أكد عمر هلال، السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، أمام أعضاء لجنة الـ24 التابعة للأمم المتحدة، أنه تم الحسم في مغربية الصحراء بشكل نهائي منذ العام 1975، بموجب اتفاق مدريد.
وقال هلال، خلال الاجتماع السنوي للجنة الـ24، “أود التأكيد مجددا أن إنهاء استعمار الأقاليم الصحراوية للمغرب قد تم بشكل نهائي ولا رجعة فيه منذ عودتها إلى وطنها الأم، في عام 1975، بموجب اتفاق مدريد”.
وأبرز السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة أنه، وقبل هذا الاتفاق بوقت طويل، أقرت محكمة العدل الدولية بمغربية الصحراء، مؤكدة في رأيها الاستشاري أن الصحراء لم تكن أرضا خلاء لحظة احتلالها من قبل إسبانيا في 1884، وأثبتت وجود روابط قانونية وتاريخية للبيعة، وبالتالي السيادة، على الدوام بين قبائل الصحراء وملوك المغرب”.
وأضاف الدبلوماسي أن مجلس الأمن يعالج قضية الصحراء المغربية، بموجب الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة باعتبارها نزاعا إقليميا بين المغرب والجزائر؛ ونتيجة لذلك، تابع هلال، فإن مجلس الأمن يعد وحده المخول بتقديم توصيات، والتوصية بإيجاد حل لهذا النزاع الإقليمي، وهو ما يقوم به كل سنة، من خلال قراراته، ومن بينها القرار 2654، الذي تم تبنيه في أكتوبر 2022.
وذكر بأن هذا القرار جدد التأكيد على الركائز الأربع التي لا رجعة فيها لحل قضية الصحراء المغربية، والقائمة على أن حل النزاع حول الأقاليم الجنوبية للمغرب لا يمكن أن يكون إلا “سياسيا وواقعيا وعمليا ودائما ومتوافقا بشأنه”، مبرزا أن ما يسمى بـ”خطة التسوية” و”الاستفتاء” اللذين يتمسك بهما البعض بشكل يائس، قد تم إقبارهما بشكل نهائي من طرف مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة، منذ أكثر من عقدين.
وأكد هلال، في هذا الصدد، أن الركيزة الثانية تتمثل في المبادرة المغربية للحكم الذاتي، التي تعد التجسيد الأمثل لهذا الحل في إطار الوحدة الترابية للمملكة وسيادتها الوطنية، مشيرا إلى أن مجلس الأمن وصفها باستمرار، في جميع قراراته، بالجادة وذات المصداقية، وذلك منذ تقديمها في 2007.
ولاحظ هلال أن هذه المبادرة حظيت، منذ ذلك الحين، بدعم دولي، إذ إن أزيد من 100 دولة عضو في الأمم المتحدة، تمثل كافة مناطق العالم، والتي تحضر غالبيتها العظمى هذا الاجتماع، تعتبرها الأساس الوحيد والأوحد لتسوية هذا النزاع، مبرزا أن هذا الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء تعزز بافتتاح 28 دولة ومنظمة إقليمية لقنصلياتها العامة في العيون والداخلة.
وبخصوص الركيزة الثالثة، فقد أشار إلى أن اجتماعات الموائد المستديرة، بالصيغة ذاتها والمشاركين الأربعة أنفسهم، ومن بينهم المغرب والجزائر وموريتانيا، تعد الإطار الوحيد لاستكمال العملية السياسية.
أما في ما يتعلق بالركيزة الرابعة، فأوضح السفير أن مجلس الأمن كرس في قراراته المتعاقبة الجزائر بصفتها طرفا رئيسيا في هذا النزاع الإقليمي، الذي افتعلته وتبقي عليه، من خلال دعوتها صراحة للمشاركة في الموائد المستديرة. وأعرب عن أسفه لكون الجزائر “تواصل رفض قرارات مجلس الأمن والامتناع عن العودة إلى الموائد المستديرة، معرقلة بذلك العملية السياسية”.
وخلص السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة إلى تجديد التأكيد على بداهة وواقع ثابتين: “الصحراء كانت على الدوام مغربية. إنها مغربية. وستظل مغربية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها”.
