دخلت اتفاقية الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي مجال المزايدة السياسية في بعض الدول الأوروبية، وهو “طقس دائم” تعودت عليه الرباط كلما اقتربت هذه الاتفاقية من انتهاء مدتها المتفق عليها، والبدء في التفاوض على تجديدها.
هذه الاتفاقية التي تنتهي بتاريخ 17 يوليوز الحالي، والتي تنبني على شراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب في مجال الصيد البحري المستدام، والقائمة منذ أزيد من 30 سنة من خلال سلسلة من الاتفاقات الثنائية والبروتوكولات التنفيذية المبرمة منذ 1988 – هذه الاتفاقية – في حقيقة الأمر على المغرب أن ينهيها اليوم قبل الغد، وينهي معها المزايدات السياسية الأوروبيين فيما يخص الوحدة الترابية للمملكة.
إنهاء هذه الاتفاقية من طرف المغرب، ورفض تجديدها، يعني ضمنيا، إفراغ قرار المحكمة الأوروبية حول الصحراء من مضمونه، بعد أن قامت بتدويل هذه الاتفاقية بين ردهاتها وجعلت منها ورقة “ضغط خشن” اتجاه المغرب، منحت به مساحة كبيرة للانفصاليين بدعم جزائري من أن يجدوا المنافذ السياسية لابتزاز المملكة المغربية في وحدتها الترابية.
عدم تجديد هذه الاتفاقية، يعني تلقائيا إغلاق ملف “الابتزاز الأوروبي” في هذا الملف، لكنه يعني أيضا، إنهاء عمل 128 سفينة صيد تنتمي إلى 10 دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهي: إسبانيا، البرتغال، فرنسا، ألمانيا، ليتوانيا، ليتونيا، هولندا، إيرلندا، بولندا، إيطاليا، وعطالة مئات الصياديين الأوروبيين ممن على دولهم أن تتحمل كلفة عطالتهم وتدبير مصايد جديدة في دول بعيدة عن الاتحاد الأوروبي لعمل سفنهم التي تستفيد اليوم من صيد ما بين 85.000 و100.000 طن في السنة من الأسماك المتواجدة في المياه المغربية على طول المحيط الأطلستي.
اقتصاديا، الاتفاقية مجحفة جدا للمغرب، حيث تحصل الرباط وفق البروتوكول التنفيذي لهذه الاتفاقية، الممتد على أربع سنوات (2019-2023) على تعويض مالي مُقدّر بـ 208 مليون أورو يصرفه الاتحاد الأوروبي مقابل الولوج إلى مناطق الصيد ودعم قطاع الصيد البحري، وكذا المقابل الذي يؤديه مجهزي السفن الأوروبيين. وعليه، فإن الكمية المصطادة غير عادلة بالمرة قياسا بالتعويض المالي الذي يتحصل عليه المغرب.
سياسيا، الرباط لم تعد في حاجة لـ”اعتراف أوروبي مدفوع” من ثرواتها السمكية، يخص مغربية الصحراء، وهو ما كانت تجسده هذه الاتفاقية التي تتضمن إلى حدود انتهائها في الـ 17 يوليوز المقبل، صيد السفن الأوروبية داخل المياه المغربية بما فيها سواحل الصحراء، وهو ما أصبح اليوم، قضية ابتزاز من الأوروبيين يجب أن ينتهي.
إنهاء هذه الاتفاقية يعني أن اتفاقية الصيد ستصبح مشكلة أوروبية، وليست مشكلة مغربية. حينها، يمكن للرباط ابرام العديد من الاتفاقيات الثنائية مع دول تحترم السيادة المغربية على الصحراء، أو لها مواقف اقتصادية بحثة، بدون خليفات سياسية، ما يجعل تعويض الاتفاق مع الأوروبيين متاح اقتصاديا، وغير منهك سياسيا، بعيدا عن أي ابزاز ومزايدة.
