حملت الندوة الدولية حول «الحق في الحياة»، البوليساريو المسؤولية في ما يقع من انتهاكات جسيمة تطال ساكنة المخيمات، باعتباره كيانا غير دولتي وجماعة مسلحة، داخل دواليب الآليات القارية والإقليمية والأممية المعنية بحقوق الانسان، ونددت بظاهرة التجنيد القسري للأطفال واليافعين والشباب وإلحاقهم بالأسلاك العسكرية وتدجينهم على الأيديولوجية الميلشياتية وتطبيعهم مع خطاب الكراهية والعنف والبروباغندا الحربية.
وطالبت الندوة الدولية حول «الحق في الحياة» على هامش الدورة الواحدة والخمسين لمجلس حقوق الانسان للأمم المتحدة الجزائر بإعمال القانون وسيادته على جميع المناطق والجهات بما في ذلك مخيمات تندوف، وإجراء تحقيق عاجل ونزيه حول ادعاءات القتل خارج نطاق القضاء، من أجل تحديد سبب الوفاة وطريقة ووقت حدوثها والشخص المسؤول عنها، وأي ممارسة أو نمط قد يكون السبب في وقوعها؛ واتخاذ التدابير الضرورية لمنع حالات الإفراط في استخدام القوة في مواجهة اللاجئين العزل.
ويشار ان الندوة شارك فيها دكاترة جامعيون خبراء الجريمة والارهاب محامون ومدافعون عن حقوق الإنسان ، والتي حضرها اكثر من 250 شخص بقاعة الاجتماعات بفندق President Wilson hotel من تمثيليات دائمة لدى الأمم المتحدة بجنيف، ممثلو المنظمات الدولية، حاخام جنيف، طلبة جامعة جنيف، ممثلو جمعيات الجالية المغربية بجنيف، نشطاء قادمون من المملكة المغربية لحقوق الإنسان وفعاليات اخرى.
وطالبت ندوة “إعلان جنيف للسلام” بإحالة منفذي وداعمي تلك الانتهاكات إلى المحاكمات العادلة وفقا للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني باعتبارها جرائم لا تسقط بالتقادم؛ ونددت بالتفويض غير القانوني لاختصاصات الدولة الجزائرية لتنظيم البوليساريو من أجل إدارة وتسيير مخيمات تندوف في ضرب سافر لقواعد القانون الدولي؛والإقرار بصفة لاجئ لساكنة مخيمات تندوف مع إلزام البلد المضيف الجزائر بإحصائهم تنفيذا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة ووفقا لاتفاقية جنيف للاجئين والبروتوكول الاختياري الملحق بها؛ وطالبت بالدفع قدما نحو تحميل البوليساريو المسؤولية في ما يقع من انتهاكات جسيمة تطال ساكنة المخيمات، باعتباره كيانا غير دولتي وجماعة مسلحة، داخل دواليب الآليات القارية والإقليمية والأممية المعنية بحقوق الانسان.
ونددت بظاهرة التجنيد القسري للأطفال واليافعين والشباب وإلحاقهم بالأسلاك العسكرية وتدجينهم على الأيديولوجية الميلشياتية وتطبيعهم مع خطاب الكراهية والعنف والبروباغندا الحربية.
وحمل “إعلان جنيف للسلام” البوليساريو والدولة المضيفة كامل المسؤولية في تكوين مشتل احتياطي من حملة الأفكار المتطرفة من أطفال وشباب المخيمات مما سيجعلهم هدفا سهلا للاستقطاب من طرف الجماعات المسلحة التي تنشط بالمنطقة؛ وتثير انتباه المنتظم الدولي إلى التهديد المباشر للأمن والسلم بالمنطقة والجوار بسبب التقاطع الحاصل بين الدور الانفصالي لتنظيم البوليساريو والدور الإرهابي للجماعات المسلحة والإرهابية.
