قبيل ساعات من بدء عملية الاقتراع لاختيار الرئيس الأمريكي القادم، عن طريق الاقتراع غير المباشر، يجدر الإشارة إلى أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية تمر بمراحل متعددة وبالغة التعقيد، لتعكس الطبيعة الفيدرالية للنظام؛ بحيث يجب التوفيق بين مبدأ حكم الأغلبية من جهة، وتأمين مشاركة جميع الولايات التي يتشكل منها الاتحاد من جهة ثانية.
كيف تتم الانتخابات في أمريكا؟
تجري الانتخابات الأمريكية كل أربع سنوات، وفقا للدستور، وتقام الانتخابات في يوم الثلاثاء ما بين الثاني إلى الثامن من شهر نوفمبر، واعتُمد هذا التاريخ سنة 1845، ليتناسب مع أوقات فراغ الفلاحين في أمريكا التي كانت تعتمد على الزراعة آنذاك، وفي نفس اليوم تجري أيضًا انتخابات لاختيار أعضاء مجلس النواب وبعض أعضاء مجلس الشيوخ ومجالس الولاية والمجالس المحلية.
تتم عملية انتخاب الرئيس الأمريكي على مرحلتين
تُجرى الانتخابات الرئاسية الأمريكية بنظام الانتخاب غير المباشر، فالمواطنون في حقيقة الأمر لا يختارون الرئيس الأمريكي مباشرة بل يختارون الممثلين أو المندوبين الذين سيشكلون المجمعات (الكليات) الانتخابية التي تختار الرئيس.
المرحلة الأولى تكون من خلال اختيار المرشحين، وهي داخلية في كل حزب، لذلك لا يوجد في الدستور أحكام ترعاها، بل يترك تنظيمها للتشريعات التي تختلف من ولاية إلى أخرى، وتمت بالفعل؛ حيث انتخب مرشح عن الحزبين الرئيسيين (الديمقراطي والجمهوري) عن طريق انتخابات أولية، وأجرى الحزبان عدة انتخابات في كل ولاية يصوّت فيها عادة المنتمون للحزب، ثم يختار المرشح من كل حزب نائبا له ويتم التصديق عليهما رسميا في مؤتمر الحزب، الأمر الذي أفضى إلى حصول كلينتون وترامب على ورقتي الترشيح من الحزبين.
المرحلة الثانية، الانتخابات العامة التي يصوت فيها المواطنون الأمريكيون للمندوبين الذين يدلون بأصواتهم لصالح أحد المرشحين، فالمرشح الذي يحصل على أكثر الأصوات الشعبية في ولاية معينة يحصل على عدد أصوات مندوبي الكلية الانتخابية المخصصة لتلك الولاية والمتناسبة مع عدد سكان الولاية.
وتتكون الكلية الانتخابية من 538 مندوبا يصوتون رسميا على الرئيس ونائبه، وعدد المندوبين المخصص لكل ولاية يساوي عدد أعضاء مجلس نواب الولاية زائد عدد شيوخها، إضافة إلى ذلك يخصص ثلاثة مندوبين لمقاطعة كولومبيا، التي تضم واشنطن العاصمة، حيث لا يوجد ممثلون لها في الكونجرس الأمريكي، فعلى سبيل المثال، ولاية فلوريدا مثلاً لديها 25 نائبا في مجلس النواب أو (مجلس الممثلين) وشيخين في مجلس الشيوخ، لذلك تحصل على 27 صوتاً انتخابيًا.
أما عملية اختيار مندوبي الكلية الانتخابية أنفسهم، فيَسمح الدستور للنظام التشريعي في كل ولاية أن يحدد كيفية اختيارهم، ومع أن مندوبي الكلية الانتخابية ليسوا مجبرين قانونيا على الالتزام بانتخاب المرشح الذي صوّت له غالبية المقترعين في الولاية، إلا أنهم يلتزمون بذلك في الغالب الأعم من الحالات، وهناك 24 ولاية تعاقب المندوبين عديمي الولاء، والمرشح الذي يفوز بالرئاسة من يحصل على 270 صوتا من أصوات الكلية الانتخابية البالغة 538 مندوبا.
وفي حال عدم حصول أي من المرشحين على 270 صوتا، يتم اختيار الرئيس وفقا للتعديل الـ12 من الدستور الأمريكي في اقتراع يجرى بمجلس النواب، وفي هذا التصويت يعطى لكل ولاية صوت واحد، ويجرى اقتراع آخر في مجلس الشيوخ لاختيار نائب الرئيس، وفيه يعطي لكل عضو من أعضاء مجلس الشيوخ صوت واحد، وجرى ذلك سنة 1800 مع انتخاب توماس جفرسون، وسنة 1824 مع انتخاب جون أدامز.
والجدير بالذكر أن هناك سابقة حصلت بالفعل في 7 نوفمبر من عام 2000، حيث تم إعلان فوز جورج بوش الابن بالانتخابات الرئاسية، بعد تفوقه على آل جور في الكلية الانتخابية حيث حصد 271 صوت، بينما حصل الآخر على 266 صوتا، وظهر جدال حول أيهما نال الخمسة أصوات الممثلين لولاية فلوريدا في الكلية الانتخابية وبالتالي يفوز بالرئاسة، وعندئذ تم إعادة فرز الأصوات في هذه الولاية وأعلن الفوز لصالح بوش، ومن المفارقات أن الخاسر آل جور، الذي عين بعد ذلك نائبًا للرئيس، كان حصد أصواتًا شعبية أكثر من التي حصل عليها المرشح الجمهوري جورج بوش، حيث حصد آل جور 543 ألف صوت وبذلك كان متفوقًا على بوش بـ816 صوت أكثر.
وفي حال لم يتم اختيار أي من ترامب وكلينتون رئيسًا بحلول يوم تعيين الرئيس في 20 يناير، يقوم نائب الرئيس بأعمال الرئيس، وإذا لم يتم اختيار أي منهما بحلول ذلك اليوم، يقرر الكونجرس من سيقوم بأعمال الرئيس وفقا للتعديل الـ20 للدستور.
وتعود الآلية المعقدة للانتخابات الرئاسية الأمريكية إلى الخلاف الذي وقع عند صياغة الدستور سنة 1787 بين من دافع على انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، ومن أراد انتخابه في الكونغرس، وجرى تبني هذه الطريقة كحل وسط يرضي الجميع، إذ رُفضَت فكرة الانتخاب الشعبي، نظراً إلى التشكيك السائد وقتها بقدرة الشعب على تحمل تلك المسؤولية.