يساهم القطاع الخاص في تعزيز جهود التنمية من خلال خلق مجتمع منتج، وبناء اقتصاد متنوع قادر على المنافسة، والعمل على رفع وتشجيع ثقافة الريادة والابتكار، حيث عمدت العديد من الدول المتقدمة إلى تعزيز هذا النوع من الاستثمارات وتشجيعها من خلال توفير كل أنواع الدعم والتمكين لرجال الأعمال والقطاع الخاص تحديداً من أجل لعب دوره كشريك فاعل في عملية التنمية وتحقيق التنويع الاقتصادي وذلك نظراً للدور البارز الذي يلعبه هذا القطاع في قيادة قاطرة التنمية في المستقبل. ومن بين أنجح التجارب العالمية في تشجيع قطاع رجال الأعمال والتي أعطت ثمارها نجد التجربة اليابانية التي رفعت شعار: «تشجيع زيادة روح المبادرة هو أفضل وسيلة لليابان لتحقيق نمو اقتصادي مستدام».
من الواضح أن التأثيرات الإيجابية لأصحاب المشاريع على الاقتصاد، تفوق بكثير الآثار السلبية، فإن خلق فرص العمل، وخفض مستويات البطالة، وزيادة المنافسة، وفتح أسواق جديدة، وزيادة الإنتاجية، وتوليد الدخل الأجنبي، وتخفيف حدة الفقر، هي بعض من الآثار الإيجابية التي يتمتع بها رواد الأعمال على الاقتصاد. ومع ذلك ، هذا لا يعني أنه لا توجد أي آثار سلبية مثل إهدار الموارد ونهبها، ومع ذلك، فإنه من الواضح أن أصحاب المشاريع يؤثرون على الاقتصاد بشكل إيجابي.
رجال الصحة
لو قُدّر لأحد أن يحكي أنه سيأتي عليه يوم يكون فيه ملزما بالبقاء في بيته مخافة فيروس لا يُرى ما كان الناس ليصدقونه، ولاتّهموه بسَعة الخيال، وربما شككوا في قدراته الذهنية أو النفسية.
يردد الجميع في أروقة السياسة والاقتصاد عبارة تقول “ما بعد كورونا ليس كما قبلها”؛ يُفترض أن هذه العبارة تَصدق على كل هذه المجالات، لكنها تبدو في قضية الصحة أوكَد وأصح. فلا يمكن واقعا ولا عقلا التعامل مع جائحة كورونا باعتبارها حدثا عاديا في مسار البشرية. فالفيروس جاء محملا بدروس ورسائل لا يمكن تجاهلها. وفي حال ما تم تجاهلها فالحياة لا تمل من تَكرار الدروس حتى يستوعبها الناس.
لعل الرسالة الأوضح التي جاء بها هذا الفيروس الذي عدل بين الناس فلم يميز بين كبير وصغير وبين فقير وغني وبين أبيض وأسود وبين ذكر وأنثى، والكل أمامه سواسية لا فرق بينهم إلا بما اكتسبوه من مناعة، هي رسالة لإعادة ترتيب الاهتمامات والأولويات ليس على فقط على المستوى المحلي أو العربي ولكن أيضا على المستوى العالمي.
جاءت هذه الجائحة لتذكر بأن هذه السياسات خاطئة وخطيرة بل ومدمرة. وأنه في لحظة ما كل التوازنات الماكرو-اقتصادية لن تحول دون إدخال نصف البشرية في الحَجْر الصحي بسبب فيروس غير مرئي وفي ظل إهمال للقطاعات الصحية العمومية عبر العالم.
لقد جاء الفيروس ليذكر بالبديهيات التي نُسيت في غمرة “الانتصار الساحق” المتوهم للرأسمالية المتوحشة، وأولى هذه البديهيات أن قطاع الصحة ليس مجرد ترف يمكن التعامل معه باعتباره خدمة يمكن إخضاعها لقانون السوق والربح والعرض والطلب والتعامل معها كسلعة. ففي لحظة خوف الإنسان على صحته، وحرصه على البقاء توقف كل شيء.
من كان يتوقع أن يأتي على البشرية يوم مثل هذا؟! يوم تتوقف فيه عجلة الاقتصاد وما دونه وما فوقه من الأنشطة بسبب أزمة صحية. لقد ثبتت إذن دقة المقولة التي طالما رددناها في قطاع الصحة “لا تنمية بدون صحة ولا صحة بدون أخلاق ومعرفة”.
هذا هو حال العالم اليوم، يقف مشدوها مصدوما، متطلعا للغد يأمل خلاصا قريبا.
والأرقام دالة في هذا السياق: فحجم استهلاك الدواء في المغرب لا يتجاوز مليار دولار سنويا وهو ما يعادل حجم استهلاك مدينة متوسطة من مدن أوروبا. وبعملية حسابية بسيطة يتبين أن مجموع استهلاك الفرد في المغرب من الدواء سنويا لا يتجاوز 40 دولارا. ولا تذهبن بكم الظنون فتحسبون أن ضعف الاستهلاك إنما هذا يعكس الصحة الجيدة التي يتمتع بها المواطن العربي فلا يضطر معها للجوء الى الدواء ولا إلى المستشفى. فالأمر ليس كذلك أبدا. إنما هو تعبير عن وضع اقتصادي هش يجعل الدواء ترفا لا يُلجأ إليه إلا عند الضرورة.
“فما أحوج الجميع اليوم، رجال الاعمال ورجال الصحة إلى بعض من تلك الحكمة”!