سنة بعد التحاقي بالفوج 44 ب مسيد Msied جنوب شرق طانطان ب 90 كلم على الطرف الغربي لجبل ورقزيز وقع هجوم لمسيد الذي دام قرابة الشهر من 13 يوليوز إلى 2غشت سنة 1983 وكان حربا حقيقية. هجم العدو بعشرات الدبابات المتطورة BMP بالخصوص ، واستعمل المدفعية الثقيلة بكثافة براجمات صواريخ اورغ ستالين ، فضلا عن قوة مشاة مجهزة بسيارات قتال وأسلحة ثقيلة قوامها أزيد من ست فيالق وهي كل قوة العدو آنذاك .كان أعنف هجوم في تاريخ حرب الصحراء حسب المختصين .
شارك في صد العدوان الطيران الحربي للقوات الملكية الجوية طيلة أيام الهجوم مستعملا أزيد من 20 طائرة وسرب من هليكوبتر gazelle حاملة لصواريخ مضادة للدبات لدعم القوات البرية.
هذا السرب من الهيليكوبتر سطر ملحمة في تاريخ الجيش المغربي صباح يوم عيد الفطر الموافق ل 16 يوليوز حين حاول العدو إختراق خط الدفاع على مستوى فج الريح. أحرقت كل دبابات العدو التي زج بها في محاولته وكان ذلك مفاجأة كاملة بالنسبة له لأنه لم يكن يعلم بدخول هذا السلاح في خدمة القوات المسلحة الملكية.
كسرت شوكة العدو ولم يتمكن من إسقاط أية مقاتلة بالرغم من استعماله لصواريخ سام 6 بكثافة قل نظيرها.واستمر القتال ليل نهار إلى أن فشل العدو في إختراق منظومة الدفاع في الخط الدفاعي للقوات المسلحة الملكية.
كان هذا الإنتصار بداية إنهيار أحلام قادة البوليساريو الذين شاركوا جميعهم في الهجوم بمن فيهم رئيسهم عبد العزيز المراكشي والذي رصد سلاح الإشارة مركز قيادته المتقدم في لبويرات .
كما تم احراق جل قوة مدرعات العدو بما في ذلك دبابة قائد سلاح المدرعات ومات فيها محروقا في اليوم الأخير للهجوم الذي دام قرابة الشهر. لكن تسليح البوليساريو كان يجد في دعم نظام القذافي ما لا يمكن حصره . كانت الدبابات التي هجم بها العدو تعوض بكاملها من طرف القدافي وهو أيضا من منحهم بطاريات صواريخ سام 6 التي كان يستعملها ضباط جزائريون.
وللتاريخ فرئيس البوليساريو الحالي ابراهيم غالي الذي كان قائد الناحية العسكرية الثانية جرح في الرأس في هذا الهجوم وتم اخلاءوه الى الرابوني .(* سوف تجدون بعد نهاية هذه الحلقة، اعتراف ما يسمى بوزير دفاع البوليساريو سابقا بهزيمة العدو في هذا الهجوم وغيره بالتفصيل ).
بعد لمسيد كانت سنوات 1985،1986 و1987 الأقسى لأن القوات المسلحة الملكية مدت الخط الدفاعي جنوبا ليؤمن كلتة زمور ،ام دريكة وبئر انزران . كنا نواجه عدوا يقصف نهارا ويهاجم مواقعنا ليلا وكذلك الارض القاحلة والظروف الطبيعية القاسية ،لكن الرجال الذين واجهوا العدوان في تلك المرحلة كانوا أقسى من الظروف وأكثر شراسة في مواجهة العدو ، سلاحهم الصبر والوفاء للوطن والقسم المؤدى ونكران الذات ….(يتبع)
—————————————–
* الاعتراف :
محمد لمين البوهالي وزير الدفاع السابق في البوليساريو و الذي تم ابعاده بعد وفاة محمد عبد العزيز رئيس الكيان الوهمي السابق يصفي الحسابات ويعترف.
