منذ 30 مارس 1912 تاريخ فرض الحماية الفرنسية على المغرب، كانت دائما هناك محاولات من أجل ترسيخ فكرة أن المغرب غير قادر على تدبير شؤونه، وهي الفكرة التي حاول مختلف المقيمين العامين الذين تعاقبوا على المغرب من ليوطي حتى غيوم ترسيخها في الأذهان بالاستعانة بالخونة.
الخونة الذين كانوا سلاحا في يد الإدارة الاستعمارية هم أنفسهم بقيادة التهامي الكلاوي، باشا مدينة مراكش من سيساعد الجنرال غيوم على تنفيذ مخططه الهادف إلى تنحية المغفور له جلالة الملك محمد الخامس عن عرشه وإجلاس صنيعته محمد بنعرفة مكانه، وما اختيار مدينة مراكش لإعلان تولي دمية الاستعمار عرش المغرب إلا تأكيدا على الدور القدر الذي لعبه الكلاوي في هذه المؤامرة..
الطريق إلى ثورة الملك والشعب
ونحن في عام 2022، ومع حلول الذكرة الـ69 لثورة الملك والشعب لا بد من استحضار ملاحم هذه الثورة الفريدة من نوعها والتي أدت إلى تسريع وثيرة حصول المغرب على استقلاله بعد 44 عاما فقط من فرض الحماية، حيث كانت فرنسا تعتقد أنها بإزاحتها للملك من عرشه تكون قد فرضت سيطرتها على كافة مفاصيل المغرب التي تحول فيها النضال من الكفاح المسلح الذي انتهى مع استسلام آخر معاقل المقاومة في الأطلس عام 1934 وانطلق موازاة مع ذلك منذ ظهور الحركة الوطنية التي كانت نتاج صدور “الظهير البربري” عام 1930 والذي حاول تقسيم المغاربة ما بين عرب وأمازيغ، لكن فرنسا دون وعي منها ساهمت من خلاله في بداية انبثاق الوعي بالعمل الوطني الذي بلغ ذروته مع تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال يوم 112 يناير 1944 والزيارة التاريخية للملك محمد الخامس إلى طنجة يوم 9 أبريل 1947 وصولا إلى مرحلة المؤامرات التي تلت هذه الزيارة وأدت إلى اندلاع ثورة الملك والشعب.
انطلاق المسيرة نحو الاستقلال
في ليلة عيد الأضحى 20 غشت 1953، توجه الجنرال غيوم إلى القصر الملكي مجبرا الملك وأسرته على المغادرة نحو جزيرة كورسيكا التابعة لدولة فرنسا، ثم قامت السلطات الفرنسية بنفيه إلى مدغشقر في يناير عام 1955.
الخطوة الفرنسية وبمجرد ما وصلت إلى علم الشعب المغربي، كان بداية لـ27 شهرا من الكفاح في الطريق نحو الاستقلال انطلقت منذ احتشاده في الميادين من أجل الاحتجاج على هذه الخطوة، لينطلق فصل جديد من المقاومة تميز بتصفية الخونة والمتعاونين مع الاستعمار إلى جانب تنفيذ تفجيرات في عدد من المدن من طرف خلايا المقاومة، لتبقى محاولة اغتيال دمية الاستعمار محمد بن عرفة الأبرز بتاريخ 11 شتنبر 1953 عندما حاول الشهيد علال بن عبدالله اغتياله في يوم جمعة كان فيها متوجها لأداء الصلاة، فيما قام كل من المقاومين بونعيلات ومنصور والسكوري بتفجير قطار “الدار البيضاء- الجزائر” ليلة 7 نونبر، تلتها العملية الجسورة للشهيد محمد الزرقطوني الذي قاد عملية تفجير “السوق المركزي” بالدار البيضاء ليلة 24 دجنبر في ذروة احتفال الفرنسيين بأعياد الميلاد، فضلا عن عمليات أخرى كان المقاومون يقضون من خلالها مضجع الفرنسيين والعملاء الخونة، فير كل المناطق كما هي حالة الشهيد أحمد الحنصالي الذي قام باعتراض سيارة يركبها أربعة من الفرنسيين وقام بقتلهم واستمر في أعماله الفدائية واستطاع قتل العديد من حراس الأمن والمتعاونين معهم إلى غاية القبض عليه من طرف السلطات الفرنسية وإعدامه رميا بالرصاص في 26 نونبر 1953، كما اندلعت انتفاضة في الجهة الشرقية للمملكة يومي 16 و 17 غشت 1953 وبالتحديد في وجدة وبركان وتافوغالت حيت استهدف المقاومون السكك الحديدية ومحطة توليد الكهرباء والثكنات العسكرية، فواجهتهـا القوات الاستعمارية بوابل من الرصاص قدر بنحو 20.000 رصاصة سقط على إثرها العديد من الشهداء وجرح العديد من المواطنين. وفي ليلة 18 غشت 1953، توفي 14 وطنيا اختناقا بسبب الاكتظاظ الذي نجم عن اعتقال المئات من الوطنيين في زنزانة واحدة، لتتصاعد وتيرة الجهاد والمظاهرات العارمة والانتفاضات المتوالية تتكللت بتأسيس جيش التحرير
