لم أكن أنوي أن أحكي لكم أعزائي بقية الحوار الذي دار بيني وبين تلك الصحفية التي سألتني عن أجمل شيء يتوفر عليه المغرب، أو أن أصدع رؤوسكم برأي من كان جالسا معنا حول الموضوع ، لكن مادام الكثير منكم طلب مني ذلك ، على قول المصريين : ( أنتم غاليين وطلبكم رخيص) ، إرتأيت أن أكتب لكم هذا المقال لعلي أشبع فضولكم و تلبية لطلبكم .
و لكي أضعكم في الصورة أكثر : كنا حول المائدة من تسع جنسيات عربية مختلفة ، تتكون من أربع إناث من بينهن الصحفية السائلة، وصديقة لها تحظل نفس جنسيتها ، و سيدتان أخريتان تنتميان لبلدين عربيين مختلفين، و أنا من المغرب، وأما الخمسة الباقون الذكور فينتمون لخمس دول عربية شقيقة .
و هذا الحضور المتنوع حول موائد وجبة الغذاء، لم يأتي من محض الصدفة، بل كان أمرا مدبرا وسنة حميدة ابتكرتها إحدى السيدات المشرفات على التنظيم، والتي كانت تسألنا بمدخل القاعة الكبيرة عن جنسياتنا، قبل أن تبادر إلى توزيعنا على موائد الضيافة، وكانت تصر وتحرص على التفرقة بين الأصدقاء أوالإخوة أو الرفاق بمجرد أن علم بأنهم من نفس الوطن ، وعندما يترجاها أحدهم بأن تسمح له بمجالسة واحد من أبناء وطنه ، تبتسم ابتسامة جميلة، وتقول له وهي تمازحه : “ممنوع يا أستاذ ممنوع ، قانون الضيافة عندنا لا يسمح بذلك” ، ثم تغمزه بعينها وتسر له بكلام عن صاحبه على مسمع من هذا الأخير : “يا أخي أنا أريد أن أخلصك منه وأريحك من ثرثرته ، وأجلسك مع من هم أفضل وأحسن منه لتستمتع وتستفيد أكثر ، فلا تعترض ؟ ” ، فما يكون على الرفاق سواء كانوا أصدقاء أوأقارب من بلد واحد، إلا أن يستسلموا ويرضخوا لرغبتها وهم يضحكون على خفة روحها …..ولا أعلم لماذا فاتها أن تفرق بين الصحفية السائلة، وصديقتها رغم انتماءهما لنفس الوطن؟
المهم… ما إن أنهيت الكلام عن جمال الطبيعة والمرأة في المغرب كما ذكرت بالتفصيل في مقالي السابق ، حتى صفقت لي الصحفية تصفيقا خفيفا لايكاد يسمع ، … وقالت لي :
” برافو أستاذ ، كلام جميل .. هنيئا لنساء المغرب بك يا أخي، لأنك لم تذكرهن فقط، بل بالغت في الثناء عليهن و الإشادة بهن في كل ماقلت، وتستحق منهن كل الشكر “.
فأجبتها : ” أنا لم ابالغ في شيء ولكنها الحقيقة فقط ” .
ثم تبسمت صديقتها التي كانت بقربها ، وقالت لها : لم لا يفعل ذلك و كل ( فتاة بأبيها معجبة) ” ، وأثار كلامها ضحك الحضور حول المائدة .
فأجبتها : “يا أستاذة، كان الأليق والأنسب بك ، أن تقولي : كل رجل بأمه معجب .
فقالت لي: ” عذرا أستاذ ، أنا لم أقصد أن أخدش في رجولتك ، عندما شبهتك بالفتاة المعجبة بأبيها ، أناذكرت فقط مثلا شائعا ومعروفا عند العرب، ولم أكن أنوي أبدا أن أكون قليلة الذوق معك ، ولم أتوقع أبدا أن يضحكوا مني …(تقصد الحضور معنا )”.
فقلت لها : ” أعلم يا سيدتي أنك لم تقصدي ذلك ، وأنا غير مستاء من ضحكهم، و عندما أخبرتك أنه كان من الأنسب أن تقولي( كل رجل بأمه معجب) ، …قلت ذلك فقط لأطوع المثل الذي اخترتيه، وأجعله يناسبني أكثر ، لأنني من جهة رجل، ومن جهة أخرى فلكون المرأة المغربية التي تكلمت عنها، أم المغاربة ، ولأن وطني الذي ذكرت جمال طبيعته هو الآخر ، أم المغاربة ..”.
فقاطعنا أحد الجالسين و هو يبتس قائلا : ” ….من الطبيعي أن يذكر أحدنا أن أمه هي أجمل نساء الكون “.
فقلت له:” طبعا، لكن هناك فرق كبير بين أن يقول ذلك وهو يعتقده ويومن به كحقيقة مجسدة في الواقع ، وبين أن يقوله فقط من باب المجاملة لأمه رغم علمه ، بأنها تفتقر لما يصفها به، ليجبر خاطرها، ويثبت حبه لها أو لمن يسمعه “.