وطالبت المنتظم الدولي بالتدخل من أجل تفكيك المخيمات وإيجاد مسارات سلمية وضمان حق العودة، وضرورة التسريع بوقف ظاهرة تجنيد الأطفال داخل مخيمات تندوف وفقا لالتزامات البلد المضيف ذات الصلة.
وفي هذا السياق ، ربطت عائشة الدويهي، رئيسة المرصد الدولي للسلم والديمقراطية وحقوق الإنسان بجنيف، الإطار العام لندوة تحت عنوان: “انتهاكات الحق في الحياة: الطبيعة الممنهجة لعمليات الإعدام التعسفي التي ترتكبها البوليساريو ومسؤولية الدولة المضيفة الجزائر”، بسياقها الذي انعقدت فيه على مستوى معالجة الانتهاكات الممنهجة التي تحدث داخل المخيمات من طرف الدولة الجزائرية وتنظيم البوليساريو، سياق مرتبط بالنزاع المفتعل حول الأقاليم الصحراوية الجنوبية، وهو السياق المرتبط بالإطار المعياري المتعلق أساساً بحماية الحق في الحياة ضدا على سياسة الإعدامات خارج نطاق القانون، أو بإجراءات تعسفية تتم بالمخيمات.
الندوة، جاءت على هامش الدورة 51 لمجلس حقوق الإنسان بجنيف، وتحدثت الناشطة الحقوقية، ادويهي، أيضا على مستوى الفظائع الإنسانية التي ارتكبتها جبهة البوليساريو منذ أحداث مخيمات تندوف بالجنوب الغربي للجزائر؛ وهي الانتهاكات التي خلفت الكثير من الضحايا، ضحايا الاعدامات التعسفية لتنظيم البوليساريو، مما يطرح سؤال سياسة الإفلات من العقاب المكرسة داخل المخيمات، ارتباطا بضرورة إلزامية إنصاف الضحايا وكشف الحقيقة عما جرى وجبر الضرر.
وأكدت عائشة الدويهي، أن استمرار الطابع الممنهج للقتل والمسؤولية المشتركة والمركبة للعناصر الأمنية الجزائرية مع تنظيم البوليساريو؛ يطرح سؤال مسؤولية الدولة الحاضنة عن تسخير البوليساريو لممارسة سياسة تصدير العنف وخلق الفوضى والقيام بأعمال القتل الوحشي كمثال على ذلك ضحايا “اكديم إزيك”.
وأضافت عائشة الدويهي في إطار تقديمها الإطار العام للندوة المنعقدة بجنيف، أهمية تسليط الضوء على تشابك الدور الانفصالي لتنظيم البوليساريو مع النشاط الإرهابي للجماعات المسلحة، التي تنشط في منطقة الساحل والصحراء والتحديات المطروحة على أمن المنطقة، وهو تشابك يتعلق بارتباط أصبح عضويا ومهدداً للسلم والأمن في المنطقة وفي الجوار.
وضمن مداخلات هذه الندوة، تطرق “لورنزو بينياس رولدان”، المحامي الدولي في شؤون الإرهاب والأمن الدولي، ل”قضية ضحايا البوليساريو، بين سياسة الإفلات من العقاب والمصالحة مع الضحايا والكشف عن الحقيقة”، بحيث بدأ مداخلته بالتذكير بصفته كأستاذ جامعي ومحام للحديث عن هذا الموضوع من زاوية معالجته الأكاديمية والقانونية له.
وقد انطلق في مداخلته من محور أول معنون ب “الهيكل التنظيمي والقانوني لتنظيم جبهة البوليساريو” حيث أشار بداية إلى محور طريقة انتخاب رئيس تنظيم البوليساريو، بحيث أشار إلى مضامين ما يسمي بدستور تنظيم البوليساريو التي يعين فيها رئيس التنظيم بشكل غير ديمقراطي ويحتكر كل السلط بين يديه.