- كلما تداولت خريطة المغرب لسنة1880 في عهد الحسن الأول، كلما أثير الموضوع القديم الجديد المتعلق بمغربية الصحراء الشرقية؛ خاصة وأن المعطيات التي كشفت عنها مديرة الوثائق الملكية، بهيجة سيمو، شهر فبراير الماضي، في ندوة بالرباط، دافع دفع الكثيرين الى المطالبة بالتعبئة من أجل المطالبة باسترجاع جميع الأراضي المغتصبة بالصحراء الشرقية والعودة إلى الحدود التاريخية لسنة 1880.
عودة النقاش حول مغربية الصحراء الشرقية يجد مستنده اولا في الزخم الدبلوماسي الذي يعرفه ملف الصحراء المغربية؛ والذي لايمكن للمعطيات و الوثائق التاريخية الا أن تعضده بالأدلة و البراهين، لتفحم بذلك الاسطوانة المشروخة للنظام العسكري الجزائري.
فتاريخ الأرشيف الوطني، و الأجنبي يشير إلى أن الصحراء الشرقية هي الأخرى مغربية، بدليل أن خريطة المغرب؛ التي تعود إلى سنة 1880 في عهد الحسن الأول، كانت تشمل أراض شاسعة من الصحراء الكبرى، سواء منها الشرقية أو الغربية، وكانت الحدود بين المملكة والسنغال والسودان، وفي جهة الشرق ليبيا وتونس والإمبراطورية العثمانية.
المعطى الثاني الذي يؤكد أن الصحراء الشرقية مغربية هو المعطيات المهمة التي كشفت عنها مديرة الوثائق الملكية، بهيجة سيمو، خلال ندوة بوكالة المغرب العربي، حينما كشفت أن المغرب يتوفر على وثائق تؤكد أن “الصحراء الشرقية” التي تضم مناطق جزائرية، كانت تابعة للمغرب، إلى جانب وثائق أخرى تثبت أيضا أن الصحراء الغربية “مغربية”.
مديرة الوثائق الملكية العارفة بخبايا الأرشيف الوطني، ذهبت في حديثها أمام ثلة من الصحفيين، و الباحثين في التاريخ إلى التأكيد على أن الوثائق حول مغربية الصحراء “متوفرة، يمكن الاطلاع عليها. كما أنها مُرتّبة، كما أوضحت أن الوثائق حول الصحراء ليست فقط مراسلات أو ظهائر أو بيعات، بل هناك خرائط ورسوم تُظهر كيفية تطوّر الحدود من العصر الوسيط إلى اليوم، وهو رصيد جد هام حصلنا عليه أيضا من دول أخرى تشهد بذلك”، تردف مديرة الوثائق الملكية في مداخلة لها بالرباط.
النظام العسكري الجزائري، الذي لاتروقه الحقائق التاريخية كلما تعلق الأمر بمغربية الصحراء، يحاول بشتى الطرق استغلال عصابات جبهة البوليساريو للتغطية على موضوع الصحراء الشرقية المغربية التي سلمتها فرنسا للجزائر غصبا سنة 1962، وذلك بهدف محاولة التشويش على المملكة حتى لا تطالب باسترجاعها.
و الدليل على المحاولات الجزائرية الفاشلة لاقبار أي حديث في موضوع الصحراء الشرقية؛ هو خروج ابواق النظام العسكري الجزائري مباشرة بعد تصريحات مديرة الوثائق الملكية، حيث اتهم رئيس المجلس الشعبي الجزائري، إبراهيم بوغالي، المغربَ بـ”التشويش” على الجزائر، وتسويق أطماعه التوسع.
كلام مردود عليه من خلال الوثائق التاريخية التي تؤكد أن علاقة ورابطة البيعة التي تربط ساكنة مناطق الصحراء الشرقية، و ملوك الدولة العلوية، واضحة؛ و لاغبار عليها؛ حيث استعرضت بهيجة سيمو؛ خلال ندوة وكالة المغرب العربي للأنباء، نصوص تثبت بيعة القبائل الصحراوية للسلاطين والملوك العلويين
في هذا الصدد، أوضحت مديرة الوثائق الملكية مؤكدة: “جمَعنا في كتاب الصحراء المغربية من خلال الوثائق الملكية، الصادر في ثلاثة أجزاء، حُججاً لا لُبس فيها تثبت أن تاريخ المغرب ضارب بجذوره في أقاليمه الصحراوية، ويسير بشكل مواز للامتداد التاريخي والثقافي والمذهبي، والوحدة الراسخة، ويبرز ممارسة السيادة المغربية في أقاليمها الصحراوية من خلال استمرارية البيعات للملوك والسلاطين، والتعيين بموجب ظهائر شريفة للعمال والقضاة والقوّاد في مختلف الأقاليم الصحراوية”.
