جسر بريس في حوار مع أحمد نور الدين خبير في العلاقات المغربية الجزائرية يوضح مضامين خطاب العرش 23 لتربع صاحب الجلالة محمد السادس على عرش أسلافه الميامين.
أعاد خطاب عيد العرش ليوم أمس السبت التذكير بخطاب الذكرى الـ20 لعيد العرش، لسنة 2019 الذي خاطب فيه جلالة الملك الجزائر بالقول “نؤكد مجددا التزامنا الصادق، بنهج اليد الممدودة، تجاه أشقائنا في الجزائر، وفاء منا لروابط الأخوة والدين واللغة وحسن الجوار، التي تجمع، على الدوام، شعبينا الشقيقين”. مجددا جلالته التأكيد للجزائريين على أن يد المغرب ممدودة ومازالت كذلك الى الآن، وفاء لروابط الأخوة والجوار .
وأكد جلالته على أن علاقة الشعبين يجب أن تظل قائمة على الأخوة و الإحترام المتبادل والمصير المشترك في المنطقة. رغم تصعيد النظام الجزائري من حملاتة الممنهجة لضرب وحدة المغرب ورغم تسارع الإعلام الرسمي والغير الرسمي والذباب الإلكتروني الموالي له في نشر الاكاذيب و سب وشتم عرض المغاربة، محاولة تطعيم الأحقاد بين الشعبين فإن الخطاب الملكي جاء ليوقف هذه الأحقاد من جهتنا و التي يرمي أصحابها الى افتعال فتنة تجر ابناء المنطقة الى المجهول و تستنزف طاقة الشعبين.
وطلب من أبناء شعبه عدم الإنجرار وراء ما يريده قصر المرادية من خلق حرب بين الشعبين مؤكدا على اعتزازه وافتخاره بحب المغاربة لوطنهم واستعدادهم للدفاع عنه مايزيد المغرب والمغاربة الا ثباتا وأن لحمة الشعب والعرش كانت السد المنيع ضد كل الأزمات.
ولتفاصيل اكثر حول الموضوع يجيبنا خبير العلاقات المغربية الجزائرية على بعض الاسئلة
1 سؤال: دعوة متجددة من صاحب الجلالة في خطاب امس للرئاسة والشعب الجزائري لتجاوز الماضي وفتح صفحة جديدة، والأمل في تقويم علاقات أصيبت منذ زمن بمرض خبيث بالكاد تحتاج عملية جراحية تنهي الم المرض الذي عمر طويلا في جسد العلاقات بين البلدين الجارين ، فما هي المعاني السامية من تكرار اليد الممدودة من طرف المغرب؟
خطاب العرش كرس نهج المملكة التي تقيس زمن العلاقات بين الشعبين الجزائري والمغربي بالقرون وتنظر بتفاؤل نحو المستقبل المشترك، وهو عكس منطق العصابات الحاكمة في الجزائر التي تقيس الزمن بعمر الجنرالات، الذين لا يهمهم غير مصلحتهم الشخصية والآنية حتى وإن احترق الوطن او أغرقه الطوفان.
وهناك إشارة ذكية في الخطاب الملكي إلى أن المغرب له أولويات داخلية هي النهضة الاقتصادية والاجتماعية التي يسير فيها بخطى ثابتة رغم الظرفية الدولية والوبائية والمناخية، وتحقيق هذه النهضة مشروط بالحفاظ على السلم والأمن والاستقرار في محيط المغرب، لذلك فالمغرب لا يمكن أن يسمح لأي كان أن يفرض عليه أجندة تصعيد او حرب تحيد بالمملكة عن اولوياتها الاستراتيجية وعن سكة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
2سؤال : يعود الملك محمد السادس مرة أخرى ليؤكد أن مصير المغرب والجزائر، مشترك لا ينفك أن ينشق رغم ما يعوقه من مطبات سياسية تبتغي طمر العلاقات في وحل سيكولوجية بائدة ونظريات مؤامرة عفى عنها الزمن، في وقت لا تعرف فيه لغة الحوار والتفاوض والتواصل حدودا جغرافية أو أن تلهبها خلافات حدودية أو مطامع، ماهي قراءتكم لهذا النهج الملكي وهل هو احراج جديد لقصر المرادية؟
خطاب العرش 2022 تجاهل النظام الجزائري وتوجه مباشرة إلى الشعب الجزائري، وخاطب الرئاسة وليس الرئيس، لأنه صوري معين لا يملك الشرعية الشعبية. وفي ذلك إشارة لمن يهمه الأمر تحمل مغازي عميقة ورسائل كبيرة..
