أعلن النظام الجزائري، الأربعاء، عن تعليقه لمعاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون التي أبرمها في الثامن من أكتوبر سنة 2002، مع إسبانيا، بشكل فوري، وذلك ردا على الموقف التاريخي لمدريد، والقاضي بدعم مبادرة الحكم الذاتي بالصحراء المغربية.
وفي تعليقه على هذا القرار، قال تاج الدين الحسيني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن “القرار الذي اتخذته السلطات الجزائرية بخصوص تعليق اتفاقية حسن الجوار والتعاون التي وقعت منذ سنة 2002 مع إسبانيا، لم يكن بالمفاجئ، بالنسبة لما يراه بعض الملاحظين”، مشيرا أن “هذا النوع من القرارات يدخل في مسلسل مرحلي شرع فيه النظام الجزائري منذ أن أعلنت إسبانيا ذلك الموقف الذي قلب رأسا على عقب حسابات النظام الجزائري بالنسبة لقضية الصحراء المغربية”.
وأضاف الحسيني، في تصريح “الأيام 24″، أنه “بعد مضي حوالي 20 سنة على توقيع الاتفاقية، يقوم النظام الجزائري لسبب يرتبط بقضية الصحراء بتعليقها، بعد أن كان قد قرر دعوة سفيره للعودة من إسبانيا”، معتبرا أن “هذا يؤكد نوعية الارتجالية وعدم الاستقرار في عقلية متخذي القرار في النظام الجزائري، الذين يتصرفون بكيفية عشوائية كلما تعلق الأمر بملف الصحراء”.
وأوضح المتحدث، أن “هذا الموقف الجديد، يُظهر حقيقة، ليس فقط لإسبانيا، ولكن لمجموعة بلدان الاتحاد الأوروبي وللمجتمع الدولي، أن الجزائر تتجه لكي تصبح شبيهة بتلك البلدان المارقة، خاصة إذا أتبعت مثل هذا القرار بقرارات تتعلق بالتعاون الاقتصادي والتجاري”.
“علينا أن نلاحظ في نفس الوقت”، يضيف الحسيني، أن “هيئة الأبناك في الجزائر أصدرت قرارا خطيرا، يهدف إلى وقف تمويل عمليات الاستيراد والتصدير، أي عملية توطين رؤوس الأموال الخاصة بذلك”، مشيرا أن “هذا معناه توقيف التبادلات للكثير من السلع والخدمات مع إسبانيا”.
وتابع: “لحد الآن يقول الرئيس الجزائري بأنه سوف لن يتخذ موقفا بهذا الخصوص فيما يتعلق بالغاز لأن الجزائر مرتبطة باتفاقيات طويلة الأمد مع إسبانيا، ولكن كل شيء يبقى محتملا مع هذه النزوة التي أصبحت تهيمن على آلية اتخاذ القرار في الجزائر”.
وأكد الحسيني، أن “هذا الموقف يظهر أن الجزائر دائما كانت تعتبر أنها ليست بطرف في النزاع حول الصحراء، لدرجة أنها امتنعت عن حضور الموائد المستديرة التي جاء بها مجلس الأمن الأخير، والتي يشرف عليها المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، بحجة أنها ليس طرفا، لكن ما حدث مع فرنسا والمغرب وإسبانيا يؤكد بأنها أكثر من طرف، وبأنها المسؤولة عن كل التطورات التي يعرفها الملف”.
وأضاف أستاذ العلاقات الدولية، أن “الرئيس الجزائري يزعم أن موقف إسبانيا من شأنه أن يزعزع الأوضاع في المنطقة ويؤدي إلى مخاطر في المستقبل، والعكس هو الصحيح، لأن عدم اتخاذ ذلك القرار من طرف إسبانيا، ربما كانت ستكون له أبعاد أكثر خطورة، بل عندما يتفق المجتمع الدولي على قبول مبدأ الحكم الذاتي كوسيلة للتسوية، فهذا يعني الاستقرار والسلم في منطقة من العالم”.
وعن خلفيات هذا القرار، أوضح الحسيني، أن “قيادة النظام الجزائري ذهبت إلى هذا المستوى التصعيدي المرتفع، لأنه كان لديها نوع من الإدراك بأن باقي البلدان الاروبية ستحدو حدْو كل من فرنسا وألمانيا وإسبانيا، وهي دول قوية في قلب الاتحاد الأوروبي، ولذلك ربما رأت في هذه الخطوة السلبية نوعا من المزايدة على البلدان الأروبية حتى لا تغير مواقفها”.
واعتبر الحسيني، أن “هذا الموقف سيظهر للمجتمع الدولي وللشركاء الأوروبيين، أنه بقدر ما يتعامل المغرب مع القضايا الدولية المهمة بكثير من الحكمة والرصانة بقدر ما تنزلق الجزائر في تصعيد غير محسوب العواقب، والذي سينقلب بالخطورة وبالكثير من الآثار السلبية على المواطنين الجزائريين، تماما كما حدث بالنسبة لوقف أنبوب الغاز مع المغرب”.
كما ذكّر الحسيني، بموقف الناطق الرسمي باسم الجهاز التنفيذي للاتحاد الأروبي من هذا القرار، والذي عبر عن أسفه للموقف الذي اتخذته الجزائر، وأكثر من هذا، عن قلق الاتحاد الأوروبي بشأن ما يقع.
وكان رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، جدد دعم بلاده لمبادرة الحكم الذاتي المغربي باعتباره “الأساس الأكثر جدية، واقعية ومصداقية” لحل النزاع حول الصحراء المغربية.
وأكد سانشيز، خلال الجلسة العمومية لمجلس النواب الإسباني، المنعقدة نهاية شهر مارس الماضي، أن “إسبانيا اتخذت هذا القرار بإرادة كاملة لاتخاذ خطوة إلى الأمام” نحو تسوية هذا النزاع.