محاولات الضغط على الملك ثم الجلوس إلى طاولة المفاوضات
العمليات الفذائية ونشاط خلايا المقاومة أجبر القوات الاستعمارية على مباشرة المفاوضات مع الملك محمد الخامس الذي لم تنفع معه التهديدات التي كان يواجه بها رفقة أسرته طوال سنتين من المنفى، وصلت حد تخييره بين التنازل عن العرش والعودة إلى المغرب للعيش بسلام وفي حماية الفرنسيين، أو تشديد الخناق عليه في المنفى في حالة الرفض، لكن الرفض كان هو الجواب الذي يواجه به الاستعمار الذي كان موازاة مع ذلك يذوق مرارة المقاومة ليضطر في 16 نونبر 1955 ليعيد محمد الخامس إلى المغرب ليحكم ملكا وتبدأ المفاوضات مع فرنسا من أجل الحصول على الاستقلال، خاصة مفاوضات إيكس ليبان التي دامت خمسة أيام وتقرر خلالها تنحية بنعرفة عن العرش رسميا، والتوقيع على الاستقلال رسميا في الثاني من مارس عام 1956، وقبله تم تشكيل حكومة وطنية مغربية تضم مختلف المكونات السياسية برئاسة مبارك البكاي يوم 7 دجنبر 1955 وظلت صلاحيتها حتى 25 أكتوبر 1955 وكان الهدف منها متابعة المفاوضات مع السلطات الفرنسية من أجل استرجاع استقلال البلاد إضافة إلى بناء الدولة المغربية وتنظيمها.
في وثيقة صادرة عن المندوبية السامية للمقاومة، نقرأ بخصوص ذكرى 20 غشت ما يلي: كانت ثورة الملك والشعب محطة تاريخية بارزة وحاسمة في مسيرة النضال الوطني، الذي خاضه المغاربة عبر عقود وأجيال لصد التحرشات والاعتداءات الاستعمارية، فقدموا نماذج رائعة وفريدة في تاريخ تحرير الشعوب من براثن الاستعمار، وأعطوا المثال على قوة الترابط بين مكونات الشعب المغربي، بين القمة والقاعدة، واسترخاصهم لكل غال ونفيس دفاعا عن مقدساتهم الدينية وثوابتهم الوطنية وهويتهم المغربية.
أما في العدد 225 من مجلة “دعوة الحق” الصادر في أكتوبر- نونبر 1982، فنستحضر الظروف المحيطة التي أدت إلى اندلاع الثورة في مقال يحمل عنوان “ثورة الملك والشعب مغزى وطموح”، حيث كتبت ما يلي: انتهزت السلطات الاستعمارية تضامن الشعب المغربي مع تونس الشقيقة في الاحتجاج على مقتل الزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد على يد المنظمة الإرهابية الفرنسية “اليد الحمراء” في دجنبر 1952 فاعتقلت الزعماء المناضلين الوطنيين.. وجدت في هذا الاعتقال فرصة ثمينة لينزل جلالة المغفور له عن القوة الحقيقية التي تحبه والمستعدة لفدائه والدفاع عنه، وسرعان ما تكونت بإيعاز من الإقامة العامة هيأة الباشوات والقواد الذين وقعوا عريضة تحمل 270 إمضاء يطلبون فيها خلع جلالة المغفور له محمد الخامس... وفي يوم 15 غشت 1953 بايعت الهيأة المذكورة بمدينة مراكش محمد بن عرفة سلطانا على المغرب... حدثت مظاهرات عديدة في مراكش والدار البيضاء والرباط وسلا ومكناس وفاس ووجدة.كان المغرب على وشك الوقوع في هاوية حرب أهلية مصطنعة يتخذها غلاة الاستعمار ذريعة ومبررا أحداث قمع عنيف.. وكان جلالة المغفور له محمد الخامس في غمرة هذه الأزمة يوجه النداءات إلى شعبه الوفي بالتزام الهدوء... ثم جاء أخيرا بعد أسبوع مضطرب يوم 20 غشت اليوم الذي قرر الاستعمار الفرنسي أن يكون يوم الخلع… يوم الاعتداء على حرمة العرش العلوي وعلى شعور جميع المغاربة أثناء حلول عيد الأضحى.