وتكرار الدعوة إلى المصالحة وفتح صفحة جديدة من العلاقات الاخوية هو اولا وقبل كل شيء إقامة للحجة على دعاة الحروب والدمار من جنرالات الجزائر أمام شعبهم وأمام العالم أن المغرب بريء من الكارثة التي يجرون إليها المنطقة، وهو ايضا رسالة إلى الدول العربية التي تتهيأ لعقد قمة عربية في الجزائر في نونبر 2022 اذا لم يتم تأجيلها مرة اخرى، ومفاد الرسالة أن الدولة الجزائرية التي تروج لخطاب الوحدة العربية هي نفس الدولة التي لا تدخر جهدا لهدم وحدة المغرب وتشجيع الانفصال وتمويل ميلشيات حركة مسلحة ضد المغرب وتسلحها باسلحة ثقيلة، وتروج لاطروحتها الانفصالية في المحافل الدولية، كما أن هذه الدولة الجزائرية التي تريد أن تجعل من قمة الجزائر مناسبة لتصفية الأجواء العربية والمصالحة مع سورية وعودتها إلى الجامعة العربية، هي نفس الدولة الجزائرية التي ترفض مبادرات الصلح المتعددة التي أطلقها العاهل المغربي مرارا وتكرارا، وهي نفس الدولة التي اعلن رئيسها عبد المجيد تبون ووزير خارجيتها رمطان العمامرة أنها ترفض اي وساطة عريية للصلح مع المغرب وهي نفس الدولة التي قطعت علاقاتها بقرار احادي مع المغرب واغلقت اجواءها في وجه الطيران المدني المغربي. وبالتالي دولة هذا نهجها لا يمكن تصديق قيادتها حين تزعم انها تريد المصالحة العربية والوحدة العربية، ولا تستحق شرف احتضان قمة عربية على أرضها وهي تهدم الوحدة العربية بمعول الانفصال !؟
3 سؤال: دعى الخطاب الملكي الى عدم الإساءة الى الجزائريين ما السبب؟ ولماذا؟
يجب ان نميز بين فقرتين في الخطاب الملكي، فقرة تتحدث عن ” قيم الأخوة والتضامن، وحسن الجوار، التي تربطنا بأشقائنا الجزائريين” وهذا شيء مفروغ منه والمغرب كان دائما على مر التاريخ وفيا لهذه القيم وقد احتضن المغاربة مقاومة الأمير عبد القادر، واحتضنوا ثورة التحرير الجزائرية ضد الاستعمار واحتضن المغاربة مئات الآلاف من اللاجئين الذين فروا من الاحتلال الفرنسي وعاشوا بين إخوانهم المغاربة، ومنهم من فضل البقاء في المغرب بعد الاستقلال، وحين طردت الجزائر 350 الف مغربي في عيد الأضحى سنة 1975، وجردتهم من كل ممتلكاتهم، لم يرد المغرب بالمثل بل ظل الجزائريون في المغرب معززين مكرمين يتمتعون بكل حقوقهم إلى اليوم. وأظن ان المقصود في الخطاب هو الحفاظ على هذه الأخلاق والقيم وعدم الوقوع في فخ النظام الجزائري الذي يشن حربا اعلامية قذرة قوامها السب والشتم وشحن المواطنين الجزائريين عبر شبكات التواصل الاجتماعي بعقيدة الحقد والكراهية، بهدف تسميم العلاقات بين الشعبين الشقيقين، لذلك جاء نداء الملك الى شعبه للامتناع عن النزول إلى حضيض السب والشتم لان الامتناع سيفسد مخططات حكام الجزائر الرامية إلى اقحام الشعب الجزائري في هذه الحرب القذرة، خاصة وأن الشعب الجزائري برهن عن رفضه لسياسة دولته من خلال زيارة عشرات الآلاف من الجزائريين للمغرب خلال هذا العام 2022، بغرض قضاء عطلهم ومنهم لاعبو المنتخب الجزائري وفنانون ومشاهير وجالية جزائرية في اوربا، وقد تعرض العديد منهم لحملات التشهير والتخوين بسب ذلك. فدعوة الملك الغرض منها ألا نسقط في فخ النظام الجزائري.