في الفقرة الثانية من هذا المداخلة أشار المتدخل الإسباني إلى طبيعة النظام القضائي المعمول به في المخيمات وهو قضاء غير مستقل، يفتقد لمبدأ فصل السلط، كما أن بنيته هي بنية غير قضائية وغير مؤسساتية، ليعرج في فقرة ثالثة من هذا المحور إلى الحديث عن البنية الاستبدادية المؤسساتية لتنظيم جبهة البوليساريو، فما يسمي بالحكومة فهي مجرد إطار استبدادي لا يخضع لأي مراقبة مما يشكل خرقا للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
في المحور الثاني من مداخلته تحدث عن نتائج هذه السياسة المعتمدة داخل المخيمات خاصة وأن الجزائر لا تطبق اتفاقية جنيف لسنة 1951، بحيث يتم حرمان ساكنة المخيمات من حقهم في التنقل، ورغم تنديد الأمم المتحدة بهذه الوضعية إلا أن الجزائر مازالت تخرق الحق في التنقل، ناهيك عن نهب المساعدات الإنسانية وسرقتها وإعادة بيعها.
لينتقل المتحدث الإسباني في نقطة من هذا المحور إلى الحديث عن القلق العميق الذي سجلته اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، بمناسبة الدور الرابع للجزائر سنة 2018 بحيث عبرت عن قلقها العميق من نقل السلطات من الدولة الجزائرية إلى البوليساريو، كما أشار المتدخل إلى الاستخدام القسري للأطفال في التجنيد العسكري.
ليخلص في نهاية المداخلة المتحدث إلى التطرق للانتهاكات التي تطال ذوي البشرة السوداء، خاصة منهن النساء اللواتي يتعرضن لانتهاكات خطيرة، تمييزية ضدهن بسبب بشرتهن وبسبب جنسهن.
من جانبها، قدمت مغلاها الدليمي شهادة حية عن الانتهاكات التي تعرضت لها، ومازال يتعرض لها سكان المخيمات، بحيث أشارت إلى مختلف أصناف الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها سكان المخيمات خاصة منهن النساء، مع ما رافق ذلك من فظاعات إنسانية خطيرة، ولا يزال مطلب الاعتراف بهذه الانتهاكات وإنصاف الضحايا مطلبا ملحا للضحايا وذويهم، كما أشارت المتحدثة إلى كون جبهة البوليساريو حاولت الاعتراف بشكل جزئي بهذه الانتهاكات، إلا أنها لم تقم أبدا بتقديم لائحة للضحايا؛ في محاولة من الجبهة للالتفاف على خطوة كشف الحقيقة عما جرى بخصوص انتهاكات الماضي، فالانتهاكات الجسيمة مازالت مستمرة بالمخيمات، وراح ضحيتها ليس فقط سكان المخيمات بل أيضا اسبان وموريتانيين كانتهاكات تمس الحق في الحياة، وتتطابق في وصفها بالجرائم التي ترتكبها الجماعات الإرهابية في الساحل.
في المداخلة الثالثة التي قدمها المحامي نوفل البعمري، انطلق من الشهادة التي قدمتها مغالاها الدليمي التي كشفت، إلى جانب شهادات أخرى عن فظاعة وبشاعة الانتهاكات التي ارتكبت والتي ترقى لمستوى الجرائم ضد الإنسانية، والتي حاول تنظيم البوليساريو إخفاءها بادعاء ان تنظيم البوليساريو قام بطي صفحة الانتهاكات التي حدثت، من خلال الإعلان عن إنشاء ما سمي بالمجلس الصحراوي لحقوق الانسان، الا أن هذا المجلس هو فقط ذرع من أذرع تنظيم عدالة يفتقد لمعايير باريس وغير مستقل ولا محايد، ولم يقم بمهمة العدالة الانتقالية المنوطة به وعلى رأسها جبر الضرر الفردي والجماعي، الاستماع للضحايا وأساسا توفير ضمانات عدم التكرار، حيث ارتكبت بعد ذلك انتهاكات خطيرة فندت كل ادعاءات الجبهة، ليخلص المتحدث في مداخلته إلى الحديث عن مسؤولية الدولة الجزائرية فيما حدث، خاصة المسؤولية القانونية والسياسية وذلك بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الانسان، بحيث أنها حسب المتدخلة نفسها دولة لجوء، مما يفرض عليها ضمان العديد من الحقوق لساكنة المخيمات على رأسها الحق في التنقل الذي يعد حقا غير مكفول، بالإضافة الى عدم إحصائهم بسبب الرفض المستمر للدولة الجزائرية رغم وجود قرارات أممية تطالب بذلك.
