يدٌ من حديد في قفاز مخملي، هكذا يمكن وصف الدبلوماسية المغربية بقيادة الملك محمد السادس، والتي لا تتردد في التكشير عن أنيابها، كلما حاولت جهة ما المساس بالمصالح العليا وبالوحدة الترابية للمملكة المغربية.
صرامة وفاعلية، لا تلغي الأسس الرئيسية لهاته الدبلوماسية، المبنية على الاحترام الدقيق لمبادئ حسن الجوار، والتكامل والتعاون المتبادلين، خاصة في علاقتها بالبلدان الأفريقية، التي تشكل الشراكات معها، أولوية بالنسبة للمغرب.
والأكيد أن اللهجة، التي استعملها الملك محمد السادس في خطابه الأخير بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، واعتباره “قضية الصحراء بمثابة النظارة التي ينظر بها المغرب الى العالم”، ليست استثناء من هاته القاعدة.
وبعيدًا عن الجانب الواقعي للخطاب الملكي، فإن التحدي في هذا النص هو التحذير من استمرار بعض شركاء وأصدقاء المملكة، في التذرع بـ “موقف الحياد”، لمواصلة انتاج مواقف غامضة، لا تفيد سوى في إطالة أمد هذا “النزاع المفتعل”، مع ما يشكله ذلك من اضرار بالمصالح المغربية.
وتبعا لذلك، لم يعد مقبولا، استفادة بعض الدول من علاقاتها مع المغرب، ومن اتفاقياتها التجارية والاقتصادية معه، توازيا مع سلوكها سياسة الكيل بمكيالين وازدواجية المعايير والمواقف، إزاء قضيته الوطنية الأولى.
ولذلك كان الملك واضحا، بدعوته “شركاء المغرب الذين ما زالوا مترددين، إلى التخلي عن مواقفهم الغامضة ووضع حد للتناقض في مسألة مصيرية بالنسبة إليه، خاصة بعد الدعم الواضح والصريح، الذي أعلنت عنه دول ذات ثقل جيوسياسي، لصالح الطرح المغربي، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وألمانيا وإسبانيا وهولندا والبرتغال، الى جانب دول عربية وافريقية أخرى.
دبلوماسية ملكية نجحت في فصل الخبيث عن الطيب، وكشف “العدو” “المتخفي” في لباس “صديق”.
ولعل ذلك ما تجلى واضحا، في قمة تيكاد 8 التي احتضنتها تونس، والتي دفعت “الرئيس قيس سعيد” الى الخروج من “المنطقة الرمادية”، التي ظل وفيا لها طيلة الفترة الأخيرة، معلنا اعترافه الصريح بجمهورية الوهم، في موقف عدائي غير مسبوق.
فيما أزهرت على الجانب الآخر، تلك الصورة النبيلة، للدعم اللامحدود لكل من غينيا بيساو والسنغال، اللذين عبرا معا عن مواقف مساندة للمغرب ولقضيته الأولى.
وكان لافتا للنظر، انسحاب رئيس غينيا بيساو، والذي هو في الآن نفسه، الرئيس الحالي للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (سيداو)، أومارو سيسوكو إمبالو، من القمة الثامنة لمنتدى التعاون الياباني الإفريقي (تيكاد)، احتجاجا على مشاركة “البوليساريو” التي فرضتها تونس.
في وقت عبر فيه رئيس السنغال، والذي هو في ذات الآن رئيس الاتحاد الافريقي، عن أسفه الشديد لغياب المغرب العضو البارز في الاتحاد الإفريقي، عن ملتقى “تيكاد”، لعدم وجود توافق في الآراء حول قضية تتعلق بالتمثيلية، داعيا الى ايجاد حل لهاته المعضلة في القمم المقبلة.
هكذا باختصار أطرت الدبلوماسية الملكية، علاقاتها مع مختلف الدول التي تربطها بها علاقات دبلوماسية، معلنة بشكل صريح مقتها وكرهها للون الرمادي، وأنه من الآن فصاعدا، أصبح شعارها الوحيد الذي لا يقبل التأويل : “إما أنك صديق وشقيق تدعمني وتساندني، وإما أنك عدو تعمل ضد مصالحي”. نقطة رجوع الى السطر.