أما الفقرة الثانية التي يقول فيها العاهل المغربي “لن نسمح لأي أحد، بالإساءة إلى أشقائنا وجيراننا” فجاءت في سياق الحديث عن “الادعاءات، التي تتهم المغاربة بسب الجزائر والجزائريين” وبالتالي فالمقصود بها اولا واخيرا هم ازلام وابواق النظام الجزائري الذين قال عنهم جلالة الملك في نفس الفقرة أنهم “يريدون إشعال نار الفتنة بين الشعبين” وليس المقصود بها ابناء الشعب المغربي.
4 سؤال: من فرط مهاجمة الجزائريين والموالين لقصر المرادية للمغاربة وجدوا أنفسهم في حالة دفاع ؟ فهل هذا يعتبر إساءة؟
كل القوانين الأرضية والشرائع السماوية تكفل حق الدفاع عن النفس والوطن والعرض، بل تشجع وتحض عليه، والمغاربة لم يعتدوا يوما على الجزائريين بل هم في موقع الدفاع المشروع عن وحدة المغرب وسلامة أراضيه ضد مخططات التقسيم والتفتيت التي تقودها الجزائر منذ نصف قرن، ومن ضمن تلك المخططات السوداء هناك استراتيجية الحرب الاعلامية الشاملة التي انخرطت فيها كل وسائل الإعلام الرسمية الجزائرية من تلفزيون وراديو ووكالة انباء وصحف بالاضافة الى وسائل التواصل الاجتماعي ضد المغرب، وطبيعي أن نجد كل مغربي حر تجري في عروقه مشاعر الوطنية الصادقة أن يتصدى للحملات التضليلية والبروبكاندا الجزائرية التي تحاول تشويه تاريخ المغرب وقضيته العادلة وتحاول الإساءة الى وطننا والسطو على تراثنا وتزوير الحقائق.
اعتقد يقينا ان الدفاع عن الوطن والرد على العدوان الجزائري هو واجب مقدس على كل مغربي أصيل ووطني غيور.
5 سؤال: المشكل بين المغرب والجزائر نعلمه نحن أهل المغرب الكبير، لكن دخول بعض المصريين المقيمين بالمملكة على الخط وبعض الجنسيات العربية في تأجيج هذا الخصام المفتعل والإساءة اليهم بنشر مناشير وفيديوهات مسيئة احيانا في حق الشعبين فهل هم معنيون بالأمر كذلك؟ وهل ستسن قوانين لمنع السب والقذف للمخالفين؟
الأشقاء المصريون او من دول عربية أخرى، من الذين اختاروا الدفاع عن المغرب في وسائل التواصل الاجتماعي، ضد مخطط الانفصال الذي يرعاه النظام الجزائري في الصحراء المغربية، هم أناس احرار في قناعاتهم، وليس من مصلحتنا ان نضيق عليهم في حرية التعبير. هم أشقاء عرب اكتشفوا حجم الحقد والكراهية الذي يكنه النظام الجزائري للمغرب، واكتشفوا حقيقة الصراع الذي تقوده الجزائر خلف قناع جبهة “البوليساريو” الانفصالية، فقرروا دعم الموقف المغربي بمحضر ارادتهم، وهذا موقف شريف يشكرون عليه. وهم اصدقاء المغرب ولا يجب أن نرد الجميل بالجحود خاصة إذا كان ما يقومون به ينطلق من مبادرات وقناعات شخصية. والمغرب في موقف دفاعي مشروع عن ارضه، واذا كان من منع او حجر فيجب أن يكون على الاعلام الجزائري الرسمي الذي يشن بكل قنواته وجرائده واذاعاته ووكالة انبائه حربا اعلامية حقيقية وقودها الاخبار الكاذبة والدعاية المغرضة والبروبكاندا الهدامة ضد المغرب.
