كانت الامبراطورية المغربية خلال حقبة حكم السلطان المغربي محمد بن عبد الله (محمد الثالث) ما بين 1757م إلى غاية وفاته في سنة 1790م، من بين الحقب المشرقة في تاريخ البلاد، بسبب نهج هذا السلطان لسياسات داخلية وخارجية ناجحة جعلت المغرب من بين القوى الكبرى في العالم.
وتُعتبر إنجازات هذا السلطان عديدة ومؤثرة وساهمت في تغيير سيرورة البلاد والعالم معا، فهو أول من اعترف باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية عن العرش البريطاني سنة 1777م، وألحق هزائم بفرنسا والبرتغال في العرائش وضواحي أكادير، وكانت له مواقف قوية تجاه دول عديدة مثل روسيا التي رفض ربط علاقات معها بسبب حربها ضد الامبراطورية العثمانية، بالرغم من أن المغرب كان يرفض الدخول تحت حكم العثمانيين.
ومما عُرف عن السلطان محمد الثالث، هو غيرته على بني جلدته من المسلمين، حتى ولو كانوا يخضغون لدول أخرى، ومن أبرز الحوادث في هذا الإطار، هو بعثه لوفد مغربي ترأسه السفير محمد بن عثمان المكناسي إلى إسبانيا لافتكاك ألفي أسير مسلم كانوا تحت قبضة إسبانيا، من بينهم 1200 أسير جزائري وآخرون ينتمون إلى طرابلس وتونس.
ولازال كتاب “الإكسير في فكاك الأسير” الذي ألفه رئيس الوفد السلطاني إلى إسبانيا، محمد بن عثمان المكناسي، تؤرخ لهذا الحدث الذي يُبرز مجهودات السلطان المغربي محمد بن عبد الله لافتكاك الأسرى المسلمين الذين كانوا يقبعون في سجون إسبانيا في ظروف مزرية حسب ما جاء في هذا المؤلف التاريخي الهام.
وكان السلطان محمد الثالث قد بعث وفده إلى ملك إسبانيا كارلوس الثالث، في سنة 1779م، وكان هذا الوفد الذي ترأسه السفير ابن عثمان، قد حل بمدريد خصيصا للتأكيد على العلاقات الجيدة بين المغرب وإسبانيا وافتكاك الأسرى المسلمين الذين عدّ منهم 1200 أسير جزائري وأخرون ينتمون إلى تونس وطرابلس، وقد وافق ملك إسبانيا على ذلك بعد بادرة حسنة كان قام بها السلطان المغربي تتعلق بافتكاك أسرى إسبان.
وجل الأسرى الذين افتكهم السلطان المغربي محمد بن عبد الله من إسبانيا، لم يكونوا مغاربة، بل كانوا ينتمون إلى المناطق التي كانت خاضعة للامبراطورية العثمانية. ويرجع سبب عدم تدخل العثمانيين لافتكاك هؤلاء الأسرى المسلمين، وفق العديد من المؤرخين، هو أن العثمانيين كانوا قد دأبوا على افتكاك الأسرى من أبناء جلدتهم العثمانيين فقط، بينما يُترك المسلمين من العرب والأعراق الأخرى في الأسر.
ويشير كتاب “الإكسير في فكاك الأسير” أن الغيرة الدينية لدى السلطان محمد بن عبد الله، هي التي دفعته لافتكاك الأسرى المسلمين من إسبانيا بدون أي تمييز عرقي، وقد فعل ذلك أيضا لافتكاك أسرى مسلمين آخرين من دول أخرى كإيطاليا ومالطا.