كما شددت بهيجة السيمو على أن مديرية الوثائق الملكية نشرت العديد من المؤلفات حول هذا الموضوع، وخصوصا كتاب “البيعة ميثاق مستمر بين الملك والشعب”، سنة 2011، والذي يؤرخ للبيعة باعتبارها أساسا ثابتا من الأسس الشرعية للمملكة، وقاعدة لتمليك السلاطين والملوك في المغرب عبر العصور.
تشهد منطقة تمنراست الواقعة في أقصى جنوب الجزائر منذ عدة أسابيع اشتباكات دامية بين الجيش الجزائري والطوارق الطامحين إلى تحقيق الاستقلال. والدليل على ذلك، على الرغم من محاولات النظام الجزائري إخفاء تجدد الروح الانفصالية في هذه المنطقة، تعاقب البيانات الصحفية الصادرة عن وزارة الدفاع الجزائرية خلال اليومين الماضيين، التي تتحدث عن « اعتقال إرهابيين »، و « اعتقال 182 شخصا »، وضبط أسلحة ثقيلة في هذه المنطقة، ناهيك عن قطع الإنترنيت في البلاد.
التماسك الوطني هو بلا شك نقطة ضعف جزائر اليوم. في مواجهة المطالب السلمية للاستقلال في منطقة القبائل في الشرق، تواجه السلطة الجزائرية مرة أخرى خطر نزعة الاستقلال الذي يتزايد أكثر فأكثر في ولايات الجنوب الشاسعة (أدرار وهقار). هزت اشتباكات دامية بين ثوار الطوارق والجيش الجزائري في الأسابيع الأخيرة منطقة تمنراست.
على الرغم من التعتيم على هذا العنف في جنوب البلاد، إلا أن الطغمة العسكرية اضطرت للخروج عن صمتها. وهكذا، فإن البيانات الصحفية الصادرة عن وزارة الدفاع الجزائرية توالت. في غضون 48 ساعة فقط، عرض بيانان صحفيان « حصيلة » بعض العمليات العسكرية، التي جرت بشكل رئيسي في تمنراست، وهي منطقة أمازيغية في أقصى جنوب الجزائر، والتي أصبحت في الأسابيع الأخيرة بؤرة توتر شديد ومسرح مناوشات بين الجنود الجزائريين ضد الطوارق الراغبين في الاستقلال.
يوم الاثنين 12 يونيو، أعلن بيان صحفي صادر عن الجيش الجزائري توقيف أحد « الانفصاليين » في تمنراست وقدم على أنه « إرهابي ». وتفاقم الوضع يوم الأربعاء 14 يونيو إلى درجة تسبب في خرجة إعلامية جديدة للجيش الجزائري. فقد أفاد بيان جديد هذه المرة باعتقال أكثر من 200 شخص في مثلث تمنراست وبرج باجي مختار وعين قزام.
هل هؤلاء الأشخاص الذين تم اعتقالهم وتم وصفهم بأوصاف مختلفة ومزيفة. فقد قدموا في بعض الأحيان على أنهم قطاع طرق، وأحيانا أخرى على أنهم عناصر دعم للجماعات الإرهابية، وأحيانا على أنهم أشخاص يبحثون عن الذهب بطريقة غير شرعية. وهكذا، وبحسب وزارة الدفاع الجزائرية، فقد تم توقيف « 18 عنصرا من داعمي الجماعات الإرهابية » في تمنراست وبرج باجي مختار، حيث تم أيضا ضبط أسلحة (رشاشات وقنابل يدوية).
كما قبض على « قاطع طريق » مزعوم من الطوارق وبحوزته رشاش من طراز كلاشينكوف وذخيرة أخرى. والحقيقة أن الأمر يتعلق بثوار مسلحين يطالبون بالاستقلال، وليس لصوص أو إرهابيين، كما تزعم وزارة الدفاع الجزائرية.