6 سؤال: إختيار يوم عيد العرش لتدشين العمل في منجم غار الجبيلات وكذلك الاتحاد الإفريقي يدعو إلى حل عاجل *لملف الصحراء المغربية، كل هذا لذيه دلالات عميقة هل نعتبر القادم الايام تحمل المفاجئات؟
هذه خطوة تصعيدية اخرى ضد المغرب، الهدف الاساسي منها هو صرف أنظار سكان منطقة بشار وتندوف المحتلة عن مشاكل العطش وشح مياه الشرب والسقي، وفي غياب اي حل في الافق المنظور، اكيد ان النظام الجزائري يتوقع تصاعد الاحتجاجات الاجتماعية في تلك المنطقة ضد الدولة التي عجزت عن توفير أبسط أساسيات الحياة وهو الماء.
ولكن هذه الخطوة، اقصد استغلال المنجم، عند تنفيذها ستعتبر بمثابة رصاصة الرحمة لمعاهدة 1972 التي تنص على أن استغلال منجم كارة جبيلات يتم بشكل مشترك ببن المغرب والجزائر، ومعروف أنه اذا تم خرق بند او جزء من الاتفاق فإنه يصبح لاغيا برمته. وكما يقول المثل “على نفسها جنت براقش”، لان النظام الجزائري سيعطي الفرصة للمملكة ان تعيد طرح ترسيم الحدود بين البلدين واستعادة كل الأراضي التي اقتطعتها فرنسا من المغرب خلال فترة احتلالها لما كانت تسميه الجزائر الفرنسية، ويتعلق الامر هنا بالصحراء الشرقية المحتلة والتي تشمل مناطق توات وكورارا، والقنادسة وادرار وعين صالح وبني عباس وبشار وتندوف وغيرها بمساحة تقارب مليون كلم مربع.
7 سؤال : من خلال معرفتكم بالعلاقات المغربية الجزائرية ماهي توقعاتكم حول رد فعل النظام الجزائري بمقترح نظيره المغربي؟
حسب عقلية وسوابق النظام الجزائري، فلا اشك بأن الرد سيكون سلبيا بالرفض والتجاهل في أدنى الدرجات، فقد راينا كيف أن الخطاب الملكي في السنة الماضية خصص جزءا كبيرا للمصالحة مع الجزائر، فكان الرد بعد اقل من شهر بقرار جزائري احادي بقطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب وإغلاق الأجواء في وجه الطيران المدني، وشن حرب إعلامية هوجاء والاعتداء على المناطق الحدودية في واحة العرْجة بالقرب من مدينة فكيك، وإجراء مناورات عسكرية استفزازية على الحدود المغربية وبالذخيرة الحية، وحفر الخنادق وحشد الجنود والعتاد، وغيرها من الإجراءات التصعيدية. وهذا النهج ليس وليد اليوم فالجزائر تقود مخططا عدوانيا لهدم وحدة المغرب منذ نصف قرن من الزمن، وهي استراتيجية وعقيدة الدولة الجزائرية التي لم تتغير رغم تعاقب تسعة رؤساء على كرسي الحكم في الجزائر.، ولا اظنها ستتغير إلا إذا نجح الشعب الجزائري في تغيير النظام العسكري بنظام ديمقراطي ومدني.
الفهرية لمزوري