بإمكانياتها الواعدة وتنوعها الثري، تشكل الحلول المعتمدة على الطبيعة لإدارة المياه عنصرا أساسيا للحفاظ على هذا المورد المحدود- المملكة المغربية.
هذه الحلول المستوحاة من الطبيعة، تتوافق مع النمو الأخضر، الذي يدعو إلى الاستغلال المستدام للموارد الطبيعية وتسخير الطبيعة لدعم الاقتصاديات، لتشمل عدة مجالات، من قبيل تحسين الصحة البشرية، وسبل العيش، والنمو الاقتصادي المستدام، والوظائف اللائقة، وإصلاح النظم الايكولوجية وصيانة التنوع الإحيائي وحمايته.
على الصعيد الوطني، تكتسي إشكالية المياه أهمية خاصة وتحتل مكانة بارزة في السياسات العمومية للمملكة، إذ نهج المغرب، ومنذ فترة طويلة سياسة ديناميكية مكنت البلاد من التوفر على بنية تحتية مائية ضخمة تتكون من 148 سدا كبيرا، كل هذا ساعد على تحسين الولوج إلى المياه الصالحة للشرب، وتلبية احتياجات الصناعة والسياحة، وتطوير نظام ري واسع النطاق.
غير أن قطاع المياه في المغرب يواجه عدة تحديات، راجعة بالأخص إلى ندرة الموارد المائية وتفاقم الظواهر المناخية الشديدة (الفيضانات والجفاف)، تحت تأثير تغير المناخ، وكذا إلى عدم كفاية الموارد مع الاحتياجات المتزايدة باستمرار من المياه.
وإدراكا منه لأهمية إشكالية المياه، التي تمثل مصدر قلق لكافة بلدان العالم، شارك المغرب بشكل مكثف في المنتدى العالمي للماء في برازيليا ، سنة 2018.
و وعيا منها بأهمية إدماج الشباب في خطة التنمية المستدامة، وكذا اعتبارا لكون التغيرات المناخية وتأثيراتها أصبحت تشكل محطة حتمية للوقوف والعمل.

واستكمالا للدينامية التي أطلقتها جمعية حركة “الشباب من أجل المناخ” على المستوى الوطني بهدف العيش في بيئة أفضل التي حتما لا تأتي إلى بعمل متكامل دولة ومجتمعا.
تبقى التربية البيئية من أهم الخطوات لإنتاج شباب أكثر وعيا بظروفه المناخية الحالية وأكثر نضجا بكيفية التعامل معها. إيمانا منها بهذا نظمت الجمعية دورة تكوينية تحت عنوان ” التغير المناخي وتأثيره على الفرشة المائية “، يومي 28 و 29 من مارس الماضي بالرباط.

بعد مشاركتها في المخيم التدريبي “Greenpreneur” من تنظيم أطلس لتنمية قامت الباحثة البيئية فاطنة إكرام الفن بتنفيذ فكرتها التي شاركت بها الا وهي تدريب حول “التغيرات المناخية وتأثيرها على الفرشة المائية”.
اختارت فاطنة إكرام الفن المؤسسة الشريكة لجمعية “حركة الشباب من أجل المناخ” العمل على هذا الموضوع نظرا لأهميته البالغة وللوضع الحالي للفرشة المائية على المستوى الوطني والعالمي وكذلك جاء هذا و عيا منها لأهمية إدماج الشباب في خطة التنمية المستدامة.

تم تنظيم هذا البرنامج التدريبي بشراكة مع “حركة الشباب من أجل المناخ” وبتنسيق مع “أطلس لتنمية” و “المجلس الاقتصادي والاجتماعي و البيئي” بالرباط وهو نفسه المكان الذي احتضن هذا النشاط و بتمويل من “Peace First”.
وفي هذا الصدد، أشارت الباحثة البيئية فاطنة اكرام الفن في تصريح ل “جسر بريس” ، ان الانسان منذ ظهوره على وجه الارض و هو يعامل الطبيعة بطريقة استغلالية و أحيانا عنيفة فقط ليشبع رغباته و احتياجاته دون النظر الى عواقب هذا الاستغلال.

