دعوة رئيس الحكومة عزيز أخنوش في مذكرته التوجيهية الخاصة بإعداد مشروع قانون المالية لسنة 2023 إلى التدبير الأمثل لنفقات تسيير مؤسسات وأجهزة الدولة من خلال التقليص مثلا من نفقات اقتناء السيارات وتنظيم الحفلات يؤكد أن الحكومة انتقلت إلى مرحلة جديدة في ميدان ترسيخ أسس الدولة الاجتماعية. خلال عامها الأول الذي يكاد يشرف على نهايته كان هاجس هذه الحكومة هو وضع الأوراش والبرامج والمخططات التي وعدت بها على سكة التنفيذ. وبعد أن أخذ ورش تعميم الحماية الاجتماعية مساره وانطلق برنامج أوراش للتشغيل وتم تفعيل برنامج فرصة لفائدة المقاولين الشباب تدخل عملية التدبير الحكومي في مرحلة جديدة قوامها الأساس هو الترشيد والاستعمال الأمثل لكل ما تتوفر عليه الدولة من موارد مالية.
ولعلّ هذا التوجيه الذي حث عليه عزيز أخنوش في المذكرة المذكورة ثمرة طبيعة من ثمار المرحلة التي نعيشها، ويعيشها العالم، وتتميز باستمرار أزمة ارتفاع أسعار المحروقات وموجة التضخم وضبابية المشهد الاقتصادي العالمي، الذي يسير على ما يبدو نحو ركود مؤكد بسبب كل المخاوف الأمنية والظرفية. وفي مثل هذه الظروف سيكون من المناسب جدا أن تحاول الدولة تقليص نفقاتها الخاصة، وأن تكتفي بالحد الأدنى من التمويلات خصوصا فيما يتعلق بنفقات التسيير غير الأساسية، كنفقات التنقل وتعويضات الموظفين الخاصة بها وكذا المصاريف التي تتطلبها أحيانا عمليات الاحتفاء وإحياء بعض المناسبات الوطنية أو الدينية في الوقت الذي تقبل فيه بلادنا على موسم فلاحي جديد لا أحد يمكن أن يتنبأ بمصيره في ظل استمرار موجة الجفاف.
الجفاف، الظرفية الأمنية العالمية، تداعيات كوفيد 19، موجة التضخم واستمرار ارتفاع أسعار المحروقات كلها مكونات تركيبة صعبة وملغومة لا يمكن أن يعيش بلد ما تحت ضغطها إلا وسيفضي ذلك إلى أزمات على مختلف الأصعدة، وخاصة الاجتماعية. لكننا نلاحظ وبكثير من الموضوعية أن الحكومة الحالية نجحت إلى حد كبير في تجاوز تداعيات وانعكاسات هذه التركيبة المرعبة على المستوى السياسي. فلا تزال حكومة عزيز أخنوش تحافظ على تماسكها وانسجام مكوناتها، ولا تزال تنطق بصوت واحد دون أن تتأثر بالكثير من التضليل الذي يواكب أحيانا مبادراتها، فبعد كثير من اللغط حول مسألة أسعار المحروقات على سبيل المثال، تبدو المقاربة الحكومية هي أقصى ما يمكن القيام به للحفاظ على نوع من الاستقرار في الأسعار دون أن تسير في اتجاه مستويات قياسية أكثر مما هو مرصود اليوم.
غير أن الأهم إذن فيما يخص مشروع قانون مالية 2023 هو أن يصبح هذا النفس التقشفي، ليس بالمعنى الاقتصادي، وإنما بالمعنى الإداري، عنوانا رئيسيا للمرحلة المقبلة. فالحكومة في حاجة إلى كل فلس من ماليتها العمومية من أجل توجيهه نحو ملفات اجتماعية واقتصادية ضاغطة، لا ننسى على سبيل المثال أن ورش تعميم الحماية الاجتماعية وحده سيتطلب أكثر من 50 مليار درهم سنويا، ستقع منها على عاتق الحكومة وحدها أكثر من 23 مليار درهم. وهو رقم ضخم لا يمكن تعبئته بسهولة، ولعلّ هذه المبادرات الخاصة بتخفيف الأعباء ونفقات الدولة تساهم في تحصيل هذا الغلاف المالي الكبير، ناهيك عن المشاريع والأوراش الأخرى التي تم إطلاقها وستحتاج بدورها إلى استثمارات كبيرة ومكلفة.
هذه المذكرة التوجيهية الخاصة بمشروع قانون المالية تؤكد إذن على أن حكومة عزيز أخنوش ليست متعصبة إيديولوجيا ولا منغلقة حزبيا، إنها حكومة منفتحة قادرة على استيعاب الظرفية وتفهم متطلباتها والتعايش مع المراحل التي تمر منها بلادنا كل واحدة منها حسب ما تفرضه من إكراهات. صحيح أن الأحزاب المشكلة لهذه الحكومة يغلب عليها التوجه الليبرالي لكن هذا التوجه لا يعني بالضرورة الاصطفاف ضد النزوع الاجتماعي والتهافت على موارد النمو الاقتصادي فقط، إنها أولا وقبل كل شيء حكومة بوعي سياسي ووطني.