جسر بريس من العاصمة المغربية
في سياق دولي يتسم بتزايد الضغوط الغربية على روسيا بسبب حربها مع أوكرانيا، وسياق إقليمي تعيش فيه الجزائر “عزلة خانقة أمام تراجع أدوراها الإقليمية في العديد من الملفات”، حطت طائرة الرئيس الجزائري بالعاصمة موسكو، الثلاثاء الماضي، بعدما حالت رياح التوترات السياسية بين الجزائر وفرنسا دون استقبال تبون في باريس.
بيان الرئاسة الجزائرية الذي وصف الزيارة بـ”زيارة دولة”، لم يتوقف كثيرا عند أجندتها الحقيقية ومخرجاتها، وكذلك فعلت وسائل إعلام جزائرية وروسية، مكتفية بترديد أن الزيارة تأتي في إطار “مناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إضافة إلى توقيع وثيقة للتعاون الاستراتيجي”، تهدف إلى إيجاد مجالات أخرى للتعاون بعيدا عن مجال التعاون العسكري الذي هيمن على طبيعة العلاقات بين البلدين.
في الصدد ذاته، وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال لقائه بنظيره الجزائري في الكرملين، اليوم الخميس، علاقات بلاده مع الجزائر بـ”العلاقات التي تحمل أهمية خاصة وطبيعة استراتيجية بالنسبة لروسيا”، مشيرا إلى أن “التوقيع على إعلان الشراكة الاستراتيجية الشاملة سيساهم في تعزيز بناء العلاقات بين البلدين”.
من جهته، أشاد الرئيس الجزائري بـ”عمق العلاقات وأواصر الصداقة القائمة بين الجزائر والاتحاد الروسي”، مشددا في الوقت ذاته على أن بلاده “حافظت على استقلالها بفضل الدعم العسكري الروسي، وعلاقاتنا تمتد لأكثر من 60 عاما. وبالتالي، فإن الضغوط الغربية لن تؤثر أبدا في طبيعة هذه العلاقات”.
معظم التحليلات قرأت زيارة تبون إلى موسكو على ضوء التحديات الكبرى التي يعرفها البلدان، خاصة على المستويين الاقتصادي والعسكري، في حين قللت تحليلات أخرى من أي تأثيرات محتملة لهذه الزيارة على موقف موسكو من قضية الصحراء المغربية.
وليد كبير، ناشط سياسي جزائري، قال إن “الاستقبال الباهت الذي حظي به عبد المجيد تبون لدى وصوله إلى موسكو، يدحض مزاعم المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية الجزائرية التي اعتبرتها زيارة دولة تمت بدعوة من الرئيس الروسي”.
وأضاف كبير، في تصريح صحفي، أن “زيارة الدولة باعتبارها الأعلى مرتبة من بين جميع أنواع الزيارات الدبلوماسية، تخضع لمراسم وبروتوكولات خاصة لم نر أيا منها خلال استقبال تبون لدى وصوله للمطار، وهو الاستقبال الذي غاب عنه الرئيس فلاديمير بوتين، وهو ما يدل على أن هذه الزيارة لم يتم التخطيط لها بشكل كاف”.
وتابع بأن “فشل ترتيبات الزيارة التي كانت ستقود الرئيس الجزائري إلى فرنسا، أربك حسابات الدبلوماسية الجزائرية وجعلها تعجل بترتيب زيارة إلى روسيا”، موردا أن “النظام الحالي صار يعاني من عزلة على المستويين الإقليمي والدولي، وبالتالي يحاول ترتيب هكذا زيارات من أجل استعادة الجزائر موقعها في الخريطة القارية والعالمية”.
محمد الطيار، خبير أمني وعسكري، قال إن “هذه الزيارة التي تم تأجيلها لأكثر من مرة، جاءت مباشرة بعد لقاء السعيد شنقريحة مع مدير المصلحة الفيدرالية للتعاون العسكري والتقني الروسي، ديميتري شوغاييف، الأسبوع الماضي في الجزائر، حيث عبرت الأخيرة عن رغبتها في عقد صفقات سلاح مع الطرف الروسي”.
في الصدد ذاته، أفاد الطيار، في تصريح صحفي، بأن “موسكو لم تحدد موعدا لهذه الزيارة إلا بعد أن تأكدت أنها ستجني عائدات مالية من ورائها، وهو ما تأتى لها إثر زيارة المسؤولين العسكريين الروس إلى الجزائر”.
وأضاف أن “تواجد تبون في موسكو هو من أجل توقيع هذه الصفقات، خاصة وأن تقارير إعلامية تحدثت عن أن مجموع هذه الصفقات يبلغ ما بين 10 و12 مليار دولار من مجموع الـ18 مليار دولار التي خصصتها الجزائر هذه السنة لميزانية الدفاع”.