وأضاف الجيش الجزائري أنه اعتقل أيضا في تمنراست وبرج باجي مختار وعين قزام « 182 شخصا وضبطت 28 مركبة و39 مولدا كهربائيا و31 مطرقة ضغط وجهاز واحد للكشف عن المعادن و95 قنطار من خليط خام الذهب والحجارة، بالإضافة إلى كميات من المتفجرات ومعدات تفجير وتجهيزات تستعمل في عمليات التنقيب غير المشروع عن الذهب ».
وفضلا عن ذلك، ولإخفاء هذه النزعة الاستقلالية المتجددة التي أشعلت النيران في جنوب البلاد، فقد دس الجيش الجزائري في « حصيلته » ما يسميه « فشل محاولات إدخال 198 كيلوغراما من الكيف المعالج عبر الحدود مع المغرب! ».
والأمر لا يعود إلا تكرار لنفس الأكاذيب الكلاسيكية وذر الرماد في العيون من أجل إخفاء ما هو أساسي. خاصة وأن البيان الصحفي ليوم الاثنين لم يتكلم إلا على « إرهابي » واحد، تم اعتقاله يوم الأحد 11 يونيو، بينما أفاد بيان صحفي الأربعاء بأن 200 شخص اعتقلوا بين 7 و13 يونيو 2023. لماذا لم يتم ذكرهم في البيان الصحفي الصادر يوم الاثنين، المخصص لـ« إرهابي » واحد؟
وللحفاظ على التعتيم بشأن هذه النزعة الاستقلالية المتجددة في جنوب الجزائر، اختارت الطغمة العسكرية أيضا ذريعة مضللة، وهي محاربة الغش في امتحانات البكالوريا (التي ستجري في الفترة من 11 إلى 15 يونيو)، لقطع الإنترنت في جميع أنحاء البلاد.
إذا تم تسجيل اضطرابات كبيرة في الجزء الشمالي من البلاد منذ يوم الأحد الماضي، فإن جنوب الجزائر محروم تماما من الإنترنت، مع العلم أن الجزائر في أسفل الترتيب العالمي من حيث الاتصال بالإنترنت. ما هو أسوأ بالنسبة للجزائر هو أن الأحداث الجارية في أقصى جنوبها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالتوتر الموجود حاليا في شمال مالي، حيث يدير الطوارق المحليون ظهورهم لاتفاقات الجزائر لعام 2015 بشأن المصالحة في مالي.
يشار إلى أنه من خلال هذه الاتفاقيات، لم تهدف الجزائر بشكل أساسي إلى السلام في مالي، ولكن إلى تجنب إنشاء دولة الطوارق في شمال هذا البلد المجاور، والتي تعني انفصال جنوب الجزائر. حتى أن الجزائر عارضت دولة الطوارق الجنينية التي كادت أن تظهر إلى الوجود في عام 2012 في كيدال، والتي أحبطتها من خلال إرسال جماعات إرهابية بقيادة أمراء جزائريين لاحتلال شمال مالي بالكامل.
كما أنه، وبالتزامن دائما مع ما يحدث في جنوب الجزائر، فإن مجموعات الطوارق المسلحة المختلفة في شمال مالي، التي توحدت الآن تحت راية حركة واحدة، وهي تنسيقية حركات أزواد التي لها نزعة صريحة في الاستقلال. هذه التنسيقية لا تسيطر حاليا وبالكامل على مدينة كيدال والطرق الرئيسية التي تربط شمال مالي بالجزائر، ولكن هذه الحركة تتحدى حاليا القوة العسكرية لباماكو من خلال رفض أي مشاركة في الاستفتاء الدستوري المقرر إجراؤه في 18 يونيو.
القبايل تطالب بالاستقلال عن نظامٍ يتبنى “الاشتراكية العربية” و”الشمولية السياسية”… لكن هل سيمضي المغرب في مسلسل دعم القبايل عبر استضافة قادة حكومة المنفى وفتح علاقات دبلوماسية معها كما دعا فرحات مهني؟
دعم أمازيغ الجزائر وأحقيتهم في تقرير المصير وتصفية “الاستعمار الجزائري”، هذا المصطلح “الضخم” الذي لم يسبق ان استعمله المغرب في خطاباته التي لطالما شددت على أهمية الوحدة الترابية للبلدان باعتبارها من الثوابت الراسخة لمواقف المغرب دبلوماسيا، فما الذي حدث بالضبط حتى غير المغرب لهجته وموقفه بهذا الخصوص، وهل استسلم أخيرا لاستفزازات الاعلام وجنرالات النظام الجزائري أم هو توجه جديد في خطاب الدبلوماسية المغربية؟.
