عادل بن حمزة ، محلل سياسي
تكشف التطورات الأخيرة للعلاقات الجزائرية – الإسبانية عن مزاعم الحياد التي ادّعتها الجزائر لفترة طويلة، بخصوص النزاع الذي افتعلته حول سيادة المغرب على الصحراء، وعن كونها ليست طرفاً فيه، وهو ما حاولت الدبلوماسية الجزائرية الترويج له في العقود السابقة، غير أن ذلك لم ينطلِ على القوى الدولية الكبرى والمؤثرة في مجلس الأمن، لذلك اعتبرت قرارات المجلس أن الجزائر طرف أساسي في هذا النزاع الإقليمي، وفرضت حضورها في الموائد المستديرة التي قادها المبعوث الشخصي السابق للأمين العام للأمم المتحدة الرئيس الألماني الأسبق كوهلر، وكذلك ما يعتزم القيام به المبعوث الشخصي الحالي دميستورا. ورغم محاولات النظام الجزائري ادعاء الحياد، فإن الممارسة الدبلوماسية والاقتصادية الجزائرية تكشف عكس ذلك.
قبل شهر قررت إسبانيا باعتبارها دولة ذات سيادة وبوصفها المستعمر السابق للصحراء المغربية، إجراء مراجعة جذرية لموقفها من قضية الصحراء، إذ عبّرت الدولة الإسبانية بكل وضوح عن دعمها لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب منذ 2007 كحل يحظى بالمصداقية والجدية لنزاع إقليمي مفتعل عمّر طويلاً، وأصبح يمثل خطراً على الأمن والسلم في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء، باعتبارها تمثل امتداداً استراتيجياً للأمن في أوروبا وفي حوض البحر الأبيض المتوسط، في ضوء التحولات الجيواستراتيجية التي أفرزتها الحرب الروسية على أوكرانيا. الموقف الإسباني، وإن كان غير معزول عن مواقف أوروبية مماثلة، نذكر منها الموقف الألماني والموقف الهولندي والموقف الفرنسي، فإنه يتم بخصوصية نادرة هي ما يزعج النظام الحاكم في الجزائر، ذلك أن إسبانيا هي المستعمر السابق للصحراء، وهي عضو ضمن مجموعة أصدقاء الصحراء في مجلس الأمن، وهي أساساً ما كان يعتبره النظام الجزائري ذاته بالسلطة الإدارية في المنطقة، لذلك فإن ما يلاحظ اليوم من تشنج في الموقف الجزائري، يجد تفسيره في هذه الخصوصية التي لا تتوافر لبلد أوروبي آخر.
رد الفعل الجزائري من الموقف الإسباني المتمثل في استدعاء السفير من مدريد أو قرار وقف العمل باتفاقية الصداقة والتعاون التي تشمل المبادلات التجارية مع إسبانيا، كشف زيف ادعاء الحياد في قضية الصحراء المغربية، ذلك أن إسبانيا مارست حقاً كدولة ذات سيادة في الشكل والجوهر لا يمسّ مصالح الدولة والشعب الجزائريين، لذلك فإن رد الفعل الجزائري، وخاصة صدور قرار وقف المعاملات التجارية مع إسبانيا عن مجلس الأمن القومي (…)، يكشف الطبيعة العسكرية لنظام الحكم في الجزائر، وعن صورية المؤسسات الأخرى، بما فيها مجلس الوزراء الذي يرأسه عبد المجيد تبون.
عرف النظام الجزائري بتعامله الانتقائي مع مبدأ تقرير المصير، فقد ادعى طويلاً أنه يساند حق تقرير مصير الشعب الصحراوي. كيف يعقل ذلك وهي التي صادرت حق الشعب الجزائري عندما اختار في الانتخابات من يمثله بداية التسعينات من القرن الماضي؟ الجزائر التي لا تزال عملياً في ظل نظام الحزب الوحيد، لا يمكن أن تقدم دروساً عن حرية الشعوب وحقها في تقرير مصيرها، خاصة بعد الحراك الشعبي الذي تمت مواجهته بثنائية العصا والجزرة كسياسة دولة…
النظام الجزائري دافع طويلاً عن فزاعة الحدود الموروثة عن الاستعمار، ذلك أنه كان أول مستفيد منها، وقد غلّف ذلك بشعار حق تقرير المصير الذي لا يعني في عرفه سوى الانفصال. على هذا الأساس كان يجب تأسيس مئات الدول في أفريقيا وحدها، وهو الوضع نفسه على المستوى العالمي، إذ يتجاوز عدد العرقيات حول العالم 5 آلاف، من بينها 300 مجموعة عرقية في أفريقيا وحدها، فهل يمكن تصور منح تقرير المصير بمعنى واحد يعني الانفصال وتأسيس دول جديدة لكل هذه العرقيات؟
النظام الجزائري الذي حاول تصوير نفسه كأسد في مواجهة إسبانيا، كان مجرد حمل وديع في مواجهة الموقف نفسه المساند لمغربية الصحراء عندما صدر عن واشنطن…