يخوض المغرب معركة دبلوماسية حادة في الفترة الأخيرة بشأن قضية الصحراء ضد كل من الجزائر وجبهة “البوليساريو” الانفصالية، وقد ظهرت علامات هذا الصراع مع الدول التي تُعتبر آخر القلاع المتبقية لـ”البوليساريو” مثل كينيا وأنغولا في إفريقيا والبيرو وكولومبيا في أمريكا اللاتينية.
وتُظهر التطورات الأخيرة أن المغرب بدأ ينقل المعركة إلى الدول التي كانت دائما تُعلن مساندتها الصريحة للطرح الانفصالي لجبهة “البوليساريو”، وهي الدول التي تفخر الأخيرة بدعمها المطلق لها، قبل أن تجد نفسها مؤخرا في حالة دفاع عن هذه القلاع وليس استعمالها كقلاع للهجوم كما كان الوضع في السابق.
وتلعب الجزائر الدور الأهم في هذا الصراع في الجانب المضاد للمغرب، حيث تُسخر الدبلوماسيون التابعون لها والمدعومين بأموال الغاز والبترول من أجل دفع دول معينة لإعلان مساندتها لـ”البوليساريو”، كما تُسخر طائرة رئاسية خاصة تضعها رهن إشارة زعيم الجبهة، إبراهيم غالي، من أجل التنقل بين العواصم على أمل الإبقاء على اعتراف هذه الدول في ظل صعوبة إقناع دول جديدة للاعتراف بأطروحته الانفصالية.
وقد ظهرت مؤشرات الصراع الدبلوماسي الذي يجري في الخفاء أولا في أمريكا اللاتينية، حيث سحبت البيرو اعترافها بجمهورية “البوليساريو” منذ أسابيع، في الوقت الذي أعلنت فيه كولومبيا إعادة العلاقات مع هذه الجبهة التي سحبتها في السابق، والامس تُعلن وزارة خارجية البيرو عن إعادة الروابط بـ”البوليساريو”، ما يشير إلى وجود صراع محتدم بين المغرب والجزائر و”البوليساريو” حول هذه الدول.
ولم يتوقف هذا الصراع في أمريكا اللاتينية، بل انتقل إلى إفريقيا أيضا، حيث ظهرت بوادر قيام المغرب بمساعي قوية من أجل إسقاط القلاع التي لازالت “البوليساريو” تلجأ إليها كآخر القلاع المدعمة لها، مثل كينيا وأنغولا، قبل أن تُعلن كينيا في الأيام الأخيرة عن خروجها من صف المدعمين الصريحين للجبهة الانفصالية واتخاذ موقف وسطي معتدل، يُعتبر مكسبا للمغرب في هذه المرحلة وخسارة لـ”البوليساريو”.
وأعلنت جبهة “البوليساريو” الخميس الماضي، عن مشاركة زعيمها إبراهيم غالي، في حفل إعادة تنصيب جواو لورينسو رئيسا للبلاد، وتُعتبر أنغولا من البلدان التي لازالت تعترف بهذا الكيان الانفصالي، غير أن هذا الحفل شهد مشاركة رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، بدوره ممثلا الملك محمد السادس لتهنئة الرئيس الأنغولي على انتخابه مرة أخرى رئيسا لأنغولا.
ويبدو أن المغرب، قرر العودة خطوة إلى الوراء من أجل خطوات للأمام في صراعه ضد “البوليساريو” والجزائر من أجل سحب البساط من تحت أقدامهما في قضية الصحراء، حيث لم يعد يلقي أي اهتمام لتواجد ممثلي الجبهة في المحافل والأحداث الدولية، خاصة في الدول التي لازالت تساند الجبهة الانفصالية، وهو أمر بالرغم من أن “البوليساريو” تتظاهر بأنه انتصار رمزي لها، إلا أنها خلف الستار باتت تدرك هذه “المزاحمة” التي يقوم بها المغرب ضدها في قلاعها الأخيرة.
وتكشف تطورات ملف الصحراء في السنوات الاخيرة، أن اليوم الذي قررت فيه الرباط العودة إلى الاتحاد الإفريقي في سنة 2017، كانت تلك هي الخطوة الأكبر التي ساهمت فيما يعرف هذا الملف من تطورات إيجابية للمملكة، وقد يؤدي النشاط الدبلوماسي المستمر للمغرب إلى إسقاط العديد من قلاع “البوليساريو” المتبقية بالرغم من المساندة “الضخمة” التي تقدمها الجزائر للجبهة الانفصالية.