“ذهبت الى مدرسة الشهيد الولي العسكرية كما تعرفان حين وجدتكما مدربين هناك وظللت على ذاك الحال الى ان زفّ اليّ احد الاصدقاء خبر نية الرئيس مهاجمة لمسيد واجتماع للاركان عند طلحة الخنكة ، فبادرته بحسن نية مني بصعوبة المنطقة وجبالها المرتفعة وتضاريسها المعقدة واستحالة مهاجمتها بالدروع والدبابات ، فانكر الامر ورجح الاجتماع الى امر تقييمي فقط و بعد ايام قلائل علمت بالهجوم والخسارة التي كنت اتوقعا في عتاد الدروع ، ثم تبعتها عملية السمارة والخسارة الثانية وحينها راودني الشكوك والتأمل جليا في مصداقية هذه المعارك الغير مدروسة النتائج والاحتمالات والدفع بأولاد الصحراويات الى الموت المحقق بدون ثمن يعني بكلمة واحدة انتحار او تهديم ، لان خسائرنا لا تقاس بخسائر العدو الذي يتفوقنا عددا وعتادا وكل 100جندي عند العدو يعادله جندي واحد عندنا وبالتالي هذه المعادلة تفرض علينا مقاتلة ومباغتة العدو في نقاط ضعفه وليس بالتصادم معه في نقاط قوته ، حينها قررت شخصيا ان أقوم بجولة اكتشافية استطلاعية لمواقع العمليات غير الناجحة ورفض وزير الدفاع انذاك منحي سيارات جيدة للمهمة ، فأعتمدت على آليتين ضعيفتين كانت بحوزتنا وأصطحبت مسؤولين اقسام التدريب ولما وصلنا قطاع الناحية الثانية بضواحي لمسيد ، ابلغونا انه يتواجد في قطاع ناحية أخرى وزير الدفاع الذي كان مريضا رفقة قائد الناحية وعلمنا من خلال معلومات التصنت ان العدو سيقوم بحزام رملي اخر بعد ايام , فأضطريت ان ألتقي وزير الدفاع للتشاور وتبادل المعلومات ونصحته بعدم التصادم مع العدو في نقاط قوته المتثلة في مقدمة القوات التي تؤمن الحافرات والعمل على زرع الالغام امامهم ومهاجمة اطراف قواتهم ، فلم يشاطرني الرأي ملتفتاً إليَّ : حَدْ يَجْبَرْ آمغيغات خارجين من غيرانهم ولا يخبطهم !! ههههه والله ما يقطعوا كيل واحدْ ، تركته وقراره وتجهنا نحو الجنوب فوجدنا اصحاب البحرية قد اخذوا الباخرة الكورية ومضينا معهم اياما واثناء رجوعنا علمنا كذلك بفشل خطة مواجهة قوات الحزام وانهم يتقدمون بدون تعثر وقطعوا اكثر من مئات الكيلومترات .
وبعد فترة بعد ذلك ابلغني مبعوث من طرف البشير مصطفى ضرورة لقاءه على جناح السرعة عند خيمة احمد بنجارة بمدرسة 27 فبراير ولما وصلته وجدته متأثرا جدا ( مَرْشوُفْ) فقال لي قائد الناحية الثانية مجروح وقد استشهد كل من حمادة محمدالوالي وسيدي سالم وعمي ولمغاربة فاجأونا بتكتيك الاقتحام والمطاردة والخسائر تعاظمت ( معارك لحريشة ) ومعنويات الرئيس تحت الصفر وامرني ان ابلغك ان تصطحب معك محمد الوالي اعكيك المتعافي للشفاء من جرح سابق وتلتحقاني به في اسرع وقت.
بعد اطلاعي على واقع جبهات القتال من خلال حديثي مع البشير في تلك الليلة ادركت حجم الخسارة وقلت له سوف أتشاور مع نفسي اولا وثانيا انا لا اعود لجيش مهزوم ، فقاطعني : وجه أَرْسولْ لا تفعل هذا ، الامر لم يُعدْ بسيطا والرئيس في حالة نفسية خطيرة ولا نريد فقدانه ولا نريد اعطاء مكاسب للعدو ….الخ ونحن قد اخطأنا في قرار عزلك عن الناحية الثانية ، وبعد حديث طويل وعميق وشعورا مني بالواجب والحس الوطني قررت ان اذهب ، ولما أتيناه وجدنا رجلا كأننا لانعرفه وقد تغيرت ملامحه تماما ، خافت الصوت والنظر و أشار إلينا عمر الحضرمي من خلفه بالسكوت والهدوء وعدم الاحتجاج ، فقال لنا انت يامحمد الامين خذ ناحيتك وحاول ان تُرجعها الى قوتها وانت يا محمد الوالي خذ ناحية المدفعية .”
بقلم :الضابط السامي في قواتنا المسلحة الملكية عبد الرحيم العبوبي