بقلم الضابط السامي المتقاعد في قواتنا المسلحة عبد الرحيم العبوبي
يوم غد 10 يوليوز هو يوم عيد الأضحى ، ويذكرني هذا التاريخ ب 10يوليوز 1983 الموافق ل27 رمضان ، يوم بدء هجوم العدو على لمسيد M’sied ، والذي دام قرابة الشهر من 10 يوليوز إلى 2 غشت 1983 ، والتي خضنا فيها حربا حقيقية ، حيث هجم العدو بما يقارب 100دبابة وازيد من ست فيالق آلية ومحمولة، واستعمل فيها قادفات صواريخ اورغ ستالين بكثافة قل نظيرها ، كما استعمل صواريخ SAM6 ضد الطيران الحربي للقوات الملكية الجوية .
في هذا اليوم بدأ قصف مدفعية العدو من الساعة السادسة صباحا الى العاشرة ، أي أربع ساعات أمطرت خلالها مواقعنا بما يزيد عن عشرة آلاف صاروخ 122 و 128ملم كتحضير للهجوم بمعنى الكلمة ، قبل أن يزج بارتال دباباته على الخط الدفاعي والذي ترابط فيه قواتنا (هذه الأرقام رسمية ومدونة في كتب التاريخ ). في ذات الوقت الذي كان العدو يمطرنا بوابل قدائف مدفعيته ، كانت المدفعية الملكية ترد على قواعد إطلاق صوايخ اورغ ستالين وقواعد إطلاق صواريخ 122 الرهيبة ، وهنا أريد أن أشهد أن المجموعة الثانية للفيلق الأول للمدفعية الملكية 2e batterie du 1er groupe d’artillerie royale ، قد لعبت دورا حاسما في القصف المضاد والمركز وبدقة عالية على مدفعية العدو وبسرعة وفعالية ، وكان شهداء هذه الوحدة أول من سقط في ساحة الشرف في الساعة الأولى لبدء الهجوم .
ولكي لا أطيل ، فقد زج العدو بارتال دباباته بعد أربع ساعات من القصف المدفعي، وكأنه سيدوسنا بدبابات T54-55و BMP بالخصوص ، مدعومة بسيارات مصفحة حاملة لأسلحة ثقيلة من عيار 14,5 ،12,7 و23 ملم وقادفات صوايخ RPG9و RPG7… دمرت قواتنا المسلحة الملكية المنتشرة في الخط الدفاعي كل دبابات و آليات العدو التي تتقدم ترتيبه في الخط الأمامي، فتراجع ثم هجم ثانية وثالثة ورابعة طيلة اليوم الأول للهجوم ، في هذا اليوم الأول سقط شهداؤنا وجرح عدد لا يمكن أن أصرح به هنا، من بينهم جنود مجاهدون صيام بالرغم من سريان فتوى تجيز الإفطار في زمن الحرب ، واستمر القتال طيلة اليوم الأول وطوال الليل ، كان علينا إصلاح العتاد الذي أصيب بخلل أو تعويضه من طرف وحدات الدعم ودفن الشهداء وتعويض الدخيرة المستهلكة وايصال الماء والمؤن لكل المواقع ، والتي كان منها من تموضع على مرتفعات جبل لورقزيز …بطبيعة الحال لم نجلس أو نرتاح لأن قصف مدفعية العدو استمر كل الليل ، لكي لا يسمح لنا بإعادة ترتيب صفوفنا…هذا الهجوم والذي يعتبر الأعنف في تاريخ حرب الصحراء حسب المختصين ، دام 26 يوما ليلها ونهارها ، وأنا لم أسرد إلا ملخص اليوم الأول ، فما بالك ب25 يوما الموالية . لايمكنني وصف ماعشناه بالضبط من عناء وإحساس لأن ما عشناه فاق تصوري بالرغم من أنني تلقيت في تكويني في الأكاديمية الملكية العسكرية تداريب على أقسى الظروف محاكاة لظروف الحرب ، فقد كان أعنف هجوم في تاريخ حرب الصحراء حسب المختصين. (كل التفاصيل عن هذا الهجوم في كتاب للمؤرخ عبد الحق لمريني: ” الجيش المغربي عبر التاريخ ” وقد أرخ فيه لهذه العمليات انطلاقا من الوثائق التي تحصل عليها من قيادة المنطقة الجنوبية.). لم تتوقف الحرب يوما خلال 16 سنة قبل وقف إطلاق النار سنة 1991 بعدأن انهزم العدو مدعوما من النظام الجزائري ومعه تحالف دول شيوعية من أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية وافريقيا إضافة إلى نظام القدافي وكوبا.
ولكن سنوات 1986 ,1987 و1988 كانت الأكثر قسوة بالنسبة لي ولوحدتي التي شاركت في عمليات دحر العدوان في منطقة وادي الذهب . كان العدو يقصف مواقعنا نهارا ويهاجم ليلا . ولكن الرجال ، وأغلبهم من الشباب ، كانوا أقسى من الظروف وأكثر شراسة من العدو ، سلاحهم الصبر والتضحية ونكران الذات والوفاء للوطن والشعار والقسم المؤدى ! (سبق أن نشرت حلقة من مذكراتي عن هذا الهجوم ستجدونها في التعليق وفيها كذلك إعتراف وزير دفاع العدو بالهزيمة في هذا الهجوم وغيره ) !