يعبر الموقفان الحازمان اللذان أبداهما المغرب تُجاه كل من ألمانيا واسبانيا عن براغماتيةٍ دبلوماسية تجاوزت تلك الشراكة الاستراتيجية التي تجمعهما لتؤكد أن قضية الصحراء المغربية لا تقبل أي تطاول وازدواجية متناقضة.
أبدى المغرب رد فعلٍ متريث حيال إسبانيا بعدما استقبلت زعيم الانفصاليين إبراهيم غالي، وأخبرها بأنه ينتظر ردا مقنعا يُبرر ما فعلته، وحين لم تفعل أصدر بلاغا شديد اللهجة شدّد فيه على أن هذا الفعل ليس مجرد إغفال بسيط بل عمل يقوم على سبق الإصرار، وهو خيار إرادي وقرار سيادي لاسبانيا، وبالتالي، فإن الحفاظ على الشراكة الثنائية مسؤولية مشتركة يغذيها الالتزام الدائم بالمحافظة على الثقة المتبادلة، واستمرار التعاون المثمر وحماية المصالح الاستراتيجية للبلدين.
رد الفعل المتريث والمُنبه عبّر عنه المغرب أيضا لألمانيا، إذ بدأ في مارس الماضي بقطع علاقاته مع السفارة والمنظمات الألمانية المانحة، واكتفى بالقول إن سبب خلافات عميقة تهم قضايا مصيرية. ولمّا ظلت ألمانيا صامتة بادرت السلطات المغربية إلى استدعاء سفيرة جلالة الملك ببرلين للتشاور، وعبّر صراحة على أن ألمانيا “راكمت المواقف العدائية التي تنتهك المصالح العليا للمملكة”.
هذه البيداغوجيا التي يعتمدها المغرب مع شركائه مغايرة لما كانت عليه، يقول محمد بنحمو، أستاذ العلاقات الدولية ورئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية، إذ يرى هناك تحولات وتغييرات كثيرة طرأت في العلات الدولية، كما أن الدبلوماسية المغربية أصبحت أكثر براغماتية وواقعية، وانتهجت الأساليب الحديثة والمنهجية الواضحة التي لا تقبل بالمواقف الرمادية.
في تصريح لـSNRTnew، قال بنحمو إن الدبلوماسية المغربية أصبحت أكثر تعبيرا عن مواقفها بالقوة اللازمة، لأن بعض الأطراف كانت تفسر بعض ردود الفعل المغربية بأنها لن تمس بطبيعة مصالحها. لكن الأمر أصبح أكثر وضوحا الآن، إذ يطلب المغرب من الفرقاء أن تكون مواقفهم أكثر وضوحا وألا تتعارض مع مصالحه وأن تبنى على الاحترام المتبادل والتفاهم.
وتابع قائلا إن مواقف البلدين المذكورين رمادية ومناوئة للمصالح الحيوية للمغرب، وبالتالي، فإن رد الفعل وقف وقفة قوية شجاعة مدافعة عن مصالحه وعن حقوقه وقضاياه المقدسة، دون أي تردد مهما كان حجم الطرف المعني.
وختم بالقول “إننا أمام مرحلة تزكي ما تم التأسيس له للدبلوماسية المغربية منذ تولي الملك جلالة الملك محمد السادس على العرش”.
ويرتبط موقف المغرب بنقطتين أساسيتين، في نظر إدريس لكريني، أستاذ الحياة السياسية والعلاقات الدولية في كلية الحقوق بجامعة القاضي عياض، أولها متعلقة بقضية وطنية وأساسية لا يمكن تجاوزها، والمغرب أصبح يقيم من خلالها طبيعة علاقاته مع الأصدقاء الحقيقيين.
كما أن هذا الأمر، يضيف لكريني، في اتصال بـSNRTnews، يحيل إلى الدينامية التي عرفتها الخارجية المغربية في العقدين الأخيرين، سواء من خلال مواقف واضحة أو المبادرة أو البرغماتية في تحديد السلوكات الخارجية.
واسترسل: “أعتقد أن إرساء علاقات التعاون لا يمن أن تكون على حساب أحد الأطراف، والمغرب منخرط بحسن نية في تعميق علاقاته مع البلدين، ولكن في نفس الوقت له سيادة، والرسائل التي يريد إيصالها من خلال هذا الموقف هي أن العلاقات يجب أن تنبني على الاحترام والانسجام بين السياسات والعلاقات التي تطرحها الدول”.
ويرى أن ألمانيا وإسبانيا تصران من خلال قنواتهما الرسمية على تعزيز علاقاتهما مع المغرب على عدة مستويات، لكن، في المقابل، تعبران عن سلوكات تعكس نوعا من التناقض بين الخطاب والممارسة، إلا أن المغرب نبّه إلى أن زمن المقاربات المبنية على الخلفيات الاستعمارية ولت، وأن العلاقات يجب أن تكون متوازنة.