ومنذ ستينيات القرن الماضي، اتسمت العلاقة بين الجارين الشقيقين بـ”الوئام” تارة والفتور في أغلب الأحيان، فالخلاف كائن وثابت دائما، مهما حاولت المراسلات الرسمية إظهار التلاحم وسعي النظامين إلى تحقيق الائتلاف إلا أن لعبة الشد والجذب تبقى هي الطاغية، والتوتر مستعد للبروز بأي لحظة ولأهون الأسباب وهو ما ينعكس على التكتل الإقليمي المفترض تحت مسمى “المغرب الكبير”.
أما التوتر الجديد، الذي بدأ يأخذ شكله الرسمي، فيتعلق بتغير الخطاب الدبلوماسي المغربي بشكل مفاجئ، ملوحا بدعمه للاستقلال الشعوب المطالبة بالانفصال، تماما كما حدث عندما نبه إسبانيا إلى فرضية دعم مطالب كتالونيا، قبل أن يعود لدعم تقرير مصير منطقة القبائل باعتبارها تعاني ويلات “الاستعمار الجزائري”.
وتأتي هذه التصريحات الجديدة على هامش اجتماع عقدته منظمة دول عدم الانحياز عبر تقنية الاجتماع عن بعد، يومي الأربعاء والخميس الماضيين، حيث استهل هذا الاجتماع الذي عقد بحضور مسؤولي المغرب والجزائر، بتدخل لوزير الخارجية الجزائري المعين حديثا رمطان لعمامرة والذي لم يجد بدا من مهاجمة المغرب، وتوجيه أصبع الاتهام له فيما يتعلق بملف الصحراء المغربية، مجددا دعم بلده “الكامل وغير المشروط” للجبهة الانفصالية البوليساريو.
لعمامرة الذي استوزر قبل أيام فقط خلفا لصبري بوقادوم، والمعروف بقربه الشديد من النظام الجزائري، وأعضاء البوليساريو. كانت أول مهمة له بعد سويعات من تنصيبه هي حضور هذا الاجتماع الدولي وتوجيه سهامه صوب المغرب خلال المؤتمر، معتبرا أن المغرب “أجرم عندما خرق هدنة وقف النار في الصحراء” على حد تعبيره وأنه بات من الضروري حاليا ” تعيين الأمم المتحدة مبعوثا خاصا لها في النزاع”.
هلال يصوب بنفس الرصاصة
من جانبه، لم يتأخر الجانب المغربي الذي كان حاضرا أشغال المؤتمر، وممثلا في السفير لدى الأمم المتحدة عمر هلال في الرد، ولعل خطابه الشديد اللهجة كان أكثر ” قساوة” على النظام الجزائري.
المسؤول المغربي، عمر هلال لم يتوانى لحظة خلال حضوره القمة، عن رد صاع الانتقادات صاعين للعمامرة، مؤكدا عدم وجود ملف الصحراء ضمن أجندة اللقاء، وبالتالي ضرورة تفاديه والتركيز في المقابل على ما يعانيه العالم من جائحة كورونا والتقلبات الدولية لمرتبطة بهذه الجائحة.
ولم يفوت هلال فرصة في بادئ كلمته التأكيد على مغربية الصحراء، وموقف المملكة الثابت بخصوص وحدتها الترابية، ومقترحها “الرائد” دبلوماسيا فيما يتعلق بالحكم الذاتي على الصحراء، مستحضرا أيضا الاعتراف الأمريكي الأخير، قبل أن يعود للوزير الجزائري المعين حديثا، وينتقد دفاعه عن تقرير مصير الصحراويين، لتكون المفاجأة الصادمة بعدها عندما تساءل المسؤول المغربي عن كيف ينكر لعمامرة ” هذا الحق نفسه لشعب القبائل، أحد أقدم الشعوب في أفريقيا، والذي يعاني من أطول احتلال أجنبي” على حد تعبيره مبرزا أن ” تقرير المصير ليس مبدأً مزاجيا. ولهذا السبب يستحق شعب القبائل الشجاع، أكثر من أي شعب آخر، التمتع الكامل بحق تقرير المصير”.