وقالت الباحثة، ان مرور الزمن يزداد استغلالنا لطبيعة، و ما كان لهذه الأخيرة إلى الرد بطريقتها الخاصة، مما نتج عنه اضطراب المناخ، ارتفاع نسبة الحرائق، الفيضانات، و حالات الجفاف التي اصبحت تواجه أكثر من 17 دولة اغلبها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث يؤثر المناخ الحار والجاف على مستويات إمدادات المياه هذا ما كشف عنه مؤشر WRI. اليوم تقريبا مليار شخص لا يستطيعون الوصول الى الماء الصالح لشرب و العدد في الارتفاع، حسب ذات المحدثة.
وأردفت الفن ، كل هذا إن دل على شيء فهو يدل على عدم حسن تدبيرنا و ترشيدنا للماء الشيء الذي سيعود علينا و على الاجيال القادمة بالمضرة فالماء هو الحياة.
في ظل جهود المغرب ايجاد حلول بديلة لتحقيق الأمن المائي
وأوضحت فاطنة اكرام الفن ، إن المغرب من الدول التي تتسم بمحدودية الموارد المائية وهشاشتها، بسبب مناخه الجاف، وشبه الجاف، مع تباين كبير في التساقطات المائية الوضع الحالي للفرشة المائية لا يبشر بخير بحيث قلت نسبة المياه الجوفية و حتى سطحية و ذلك راجع لعدة عوامل أهمها ارتفاع في درجات الحرارة و كذا الاستهلاك الغير المعقلن للمياه الجوفية (حفر الابار في البوادي).

واكدت الفن ، إن نصيب الفرد من الماء في المغرب أصبح حاليا لا يتجاوز 600 متر مكعب سنويا، كما أن بعض المناطق في المغرب لا يتجاوز فيها نصيب الفرد من الماء 300 متر مكعب، و يرتقب أن يفقد المغرب 30 في المائة من الواردات المائية في أفق 2050.

وفي هذا الصدد اولى صاحب الجلالة الملك محمد السادس أولوية كبرى لمسألة الماء ولمواجهة ندرته. وفي هذا الإطار، تم وضع عدة برامج تهدف أساسا إلي تعبئة المياه من خلال إنشاء السدود التي تكتسي أهمية بالغة بالنسبة للمملكة، حيث نتوفر اليوم على 148 سدا. وتم إطلاق الاستراتيجية الوطنية لترشيد الماء، حيث تم اقتراح من خلالها إنجاز 57 سدا كبيرا في الفترة ما بين 2009 و2030، لكن و مع الأسف لم ينجز منها إلى حد الآن سوى 9 سدود، بينما كان يفترض أن يتم الانتهاء من إنجاز 30 سدا في سنة 2020. كما تم العمل على تحسين ولوج العديد من المواطنين والمواطنات إلى الماء، خصوصا في المناطق القروية والجبلية، حيث أن أكثر من 98 بالمائة من هذه المناطق مغطاة بقنوات تزويد الماء و40 بالمائة من ساكنة العالم القروي تتوفر على الربط المنزلي بالماء و100 بالمائة بالنسبة للحواضر.
من جهة أخرى، تم وضع عدة مشاريع للعمل على مواجهة التغيرات المناخية. وفي هذا الإطار، أعطى جلالة الملك مؤخرا انطلاقة البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027 بتكلفة إجمالية بلغت 115 مليار درهم، الهادف أساسا إلى العمل على تزويد المواطنين بالماء الشروب، والعمل من ناحية أخرى على ضمان ماء السقي بالنسبة للقطاع الفلاحي.
فضلا عن ذلك، تم إصدار القانون المتعلق بالماء الذي يرتكز على مبادئ أساسية لضمان حق الماء للجميع، ومبدأ “المُلوِّث المؤدي” لمواجهة إشكالية تلوث الماء وتحسين جودته، إلى جانب الاستراتيجية الوطنية للماء التي تم إطلاقها سنة 2009 بهدف مواجهة سنتي جفاف متتاليتين وتأمين وصول الماء الشروب لجميع المواطنين وتفادي الضغط على الأقاليم، وفي الوقت نفسه ضمان تزويد كل القطاعات المعنية بالماء، خاصة القطاعات الفلاحية والصناعية والسياحية ، والعمل كذلك على تحسين جودة الماء وتطعيم الفرشة المائية من أجل ضمان إمكانية مواجهة الظروف المناخية الصعبة، خصوصا وأن التغيرات المناخية أبانت عن تراجع في التساقطات المطرية, حسب قولها.
يذكر أن الاحتفال باليوم العالمي للمياه يأتي تنفيذا لتوصيات مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية المنعقد سنة 1992، الذي أوصى بفعالية عالمية للمياه، لتحدد الجمعية العامة للأمم المتحدة تاريخ 22 مارس 1993 كأول يوم عالمي للمياه، وأصبح تقليدا يتم الاحتفاء به سنويا.
