لم يسبق أن أثار موضوع متعلق بالفن والثقافة الكثير من ردود الفعل الغاضبة، مثل تلك التي أثارها أخيرا، صرف وزارة الثقافة لميزانية تقارب 300 مليون سنتيم، على الأعمال الفنية المقدمة في إطار فعاليات الرباط عاصمة الثقافة الافريقية، دون احترامها لمسطرة طلب العروض.
صحيح أن المادة 14 من قانون الفنان تتيح للإدارات العمومية أو الجماعات الترابية أو المؤسسات العمومية التعاقد مع الفنان أو تقني أو إداري بصفة فردية وبشكل مباشر، من أجل إنجاز أو تقديم عمل فني لفائدتها”، إلا أن هذه المادة ليست شيكا على بياض، يمنح قطاعا حكوميا مثل وزارة الثقافة، مهمته النهوض بالشأن الثقافي في البلاد، الحق في توزيع المال العمومي على فنانين بعينهم، مقابل إقصاء آخرين دون تقديم مبرر مقبول.
الأسوأ أن يأتي ذلك، عقب سنتين من جائحة كوفيد، توقفت معها الأنشطة الفنية بصفة تامة، وتلقى بسببها الفنانون والمثقفون ضربة قاسية، زجت بأغلبهم في حالة من العطالة القسرية، التي زادت في تعميق هشاشتهم.
ولعله كان حريا، بوزارة “المهدي بن سعيد”، استغلال اختيار الرباط من طرف “منظمة المدن والحكومات المحلية الإفريقية المتحدة” كعاصمة للثقافة الأفريقية “، من أجل إبراز الفن المغربي، والدفع به صوب التألق القاري، عوضا عن استثمارها الضيق لهذا الحدث الهام، عبر توزيع “دعم محدود” على فنانين بعينهم دون آخرين.
وإذا كنا نأسف اليوم، لعدم كفاية ظهور الفنانين التشكيلين المغاربة المعاصرين على الساحة الدولية، وحصولهم دائما على تصنيف أقل بكثير من نظرائهم التونسيين، أو المصريين، أو اللبنانيين، فإن الأمر راجع بالأساس الى اللامبالاة التي يتعاطى بها معهم الساهرون على الشأن الثقافي في المغرب، وفي مقدمتهم وزارة الثقافة طبعا.
فالفنانون والمفكرون والمبدعون هم الضمير الحي للأمة، ولا يمكن بأي حال السماح أو التغاضي، عن اقصائهم وفق هاته الشاكلة، التي تسيء الى “السياسة الثقافية في البلاد”.
لاسيما وأن الملك محمد السادس، ما فتئ يعطي توجيهاته السامية لإيلاء الثقافة حيزا هاما في السياسات العمومية للبلاد، وهو ما سبق وعبر عنه في خطاب العرش لسنة 2013 قائلا : “واعتبارا لما تقتضيه التنمية البشرية، من تكامل بين مقوماتها المادية والمعنوية، فإننا حريصون على إعطاء الثقافة ما تستحقه من عناية واهتمام، إيمانا منا بأنها قوام التلاحم بين أبناء الأمة، ومرآة هويتها وأصالتها”.
كما أكد جلالة الملك ضمن الخطاب ذاته على أنه “لما كان المغرب غنيا بهويته، المتعددة الروافد اللغوية والإثنية، ويملك رصيدا ثقافيا وفنيا، جديرا بالإعجاب، فإنه يتعين على القطاع الثقافي أن يجسد هذا التنوع”. ( انتهى كلام الملك )
وتبعا لذلك، فإن الفشل في تنفيذ سياسية ثقافية في البلاد، بما يكفل ويشمل النهوض بأوضاع الفنانين والمثقفين المغاربة، لن يساهم سوى في فرملة عجلة التنمية، التي يستحيل الدفع بها، بمعزل عن “الثقافة” كركيزة أساسية، لتقدم الأوطان.
على الجانب الآخر، يُفترض ألا يتحول تمتين علاقات بلادنا مع الأشقاء الأفارقة، الى ريع “جديد”، أو يتخذ صورة “ترضيات” توزع يمنة ويسرة، ضمن تأويل مغلوط، يروم الترويج للعناية التي يوليها المغرب لإفريقيا، والتي لا تحتاج أصلا الى تأكيد.
بل يتوجب أن تجري الأمور، وفق احترام تام للقوانين الجاري بها العمل، واستنادا الى التوجيهات الملكية في هذا المجال، بما يكرس دمقرطة التعاطي مع الشأن الثقافي.