ليخلص المتحدث إلى أن الجزائر لم تكتفي بذلك، بل أصبحت تقوم بعمليات قتل بشعة في حق الشباب من منقبي الذهب ومن مهربي المحروقات، ومن الشباب الذين حاولوا مؤخرا الهروب من المخيمات مما يفرض تحركا قضائيا ضد مرتكبي هذه الجرائم أمام القضاء الدولي خاصة امام المحكمة الجناية الدولية.
المداخلة الرابعة كانت الباحث الإسبانية “صوفي ميشيز” التي تناولت في مداخلتها تجربتها كمراقبة في محاكمة اكديم ازيك التي جرت ما بين فترة 2017 إلى 2018، حيث أشارت بداية إلى التهم التي توبع من أجلها المتهمين، وهي تهم تتعلق بتكوين عصابة وارتكاب أعمال قتل في حق 11 فردا من أفراد القوات العمومية، كما أشارت إلى قانونية الإجراءات التي تم اتخاذها خلال المحاكمة، على عكس ما يروج له، و ما سجلته هو أن المحاكمة كانت علنية، ومحترمة لشروط المحاكمة العادلة، وأنها كانت مفتوحة أمام العموم بما فيها اسر المعتقلين في احترام لهذا الحق، وقد عرجت إلى الحديث عن قبول المحكمة، لطلب إجراء خبرة للتأكد من واقعة التعذيب التي يدعون تعرضهم لها، لكن المتهمين رفضوا إجراءها، رغم أنهم هم من تقدموا بطلبها، إلى جانب إجراءات أخرى كانت محترمة لمعايير المحاكمة العادلة بما فيها توفير الهيئة القضائية للمحامين في إطار المساعدة القضائية بعد قرارهم بالانسحاب من المحاكمة.
في ختام المداخلات تطرق “شيما ماريا خيل”، الخبير في قضايا الإرهاب والأمن الدولي، إلى الارتباط الموجود بين تنظيم البوليساريو والتنظيمات الجهادية، حيث أكد عن كون هناك إجماع من طرف جميع المحللين والمتابعين للملف على وجود تهديدات جدية وخطيرة للمنطقة تغذي الإرهاب والجريمة في منطقة الصحراء والساحل، وبالعودة لقيادات بعض الجماعات المسلحة والإرهابية فهي من المخيمات، وتدربت على السلاح مع ميليشيات الجبهة، ليعرج بعدها المتدخل لحالة الإحباط التي يعيشها سكان المخيمات بسبب ديكتاتورية واستبداد تنظيم البوليساريو.
وقد أشار المتحدث إلى أن الأمم المتحدة لا يمكن أن تتذرع بكونها لا تعلم حقيقة هذه التهديدات، ولن تكون قادرة على تبرير عدم اتخاذ أية إجراءات ضد هذه التهديدات، خاصة وأن الجزائر، اليوم، هي من تهدد السلم والأمن في المنطقة بإفريقيا وأوروبا.
المتدخل أشار في الختام إلى أن المغرب يواجه هذه التهديدات بجدية بتعاون مع المجتمع الدولي، ونظرا لخطورة هذه التهديدات فيجب مطالبة الجزائر بالاستجابة للمصالحة وللمبادرة المغربية.