تتواصل جهود الحكومة المغربية الهادفة إلى تحويل الوعود والبرامج إلى واقع ملموس بعد أن تم اليوم الإثنين توقيع “اتفاقية إطار حول تنفيذ برنامج للرفع من عدد مهنيي قطاع الصحة في أفق سنة 2030″. هذه الاتفاقية تكشف عن أرقام وعتبات تعكس الطموح العالي لهذه الحكومة التي تنشغل بالإنجاز والتنفيذ. من بين هذه الأرقام المهمة التي وضعتها هذه الاتفاقية نصب أعينها بلوغ عتبة 45 مهنيا في قطاع الصحة لكل 10 آلاف نسمة، وذلك بالرفع من مجموع العاملين في القطاع الصحي من 68 ألفا سنة 2022 إلى أكثر من 90 ألفا بحلول سنة 2025. رقمان بهذا الحجم مثّلا على مدى عقود تحديا حقيقيا فشلت العديد من الحكومات السابقة في رفعه.
ولعلّ التوقيع على هذه الاتفاقية الجديدة التي تأتي مباشرة بعد اتفاقية مماثلة همّت التخفيف من آثار وأضرار الحرائق في الأقاليم الشمالية، يعكس الهوية التنفيذية التي أضحت تمتلكها حكومة عزيز أخنوش. فبعد عشرة أشهر فقط من تعيينها تخوض الحكومة معركة إنجازات مفتوحة في كافة المجالات. فتم إطلاق ورش تعميم الحماية الاجتماعية وتعزيز الاستثمارات الأجنبية وتسريع وتيرة دعم المقاولات الشابة والصغرى ودعم قطاع التشغيل ببرامج متنوعة كبرنامج أوراش، لنصل اليوم إلى الشروع العملي في تنزيل ورش تأهيل القطاع الصحي الذي يراهن بالأساس على الزيادة في الموارد البشرية وتأطيرها ورفع جودة تكوينها للاستجابة للتحديات التي سيعيشها القطاع الصحي في المستقبل.
تستجيب الحكومة هنا لانتظارات المرحلة، فقد أظهرت جائحة فيروس كورونا الحاجة الماسة والمستعجلة لإصلاح القطاع الصحي بالمغرب وتوفير المنشآت والبنيات الكافية وكذا تعزيز الأطر الطبية بكافة اختصاصاتها ودرجاتها. ويمكن القول دون مبالغة إن حكومة عزيز أخنوش ستمثل تاريخيا أكثر الحكومات المغربية التي اهتمت بقطاع الصحة منذ الاستقلال. وأمامنا ثلاثة أدلة ومؤشرات على ذلك. المبادرة الأولى هي إطلاق ورش تعميم التغطية الصحية التي ستضيف ملايين المستفيدين من عموم المواطنين المغاربة للتمتع بالحق في العلاج والولوج إلى الخدمات الطبية. والمبادرة الثانية تتمثل في الاتفاق الاجتماعي المهم الذي وقعته الحكومة مع نقابات القطاع الصحي بالمغرب للرفع من أجور الأطباء وتحسين ظروف اشتغالهم، ثم ثالثا توقيع الاتفاقية التي أعلن عنها اليوم من أجل الرفع من عدد مهنيي قطاع الصحة في أفق سنة 2030.
ولا تكمن أهمية هذه الاتفاقية فقط فيما سيتم إنجازه على مستوى بناء المزيد من كليات الطب والمستشفيات الجامعية وتكوين الأطر الطبية، وإنما ترتكز أهميتها في بعدها السياسي الواضح. نحن مرة أخرى نجد دليلا جديدا على العمل الدائر على قدم وساق من أجل ترسيخ أسس الدولة الاجتماعية. وهي رسالة سياسية هامة تتقاطع فيها الإرادة الملكية السامية التي كانت وراء كل هذه البرامج والأوراش وإرادة الحكومة المنتخبة التي تقتفي منذ تعيينها أثر الاستراتيجية الملكية المنبثقة عن الظرفية التي خلّفتها جائحة فيروس كورونا المستجد. ولعلّ انطلاق ورش تأهيل وزيادة الموارد البشرية يمثّل خطوة أساسية في مسار ترسيخ أسس الدولة الاجتماعية التي تسعى باستمرار إلى رعاية مواطنيها وتوفير الخدمات الاجتماعية لهم بأعلى درجات الجودة.
ومن المؤكد أن هذه الخدمات الصحية التي سترعاها الدولة الاجتماعية لا يمكن أن تتحقق إلا بإشراف من الأطباء المؤهلين والممرضين الأكفاء والتقنيين المتخصصين في مجال الصحة إضافة إلى الأطر الإدارية المسؤولة عن تدبير المستشفيات، وخصوصا من الجيل الجديد التي يتم تشييدها في مختلف الجهات. هذا دليل جديد على التوجه الذي لا رجعة فيه من أجل بناء أسس جديدة للتعاقد الاجتماعي بين الدولة المغربية ومواطنيها على الرغم من كل الإكراهات الاقتصادية التي تخترق عالم اليوم وتهدد القدرة الشرائية للمواطنين.