تحركت قوافل وحدتنا نحو الحدود الشرقية للمملكة على الساعة السادسة صباحا قبل العشر الأوائل من رمضان يوم 15 يناير 2000 .
كثير من الناس من يقرأ هذه التدوينة يتذكر أنه في تلك الأيام بالضبط وربما قبل ذلك بشهرين تقريبا ؛ كان قد أعلن عن اكتشاف البترول في تالسينت وبدأت أعمال الحفر من طرف شركة عالمية.
والأزمة التي افتعلها النظام الجزائري جاءت في تلك الظرفية ولكني لا أنا ولا أي أحد كان يمكنه المقاربة بين هذا وذاك اللهم العارفون بالشؤون الإستراتيجية أو من كان وراء تدبير الأزمة وافتعالها .
أما أنا وأفراد وحدتي فلم يكن لدينا الوقت ولا يدخل في شغلنا التفكير في أي شيء آخر غير أمور المهمة التي أمرنا بها وكنا بالروح والقلب والعقل نديرها ؛ حتى السماء لم يكن لنا الوقت للامعان في لونها. كل ما أتذكره أن مهمة الإلتحاق بالحدود الشرقية تم بسلام وبدون حوادث وفي جو هادئ وصافي بالرغم من برودة الطقس في الليل نظرا لفصل الشتاء..
كانت القوات المنتشرة على طول الحدود والأخرى التى ترابط خلفها للدعم والإسناد تزرع الطمانينة في النفس. كما أن التحاق وحداتنا التي كانت ترابط في تازة ، منها وحدتي انا ، رفع من معنويات القوات المنتشرة قبلنا و التي وجدناها هناك.
كنا نتابع في الأخبار على القنوات الوطنية أخبار المناورات العسكرية التي ترأسها القائد الأعلى للقوات المسلحة الملك محمد السادس نواحي وارززات في الأيام الأولى لالتحاقنا بالحدود ورأيناه لأول مرة بلباس الميدان كقائد أعلى (الصورة ) ، رفقة شقيقه الأمير مولاي رشيد ؛ اشرفا على مناورات سلاح المدرعات وباقي القوات البرية الأخرى في المنطقة .
شارك أيضا في المناورات سلاح الطيران وكذا طائرات الهيليكوبتر الحاملة للصواريخ المضادة للدبابات لدعم القوات البرية. وبعد يوم من ذلك ترأس القائد الأعلى للقوات المسلحة الملك محمد السادس استعراضا لكل تمثيليات الوحدات المرابطة بالمنطقة الجنوبية. إنها أجواء التحضير للدخول في حرب.
وفي نفس اليوم وبنفس الزي العسكري التحق الملك بالأمير عبد الله بن عبد العزيز، والامير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد ووزير الدفاع للمملكة العربية السعودية في قصره بتاغزوت شمال أكادير . كنا نحس بأجواء التوتر التي تسبق بدء العمليات. كانت الحرب قاب قوسين أو أدنى من الاشتعال لولا تدخل القوى العظمى و كذلك السعودية.
لم أعلم بهذا ولا أحد منا كان يعرف شيئا عما يجري بين العواصم ولا كان لذينا الوقت للتفكير فيه . ولكننا كنا نتابع الأخبار في الليل بعد انتهاء الأشغال اليومية. من بين ما انتبهت إليه زيارة السيدة هيلاري كلينتون وبنتها للجزائر وبعدها طارت إلى الرشيدية وذهبت لزيارة قبر جدها والد امها المدفون في الريصاني؛ ثم حلت بمراكش واستقبلتها الاميرات اخوات الملك في نفس اليوم الذي كان يتراس فيه هذا الأخير إستعراض تمثيليات الوحدات المرابطة بالمنطقة الجنوبية.
انتهت مهمتنا بعد أربعة أشهر وعدنا لتازة. وبعد شهور قرأت تقريرا لصحيفة أمريكية فيه تحليل لما حدث بالضبط لانتزاع فتيل الحرب ولماذا افتعل جنيرالات الجزائر تلك الازمة. القضية فيها خبر اكتشاف البترول وفي الواقع لم يكن هناك لا بترول ولا هم يحزنون (Bluff ) . فقد ظن جنيرالات الجزائر أن بحيرة البترول في أنوال ،ثلاثين كيلومترا شمال شرق تالسينت، ستكون هي نفس البحيرة التي تمتد إلى داخل التراب الجزائري .
وبما أن الحدود بيننا غير مرسمة فقد طمعوا في كل الثروة البترولية لوحدهم . كما أن زيارة السيناتور هيلاري كلينتون زوجة الرئيس قبل أن تصبح وزيرة الخارجية ذهبت إلى عاصمة جارتنا الشرقية حاملة خطابا موجها لحكام الجزائر من الكونغرس الأمريكي وموقعا من طرف 100 سيناتور آخرين يقول ما معناه : ” لا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية ان تسكت وتبقى مكتوفة اليد إذا ما تم تهديد أراضي المملكة المغربية أو محاولة زعزعة استقرارها أو مؤسساتها…” .
فهل كانت المخابرات العسكرية المغربية DGED وراء دفع جنيرالات الجزائر لاتهام المغرب ؟ ربما الجواب مرتبط بكذبة اكتشاف البترول ، لأن اشغال الحفر توقفت بمجرد انتهاء الأزمة شهورا بعد عودتنا لتازة. ولماذا ؟ أنا متيقن من أن مخابراتنا العسكرية نجحت في إختراق مراكز القرار على مستوى قيادة أركان الجيش الجزائري وحتى رئاسة الجمهورية.
وتم تحقيق هدف استراتيجي في منظومة الدفاع على الحدود الشرقية للمملكة ، ما كان ذلك ممكنا بدون كل هذه الحركية-التمويه والتي حصلت مباشرة بعد إتهام النظام الجزائري للمغاربة “اللصوص” الذين دخلوا التراب الجزائري وسرقوا وقتلوا….أومن بقوة وذكاء القيادة العليا للقوات المسلحة الملكية ومخابراتها.
بقلم الضابط السامي في قواتنا المسلحة الملكية عبد الرحيم العبوبي