جسر بريس من الرباط
ما ذكره النعم ميارة رئيس مجلس المستشارين خلال لقاء من لقاءات التنظيمات الموازية لحزب الاستقلال حول اليوم الذي سيأتي وتتحرر فيه سبتة ومليلية كلام يؤمن به كل مواطن مغربي حر، سواء رسميا أو شعبيا. المدينتان السليبتان طال الزمن أو قصر ستعودان إلى حضن الوطن بحكم قوة التاريخ والجغرافيا والثقافة وغير ذلك من الروابط التي تجمعهما بالوطن الأم. صحيح أن احتلال هذين الثغرين المغربيين امتد لزمن طويل فاق أحيانا حتى الفترة الاستعمارية التي خضع لها المغرب إبان الحماية، لكن ذلك لا ينفي أبدا أن الاحتلال مهما طال فهو إلى زوال. لقد احتلت بريطانيا هونغ كونغ لقرون طويلة ثم غادرتها في النهاية، كما ظلت جزيرة ماكاو الصينية خاضعة للسلطة البرتغالية منذ القرن السادس عشر، قبل أن تضطر لمغادرتها سنة 1999.
وبغض النظر عن هذه الأمثلة فإن الحق الذي وراءه طالب لا يمكن أن يضيع. وإسبانيا نفسها التي تطالب باستعادة صخرة جبل طارق من السلطات البريطانية تعرف جيدا أن للجغرافيا أثر حاسم في تحديد شرعية السلطة على أرض معينة. الإسبان شكلوا لقرون قوة استعمارية كاسحة واحتلت الممالك الإسبانية إبان القرنين الخامس عشر والسادس عشر نصف العالم بفضل حملات الاستكشافات البحرية. ومثلما تحتفظ إسبانيا اليوم بوجودها الاستعماري على أراضي مغربية، فقد كان للمغاربة أيضا وجود على أراضي إسبانيا إبان إمارات الأندلس التي حكمها الموحدون والمرابطون والمرينيون وغيرهم من الدول التي تعاقبت على حكم المغرب. ثم انتهى كل ذلك وزال، ومثله ينبغي أن يزول أيضا هذا الواقع المفروض.
ولنكن واضحين فيما يخص مخاطبة أنفسنا وبني وطننا بهذا الخصوص. إسبانيا سترحل عن سبتة ومليلية شاءت أم أبت، لكن عندما تتوفر الشروط وتنتفي الموانع. وأول هذه الشروط هو توازن القوى الذي ستفرضه التحولات السياسية والاقتصادية في المنطقة. الصين استرجعت هونغ كونغ وماكاو من القوتين الاستعماريتين السابقتين بعد أن تمكنت من فرض صوتها وقوتها في المنتظم الدولي، وعلى الرغم من أنها كانت تمتلك القوة العسكرية الكافية لاقتحام البلدتين واستعادتهما إلا أنها فضلت نهج السبل الدبلوماسية والتفاوض حتى الإقرار النهائي لاستقلالهما بشكل سلس وهادئ. والمغرب لا يختلف عن الصين فيما يخص الجنوح نحو النهج السلمي.
المهم أن هذه القضية رغما عن أنف تصريحات وزيرة الدفاع الإسبانية لا يمكن أن تموت، ولا يكفي أن يرفع مسؤول إسباني صوته بالقول إن المدينتين إسبانيتان لتكونا كذلك. إنهما إسبانيتان بالقوة والنار، لكنهما مغربيتان بحكم التاريخ والجغرافيا والثقافة، وستعودان كذلك. ومن بين هذه الشروط التي لا يجب أن تغيب عن هذا المشروع الوطني الحق، هو استمرار الوعي بهذه القضية في كافة المؤسسات والهيئات المدنية والسياسية والرسمية والإعلامية. وما يقوم به حزب الاستقلال على سبيل المثال من طرح لهذه القضايا الترابية التي لا تزال تشغل بال المغاربة كالصحراء الشرقية وسبتة ومليلية يعتبر عملا هاما ومؤثرا. هو هام لأنه ضروري لتبقى هذه القضايا مطروحة وحية، ومؤثر لأنه يربي أجيالا جديدة تربط الجسور مع وعي الأجيال السابقة التي ناضلت من أجل تحرير هذه البلاد.
وعلى الرغم من كل هذه الجعجعة الإسبانية التي تظهر بين الفينة والأخرى كردود أفعال متشنجة، إلا أن مختلف القوى الحية في الداخل الإسباني تدرك جيدا أن قضية سبتة ومليلية قضية تصفية استعمار ولا يمكن بتاتا التهرب من ذلك سواء في الوقت الراهن أو في المستقبل. القوى التقدمية على سبيل المثال التي يمثلها الاشتراكيون واليساريون الإسبان كانت دائما ترفع شعارات الدفاع عن التحرر والاستقلال في مناطق أخرى من العالم، ولا يمكنها بتاتا تجاوز واقعها الداخلي لتستمر في إنكار الحقيقة التاريخية الساطعة لوضع المدينتين السليبتين. كما أن على إسبانيا أن تتذكر أيضا أنها بلد يرقد على نهر جارف من المطالب الانفصالية. فكل الأقاليم تحتضن حركات انفصالية في الباسك وكتالونيا وغاليسيا وغيرها ومن ثمة فإن هذا العقد الفريد الذي تنسجه الدولة الإسبانية بكثير من المعاناة والتضحيات لا ينبغي أن يكون على حساب حقوق الجيران.