الخارجية الجزائرية غاضبة جدا
وهذا التحول الذي عرفه الخطاب الدبلوماسي المغربي مع الجزائر، عندما اعتبر وجود السلطة الجزائرية في منطقة القبائل بمثابة “استعمار” للمنطقة، لم يسعد الجزائر من جانبها الذي على ما يبدو “زعزعها” الموقف المستجد للمغرب، لتسارع مباشرة في إدانة ما وصفته بـ”الانحراف الخطير” للبعثة الدبلوماسية المغربية في الأمم المتحدة.
وقال بيان الخارجية الجزائرية “قامت الممثلية الدبلوماسية المغربية بنيويورك (بالأمم المتحدة) بتوزيع وثيقة رسمية على جميع الدول الأعضاء في حركة عدم الانحياز، يكرس محتواها بصفة رسمية انخراط المملكة المغربية في حملة معادية للجزائر”، من خلال “الدعم العام والصريح لحق مزعوم في تقرير المصير لشعب القبايل” والذي، وفقا للمذكرة، “يعاني أطول احتلال أجنبي”.
البيان اعتبر هذه المذكرة “اعترافا بالدعم المغربي متعدد الأوجه المقدم حاليا لمجموعة إرهابية معروفة”، في اشارة لحركة “الماك” القبايلية الانفصالية التي صنفتها الجزائر مؤخرا كحركة إرهابية، مشيرة إلى أن دعم المغرب الحالي لهذه الحركة، لا يختلف عما كان “الحال مع دعم الجماعات الإرهابية التي تسببت في إراقة دماء الجزائريين في العشرية السوداء”.
ووصف بيان الخارجية الجزائرية التصريح الدبلوماسي المغربي بـ “المجازف وغير المسؤول والمناور”، مشددا على أنه “جزء من محاولة قصيرة النظر واختزالية وغير مجدية تهدف إلى خلق خلط مشين بين مسألة إنهاء الاستعمار المعترف بها على هذا النحو من قبل المجتمع الدولي وبين ما هو مجرد مؤامرة تحاك ضد وحدة الأمة الجزائرية”.
واعتبرت الجزائر، التصريح المغربي “يتعارض مباشرة مع المبادئ والاتفاقيات التي تهيكل وتلهم العلاقات الجزائرية المغربية. فضلا عن كونه يتعارض بصفة صارخة مع القانون الدولي والقانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي”.
هذا، وأدانت الجزائر بشدة ما وصفته بـ “الانحراف الخطير، بما في ذلك بالنسبة للمملكة المغربية نفسها داخل حدودها المعترف بها دوليا”.
وختمت الخارجية الجزائرية بيانها بالقول “في ظل هذه الوضعية الناشئة عن عمل دبلوماسي مريب قام به سفير، يحق للجزائر، الجمهورية ذات السيادة وغير القابلة للتجزئة، أن تنتظر توضيحا لموقف المملكة المغربية النهائي بشأن هذا الحادث البالغ الخطورة”.
حزب جزائري يدق طبول الحرب ضد المغرب
وامتد غضب النظام الجزائري من موقف المغرب، لشمل أيضا حزب “حركة البناء الوطني”، الجزائري الذي طالب مساء اليوم السبت رئاسة الجمهورية بـ “إعلان الحرب على المملكة”.
وقال الحزب الجزائري أنه يعبر” عن صدمته الشديدة كغيره من الجزائريين لما تضمنته وثيقة رسمية موزعة من طرف الممثلية الديبلوماسية المغربية بنيويورك على جميع الدول الأعضاء في حركة عدم الانحياز”, مؤكدا بأن “هذا التصريح الخطير يعد بمثابة إعلان حرب على الجزائر دولة وشعبا وننتظر موقفا حازما من مؤسسات الدولة المخولة للرد عن ذلك”.
الحزب شدد أيضا في بيانه على أن الشعب الجزائري “واحد موحد، نسيجه متماسك ومنصهر”، كما أن “أي تلاعب بوحدة هذا الوطن أو بوحدة هذا الشعب أو أي محاولة بائسة لتمزيق نسيجه المجتمعي، يعتبر تعد، بل وإعلان حرب على كل جزائري وجزائرية، فضلا على أنه يفرض ردا سريعا ومكافئا من الدولة ومؤسساتها السيادية”.
