يبدو اختبار الحرائق في غابات الأقاليم الشمالية والتعاطي الفعال والسريع معها واحدا من النجاحات الجديدة التي حققتها حكومة عزيز أخنوش على الرغم من الإكراهات التقنية والبيئية التي صاحبتها. فبينما تتواصل الحرائق المدمرة في مختلف الغابات بفرنسا وإسبانيا واليونان والبرتغال مخلفة خسائر مهولة تمكن عناصر الوقاية المدنية والجيش والدرك والسلطات المحلية بتنسيق مع القطاعات الحكومية المعنية من تطويق الحرائق دون خسائر تذكر في الأرواح على الرغم مما لحق الممتلكات والغطاء النباتي من ضرر بالغ جاوز 7 آلاف هكتار. لم يكن إطفاء حرائق العرائش في ظرف ستة أيام أمرا هينا في موسم صيف حارق حطم الأرقام القياسية على الصعيد العالمي في درجات الحرارة.
هذه النجاعة في تطويق الحرائق استفادت بالأساس من الرؤية الملكية المتبصرة التي جعلت المغرب واحدا من البلدان العربية والإفريقية القليلة التي تمتلك سربا مهما من طائرات إخماد الحرائق كنادير، التي تعزز قدرات التدخل وتساعد في سرعة أداء أطقم الوقاية المدنية وقوات التدخل وشكلت بالنسبة للمغرب درعا واقيا من مثل هذه الكوارث المتنامية اليوم بسبب التقلبات المناخية التي يعرفها العالم. لقد امتلك الملك محمد السادس في هذا الإطار رؤية استباقية ثاقبة عندما وجه قبل سنوات من الآن تعليماته لاقتناء هذه الطائرات وتكوين الطيارين والأطر المشرفة على إدارة وتشغيل هذه المعدات الفعالة. ولعلّنا نتذكر جميعا كيف أدى غياب هذا النوع من الطائرات في بعض البلدان المجاورة إلى استمرار الحرائق لأسابيع طويلة تسبب في مقتل العشرات وتدمير ما لا يعد ولا يحصى من الممتلكات.
لكن هذا النجاح الذي يدعو للفخر فيما يخص التصدي للحرائق وتطويقها ليس سوى الجزء الأول من مسلسل الفعالية والنجاعة في تدبير الكوارث الذي ميز عمل هذه الحكومة. فما كاد لهيب الحرائق يخمد حتى سارعت الحكومة يوم الجمعة بتعليمات ملكية سامية إلى توقيع اتفاقية إطار لتنزيل مجموعة من التدابير الاستعجالية للحد من تأثير هذه الحرائق، على النشاط الفلاحي والغابات، ودعم الساكنة المتضررة منها. وتصل كلفة تنزيل هذه التدابير إلى 290 مليون درهم. وشملت هذه التدابير كل القطاعات الحكومية المتدخلة في معضلة الحرائق في الغابات بدء من الاقتصاد والمالية وإعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، مرورا بقطاع الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، وصولا إلى قطاع الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى.
نتحدث إذن عن مقاربة مواكبة للكوارث تشمل البعد الاستباقي من خلال اقتناء الطائرات والمعدات والاستعداد الجيد لمواجهة الكوارث والحرائق، ثم البعد الموازي من خلال العمل على تعبئة كل المتدخلين وأطقم الوقاية المدنية والجيش والدرك والسلطات العمومية، ثم المرحلة البعدية التي انطلقت أمس الجمعة بإقرار الاتفاقية الهادفة إلى التخفيف من تبعات الحرائق باتخاذ مختلف التدابير على المدى القصير والمتوسط من أجل دعم الساكنة على تأهيل وترميم المنازل المتضررة، التي تم إحصاؤها من طرف السلطات العمومية، والقيام بعمليات التشجير في الغابات التي دمرتها الحرائق وإعادة تأهيل الأشجار المثمرة المتضررة من خلال إعادة تشجير حوالي 9330 هكتارا، وتعزيز وسائل الوقاية من الحرائق الجديدة ومكافحتها والتخفيف من الآثار الضارة للحرائق على مربي الماشية ومربي النحل بالمناطق المتضررة، مع تنفيذ مشاريع التنمية الاقتصادية المتكاملة في المناطق المتضررة. بالإضافة إلى خلق (1.000) فرصة عمل إضافية لجهة طنجة تطوان الحسيمة موجهة لفائدة المتضررين وأفراد أسرهم للعمل في إطار برنامج أوراش.
إن هذه المحنة التي مثلتها حرائق إقليم العرائش وما حوله من مناطق غابوية تمثل درسا من دروس الأداء الإداري الناجع. ومن أهم هذه الدروس الدور الذي لعبته السلطات المحلية التي لم تكد تنطفئ نيران الحرائق حتى كانت قد أحصت كل الخسائر المادية والعمرانية والبيئية والاقتصادية التي لحقت المنطقة وزودت القطاعات الحكومية المعنية بها، من أجل رصد الميزانية المناسبة لتعويضها والتخفيف منها. لقد كان أداء جميع المصالح والمؤسسات في هذه المحنة نموذجا يحتذى في السرعة والفعالية والنجاعة بشكل يؤكد التطور الكبير الذي حققه المغرب على مستوى التعاطي مع الأزمات والكوارث التي قد تفاجئ بلادنا. وقد أعاد هذا النجاح الملحوظ للإدارة والحكومة في تدبير الأزمة تذكيرنا بالفعالية الكبيرة التي تم بها التعاطي مع جائحة فيروس كورونا بشكل بوأ المغرب مكانة رفيعة بين الدول القلائل التي نجحت في تطويق الوباء بأقل الأضرار.