقي نحتاج ما بين 25 إلى 30 سنة. لقد أضعنا فرصًا كثيرة للنهوض بالتعليم لذا يجب الإنكباب على خطة وطنية يشارك فيها الجميع من أهل الإختصاص كما وجبت الإستفادة من تجارب اليابان وألمانيا في هذا القطاع.
ما هو الهدف من التعليم؟ كيف يمكن إنتاج مواطن قادر على أن يعتمد على نفسه وينشئ مقاولته الخاصة ،وكيف يمكن عن طريق التعليم بناء نظام اقتصادي واجتماعي قوي يجد كل مواطن مكانا فيه؟ … كل هذه أسئلة وجب طرحها قبل الشروع في وضع خطة النهوض بالتعليم وهنا أؤكد بدون تعليم عمومي قوي لن نصل لنتيجة.
بالنسبة للصحة وهي مجال حيوي في المجتمع وجب تشخيصه جيدًا فمعرفة الداء نصف الدواء، أعتقد أن الدولة ليس لها استراتيجية محددة ومشخصة في هذا المجال ،أولا أؤكد على وجوب الاعتماد على الأجهزة الطبية التي يمكن أن ينتجها المغرب بأياد مغربية عوض أن يشتريها من الخارج بأثمان باهظة وبالعملة الصعبة، ثانيا بناء المستشفيات الجامعية في كل مدينة وعدم اغفال القرى ، إذا توفرت الارادة صدقوني الامكانيات والأموال موجودة ويمكن أخذها من ميزانيات أخرى إذا وضعنا هذا الأمر كأولوية الأولويات وهنا لا يجب إغفال تكوين الأطباء والممرضين ووضع هدف محدد كمثال وكبداية طبيب لكل 1000 أسرة. كما يجب وضع استراتيجية وطنية لوضع حد لهجرة الأطباء.
لا يسعني في الأخير إلا أن أنوه بسرعة التحرك والإحتياطات التي أخذتها الدولة بكل مؤسساتها لمواجهة جائحة كورونا في زمن قياسي، ليكون المغرب بذلك مثالا يقتدى به عند دول غربية كبيرة ،ونكون نحن كمغاربة فخورين ببلدنا وبمؤسساتنا.
عبد الصمد بندحو، مهندس صناعي وميكانيكي بألمانيا وأستاذ سابق في المغرب