ودعا الحزب في هذا الشأن، الجميع إلى “الوقوف الفوري إلى جنب المؤسسات، بعيدا عن أي حسابات سياسية أو اختلافات أو مهاترات”.
رئيس حكومة القبايل لجسر بريس″: اعتراف المغرب بنا تاريخي وفتحنا صفحة جديدة
ويبدو أن ليس الجميع في الجارة الجزائر مستاء من الموقف الجديد للمغرب، بحيث أن حوالي 6 ملايين جزائري ينتمون لشعب القبايل، استقبلوا الموقف الجديد بكثير من “الفرح والسرور والامتنان” على حد تعبير فرحات مهني، مؤسس الحركة من أجل تقرير المصير في منطقة القبائل، ورئيس الحكومة القبائلية.
واعتبر مهنى، بصفته رئيسا للحكومة المؤقتة لجمهورية القبائل وحركة “الماك” لتقرير المصير، في تصريح لـ “مدار21” أن “اعتراف المغرب الشقيق بشعب القبائل، وأحقيته في تقرير مصيره وتصفية الاستعمار هو حدث كبير جدا وتاريخي، وتدويل لقضية شعب لطالما عانى تبعات الظلم والتدليس والقمع مقابل صمت دولي على كل ما يطال هذا الشعب”.
وأضاف المتحدث” لن ننسى وقوف المغرب العظيم إلى جانبنا، في شخص المسؤول المغربي عمر هلال، تماما كما لن ننسى تعاطف الشعب المغربي، وتوجيهات الملك محمد السادس التقدمية والحكيمة، ولابد من القول اننا على درب الحرية والتحرر سائرون”.
وختم مهنى تصريحه، مبرزا أنه باعتراف المغرب أحقية شعب القبايل في الانفصال وتقرير المصير يكون قد وضع اللبنة الأولى للوحدة الشمال افريقية من أجل الخروج من قوقعة الاستعمار المفروض.
أمازيغ المغرب : القبايل يستحقون الحرية ومستقبل العلاقات مع الجزائر ضبابي
وهذا الموقف المستجد للمغرب، والتغير الطارئ على مستوى خطابه الدبلوماسي هو في الحقيقة، يعد سابقة على الصعيد الرسمي، لكن سبق هذا التصريح أيضا مجموعة من الإشارات التي كان قد لوح بها المغرب سلفا عندما استقبل في مناسبات سابقة قياديون ونشطاء من القبائل يطالبون بتقرير مصير هذه المنطقة، كما أن هؤلاء النشطاء يترددون بصفة مستمرة على المملكة في مختلف الأنشطة خاصة تلك المرتبطة بما يتعلق بأمازيغ المغرب، اذ يسجل حضورهم منذ سنوات في عدد من التظاهرات بما فيها الثقافية والفنية بالبلد.
وعلاقة أمازيغ المغرب بأمازيغ الجزائر المعروفين بالقبايل “جد متميزة” على حد تعبير النشطاء الأمازيغ المغاربة ممن تواصل معهم “مدار21″، مؤكدين على أن الموقف المغربي الجديد بخصوص قبايل الجزائر هو في الحقيقة “أمر جد إيجابي في إطار التعاطف المفروض وأحقية القبايل في التحرر، غير أن هذا الخطاب من خلال مبدأ المعاملة بالمثل، من شأنه أيضا أن يزيد حجم التوتر في العلاقات الثنائية واستبعاد أي مصالحة على المدى القريب والمتوسط بين البلدين الجارين اللذين يجمع بينهما أكثر مما يفرق” على حد تعبير محمد رزقي الناشط الأمازيغي في تصريح لـ”مدار21″.
وقال رزقي، أن “وضع أمازيغ الجزائر سيء جدا في وقت يسعى النظام الجزائري إلى تكميم أفواههم، ومنع أحقيتهم في تقرير المصير، وسجن عدد من النشطاء منهم، وعدم الاعتراف بالمكون الامازيغي على عكس الوضع في المغرب، المتقدم بشكل كبير إذا ما قارناه مع الجارة القريبة”.