ثم تابعت الحديث مسترسلا في شرح الأمر أكثر لمن حولي وهم ينظرون وينصتون ، وقلت لهم :” لكي تصدقوا أنني محق في كل ما قلته عن جمال طبيعة في المغرب، أنظروا مثلا للإقبال الهائل للسياح على بلادنا ، المغرب كما تعلمون يحتل المرتبة الثالثة عربيا من حيث عدد السياح الزائرين له ، خلف كل من المملكة العربية السعودية الأولى عربيا بفضل سياحة الحجاج والمعتمرين ، وأفواجهم التي لا تنقطع طيلة السنة، والذين لا يزوروها طبعا لجمال طبيعتها، ولكن تلبية للشعائر الدينية وبهدف التعبد لله ، ثم خلف الإمارات العربية الثانية عربيا، و الدافع للسياح لزيارتها ، ليس لجمال طبيعتها هي الأخرى ، بقدر ما هو حب السائح للأعمال و التجارة الدولية، أو رغبة منه لاقتناء الماركات العالمية ، من سلع المولات الكثيرة بها ، أومشاهدة الأبراج الإسمنتية ذات الطوابق العالية ، وركوب اليخوت الفاخرة ،أو زيارة الجزر الإصطناعية، وكلها دوافع ترفيهية ورائها وسائل جلب غير طبيعية، خلقتها إمكانيات مادية هائلة بأيادي بشرية، عكس المغرب الذي يكون فيه الإقبال على السياحة بدافع التمتع بالجمال الطبيعيى الرباني الذي تجسده بيئته على حالتها التي خلقها الله عليها ، وقد يحاول البعض منكم أن يقحم التاريخ و مآثر العمران القديمة للمغرب ، كعاملين حاسمين في تبوأه هذه المرتبة في السياحة، لكن هناك دول مرت منها حضارات قديمة وبها قلع ومساجدوتماثيل تاريخية …..إلخ ، ومع كل هذا لم تصل إلى مرتبة المغرب في استقطاب السياح الأجانب ، والسبب في ذلك واضح جدا ، وهي طبيعة المغرب المتنوعة التي رجحت كفته و أهلته أكثر ليتفوق على طبيعة تلك الدول الصحراوية القاسية، ولوكان الأمر يقاس بقدم المآثر، لتفوقت دول على المغرب في استقطاب السياح، وإن كنت لا انفي أن هناك عوامل أخرى مساعدة للمغرب في هذا المجال ، لكنها تبقى مجرد عوامل مكملة، ويبقى جمال الطبيعة هو الأساس بدليل أنه دفع حتى محترفي التصوير السنمائي العالمي الأكثر اهتماما بجمال الصورة بهوليود لاختيار المغرب، كاستوديو طبيعي لتصوير مشاهد أفلامهم السنيمائية العالمية الرائعة، وهذا دليل على صحة ما قلته عن جمال طبيعة المغرب الإستثنائية، أما بخصوص شهادتي في المرأة المغربية وتميزها ، أدعوكم فقط لمشاهدة مختلف أعراس الدول العربية دون المغرب ، وقارنوا لباس نساء هذه البلدان بهذه المناسبات ، ستجدون أن حضورهن متشابه فساتين، وقمصان أنيقة متنوعة، لكنها غير موحدة أو مميزة، وقد يلبسن للمناسبة نفس الفساتين التي يرتدينها وهن خارجات ليلا لسهرة بمسرح ، أو أمسية ليلية، أو للتنزه أو التبضع، ولا تخضع أزياءهن لاحترام ضوابط خاصة بالمناسبة ، ولا تتشابه في الشكل والتصاميم ،بينما إن إطلعتم على قفاطين المغربيات ولباسهن التقليدي المخصص للمناسبات الإجتماعية الكبيرة ستجدونها مختلفة تماما عما ترتدينه عند خروجهن للشارع العام ، أو للعمل، أو للسهرات العادية، و سترونه يتكون عند كلهن من لباس تقليدي محضر ومصمم لهذه المناسبات، ويتشابه عند جميع الحاضرات من حيث حمله للتطريز وطريقة الخياطة .
أما العروس التي تتحول لملكة ليلة زفافها، وتوصف في أغاني الأعراس بلالة السلطانة، وعريسها بمولاي السلطان فإنها لا تلبس فستانا واحدا كما هو الحال عند باقي عرائس باقي الدول، التي في غالب الأحيان يقتصر لباسهن على فستان أبيض، مقتبس من لباس العرائس عند الغرب، بل تعرض في حفل زفافها الكثير من الأزياء المغربية التقليدية، وكل لباس يعرض في وقته ،تحت أنغام موسيقى تخصه ،و تسريحة شعر خاصة تتماشى معه ،ومجوهرات، وأكسيسوارات تابعة مخصصة له ،و كرنفال يمتد وقته طيلة ساعات ليلة العرس ، إلى أن يشق دجى الصباح ، وتختم العروس المغربية استعراضها بفستان غربي أبيض، إعلانا منها عن اختتام الحفل وتوديعا منها للحضور ولأسرة بيت والدها ، للإنتقال لبيتها الجديد لتبدأ حياة جديدة، تحت أنظار ودموع أمها ووالدها ، لأنهم سيفتقدونها ابتداءا من هذه الليلة فصاعدا بينهم ،وهذا وحده يكفي لإثبات أن المرأة المغربية تختلف عن باقي نساء العالم”.
ثم تبسمت الصحفية السائلةقائلة :” الحقيقة أن العرس المغربي مستوى آخر عن باقي الأعراس العربية ، أنا لم يسبق لي أن حضرته، ولكن سمعت ممن حضر انه شيء يليق بالمشاهدة والحضور “.
ثم التفتت لتوشوش مع زميلاتها العربيات بصوت غير مسموع ، لكنهن كن يتحدثن بالتأكيد عن المرأة المغربية والعرس المغربي ، وقد التقطت أذناي كلمة قفطان في حديثهن، ثم بدأ وضع الطعام على الموائد …وتم تغيير موضوع الحديث ،والتحدث بيننا حول الأحداث السياسية المتزامنة مع ذاك اليوم .
أرجوا أن أكون قد استجبت لمن طلب مني منكم أن اتمام ماجرى في الجلسة ، وإلى مقال آخر إن شاء الله ..