محمد سالم عبد الفتاح ، ناشط صحراوي
لقد شكل ارتباط المغاربة بالمؤسسة الملكية على مر الإجيال عقيدة وطنية، تعززت بالأدوار التاريخية والحضارية الهامة التي لعبها ملوك الأسرة العلوية منذ قرون من الزمن في تشكيل الوعي والوجدان الجمعي في المغرب، وبشرعية دينية تقليدية ضاربة في جذور التاريخ بالنسبة للمغاربة وحتى لبقية شعوب المنطقة، تكرست مع الرمزية التي تبوأها الملك محمد الخامس في الحراك الوطني المقاوم للإستعمارين الفرنسي والإسباني، حتى باتت فئات واسعة من جيل الإستقلال تتخيل رؤية وجه الملك الراحل في القمر، في تجسيد للتعلق الوجداني بزعيم جسد زمزية مقاومة المستعمر والتأسيس للإستقلال ولهوية الدولة المغربية العصرية.
وفي حين كانت الأجيال اللاحقة تنبهر بقوة شخصية الحسن الثاني وتتعلق بحضوره الطاغي، في تكريس لمشروعية كاريزماتية عززتها منجزاته في استكماله للوحدة الترابية وبناء المؤسسات الوطنية، إلى جانب تجاوزه لتحديات جمة، أبرزها التمردات والإنقلابات التي استقوت بالخارج، فضلا عن دسائس البلد الجار وحروبه بالوكالة في الصحراء، بالإضافة إلى الإكراهات الإقتصادية الناجمة عن سنوات الجفاف، والإصلاحات السياسية والحقوقية الهيكلية التي أقرها والتي توجت بإشراك اليسار في حكومة التناوب ضمن سياق الإنفتاح الديمقراطي.
أما الأجيال الراهنة فقد باتت علاقتها بالمؤسسة الملكية تتشكل انطلاقا من منطق عقلاني مؤسساتي، يجسد ارتفاع منسوب الوعي السياسي، بعيدا عن التأثر بالعاطفة أو بالكاريزما، قياسا للأجيال السابقة، حيث صار المغاربة اليوم يعون جليا الأدوار السياسية الهامة التي تعكف عليها المؤسسة الملكية سواء تعلق الأمر في حفظ سيادة المغرب ووحدته، عبر النجاحات الباهرة التي حققها المغرب في صد المخططات الإرهابية والتخريبية إلى جانب التصدي لمناورات خصوم وحدته الترابية، أو ضمانها للأمن الروحي للمواطنين من خلال رعايتها للمؤسسات والمرافق الدينية، إلى جانب إلى صيانة الثوابت المجتمعية والثقافية، فضلا عن قيادة المشاريع الإصلاحية السياسية والإقتصادية والإجتماعية، التي لا تزال بعض أوراشها مفتوحة.
قناعات كرستها طبيعة الوضع الجيوسياسي البالغ التعقيد الذي عاشه ويعيشه المغرب على مر العصور، بسبب موقعه الإستراتيجي الهام الذي ظل محورا لتنافس القوى الدولية العظمى، إلى جانب مقدراته، الطبيعية، الاقتصادية والبشرية الهامة التي ظلت محط أطماع تلك القوى الإستعمارية، فضلا عن إكراهات تنوعه الثقافي الذي كان دائما مدخلا لمحاولات الاختراق والتخريب والتفكيك الأجنبية.
فأكثر التيارات السياسية المعبر عنها في المغرب راديكالية أو تطرفا، لا تجرؤ اليوم على تجاوز أدوار المؤسسة الملكية، فحتى إبان موجة ما يسمى ب”الربيع العربي”، حين سقطت أنظمة وتغيرت أخرى في اشمال إفريقيا وفي الشرق الأوسط، فقد توافقت كل التيارات السياسية المعارضة التي خرجت إلى الشارع في مدن المغرب على مطالب إصلاحية لا تتجاوز سقف الملكية الدستورية، وهو مطلب مجمع عليه من طرف كل الفاعلين السياسين حتى قبل “الربيع العربي”، وقد تكرس بالفعل في الإصلاحات الدستورية التي عكف عليها العاهل محمد السادس في دستور 2011، في خطوة استباقية، أجهضت مناورات خصوم المغرب الذين حاولوا الركوب على الحراك الشعبي العفوي، وإلباسه لبوسا سياسويا، قبل أن يواجهوا بارتباط المغاربة بملكهم وتشبثهم بالمؤسسة الملكية.
اليوم يبدو أن خصوم المغرب قد يئسوا من محاولات ضرب استقرار المغرب من خلال تأليب الشارع المغربي ضد المؤسسة الملكية عبر الطروحات والمزايدات السياسوية الراديكالية التي ترفعها بعض الأصوات المعزولة في الخارج من حين لآخر، ليلجأوا إلى محاولات تشهير ركيكة بشخص الملك في محاولة لضرب صورة القصر لدى عموم المغاربة، خاصة ما يتعلق بتلك الأدوار المرتبطة بضمان الأمن الروحي وبالإشراف على المؤسسات الدينية. لكن يبدوا أن محاولاتهم تلك ستلقى نفس مصير سابقاتها، حيث اصطدمت هي الأخرى بقوة ومتانة العلاقة التاريخة الراسخة بين عموم المغاربة وملوكهم على مر العصور، فاستحالت إلى حملة إدانة شعبية واسعة ضد التهجم على الملك باعتباره رمزا للسيادة والوحدة والوطن.