وواصل بأن “روسيا ستكون المستفيد الوحيد من هذه الزيارة، بحكم حاجتها إلى هذه المبالغ لتمويل حربها مع أوكرانيا، دون أن ننسى أن هذه الزيارة ستكون لها بالتأكيد انعكاسات كبيرة على الجزائر، في الوقت الذي تحاول فيه الدول الغربية قطع مصادر تمويل روسيا لحربها في أوكرانيا، وقد يقود ذلك إلى عقوبات غربية ضدها”.
وخلص المتحدث إلى أن “وثيقة التعاون الاستراتيجي التي سيوقعها الطرفان هدفها ضمان موقف جزائري مؤيد لروسيا في حربها مع أوكرانيا من جهة، وإجبار الجزائر على السماح لموسكو باستخدام أراضيها في محاولتها للتغلغل في منطقة الساحل الإفريقي من جهة أخرى، وهو ما سيجلب بالتأكيد على النظام الجزائري عداء الدول الغربية وسيعمق من عزلته الإقليمية والدولية”.
بدر زاهر الأزرق، محلل سياسي واقتصادي، قال إن “ملف انضمام الجزائر إلى منظمة البريكس يأتي على رأس أجندة هذه الزيارة، إضافة إلى مجموعة من الملفات الأخرى على غرار ملف الطاقة والمحروقات، زيادة على ملف التعاون العسكري بين البلدين”.
وحول أهلية الجزائر للانضمام إلى “البريكس”، أورد الأزرق أن “هناك مجموعة من المحددات يجب أن تتوفر قبل قبول عضوية أي دولة في هذا التكتل الاقتصادي، في مقدمتها أن يتجاوز الناتج الإجمالي الداخلي 200 مليار دولار وأن تبلغ نسبة النمو الاقتصادي أكثر من 5 في المائة، وهو ما لا تحققه الجزائر في الوقت الراهن”.
وأضاف المتحدث ذاته، أن “سياق هذه الزيارة غير ملائم، بالنظر إلى أن الغرب سيعتبره تأييدا لموسكو في حربها ضد أوكرانيا، أضف إلى ذلك أن الدول الغربية لا تنظر بعين الرضا لعدم انخراط الجزائر في العقوبات التي أقرتها ضد موسكو في هذا الصدد”.
ولم يستبعد المحلل السياسي والاقتصادي ذاته أن “تكون مواقف الدولتين فيما يخص النزاعات الدولية والإقليمية، على غرار النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، حاضرة خلال المباحثات الثنائية التي ستجمع الرئيسين الروسي والجزائري”.
وخلص الأزرق إلى أن “هذه الزيارة تسير في اتجاه تقوية العلاقات الاقتصادية بين الجزائر وموسكو، غير أنها لن يكون لها أي تأثير فيما يخص موقف هذه الأخيرة من قضية الصحراء المغربية، بالنظر إلى علاقاتها المتميزة مع المغرب التي يترجمها موقف الحياد الذي اتخذته الرباط إزاء النزاع الأوكراني الروسي”.
من جهتها، قالت شريفة لموير، محللة سياسية، إن “هذه الزيارة يمكن قراءتها على مستويين: داخلي وخارجي؛ فعلى المستوى الداخلي لا تعدو أن تكون زيارة عادية الهدف منها إعطاء انطباع للداخل الجزائري مفاده تمسك روسيا بحليفتها الجزائر”.
وعلى المستوى الخارجي، تضيف الموير في تصريح صحفي، أن “النظام الجزائري يحاول الرد على التقارب المغربي مع حلفائه الغربيين، وخلق تكتل معادٍ لمصالح الرباط، خاصة وأن هذه الأخيرة أصبحت قطبا قاريا مهما داخل الإفريقية”.
وواصلت بأن “الجزائر، وحتى مع انتخابها للعضوية غير الدائمة في مجلس الأمن، ليس لها الثقل الكافي لحشد تكتل معادٍ للمصالح الاستراتيجية للمغرب الذي أصبح رقما صعبا في معادلة التوازن الإقليمي في منطقة المتوسط وشمال إفريقيا وفاعلا مؤثرا في السياسات الإقليمية والدولية”.
وحول الموقف الروسي من قضية الوحدة الترابية للمملكة، خاصة بعد التصريحات الأخيرة لفاسيلي نيبينزيا، ممثل روسيا الدائم بمجلس الأمن، ردت لموير بأن “المغرب كان واضحا منذ البداية في علاقته مع روسيا بتبنيه موقفا محايدا تجاه الصراع في أوكرانيا، كما أن موسكو اليوم وفي ظل حربها مع كييف، ليست في وضع يسمح لها بخلق أزمة مع الرباط”.