اليوم، لم يعد صالحا أن تبقى أوروبا رهينة العقليات الكولونيالية، تدافع عن وحدة أوكرانيا بكل أموالها وأسلحتها، وترفض استقلال كاتالونيا وإقليم الباسك ضمانا لوحدة إسبانيا، وتخنق 55 حركة انفصال داخل الحدود الأوروبية من أجل تماسك دولها وحدتها كقارة، وفي الآن نفسه تلعب بأوراق الانفصال وفق مصالحها الجيواستراتيجية في دول العالم، بما فيهم قضية الصحراء.
لهذا، فلننهي الاتفاقية، ولننهي معها لعب دور “الأستاذ والتلميذ”، ونغلق بذلك هذا الهوس الأوروبي المجرور بجنون جزائري حول تقسيم المغرب، وتفتيت وحدته الترابية.
وفي سياق متصل، قالت كريمة غانم، رئيسة المركز الدولي للدبلوماسية، إن “التجديد المحتمل لاتفاقية الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي، يأتي هذه المرة في سياق جيو-سياسي جديد يشمل جل التغييرات التي طرأت في السنوات الأخيرة على العلاقات الثنائية بين المغرب ومجموعة من البلدان الأوروبية، منها فرنسا وإسبانيا وألمانيا”.
وأشارت غانم، في تصريح صحفي، إلى أن هذه التحولات لمست أيضا العلاقات متعددة الأطراف مع الاتحاد الأوروبي، في ظل الضغوط التي مارسها خصوم الوحدة الترابية على الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي بشأن قضية الوحدة الترابية وقضايا أخرى.
واعتبرت رئيسة المركز الدولي للدبلوماسية أن “رئاسة إسبانيا للاتحاد الأوروبي ستكون نسبيا في صالح المغرب لاعتبارات عدة، منها موقف إسبانيا من مبادرة الحكم الذاتي والشراكة السياسية والاقتصادية جد المتقدمة مع المغرب، وأيضا هاجس الهجرة والأمن الغذائي الذي سيدفع إسبانيا لاستعمال كل الأوراق للضغط على باقي الدول.
كما أن إسبانيا ستحاول، حسب غانم، تقريب وجهات النظر من أجل تجديد اتفاقية الصيد البحري، التي ستنتهي صلاحيتها في 17 يوليوز الجاري، لكون مدريد هي الخاسر الأكبر إذا لم يتم تجديد هاته الاتفاقية. ولهذا، تعد الأخيرة من أكبر التحديات المطروحة على رئاسة إسبانيا للاتحاد، خصوصا في ظل ضغوط الصيادين الإسبان التي سترتفع في حالة عدم التجديد.
وأضافت غانم أن إسبانيا ستواجه بدورها ضغوط من باقي الدول الأوروبية، مما سيعيد قرار المحكمة الأوروبية بشأن الموضوع إلى الساحة، فضلاً عن كون إسبانيا رئيسة للاتحاد الأوروبي يجعلها مطالبة بدراسة التداعيات السلبية على قطاع الصيد البحري للبلدان المعنية في حالة عدم تجديد الاتفاق.
وشددت المتحدثة ذاتها على أن المغرب أكد في مناسبات كثيرة أنه لا يتفاوض على صحرائه، وسيشترط لتوقيع أي اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي أن تشمل الأقاليم الجنوبية التي يعتبرها جزءا لا يتجزأ من أراضيه وسواحله.
وخلصت رئيسة المركز الدولي للدبلوماسية إلى أن “هناك احتمالا كبيرا لعدم تجديد الاتفاقية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، إلا في حال الاتفاق حول صيغة تشمل المطلب المغربي الشرعي بإدراج الأقاليم الجنوبية. وإذا تم ذلك، فالمغرب سيضمن تحصين هاته الاتفاقية ضد كل المحاولات الرامية لضرب قانونيتها وشرعيتها وربطها بالنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية”.
وتشير وسائل إعلام إسبانية إلى “وجود استعدادات للحكومة في حالة عدم تجديد الاتفاقية مع المملكة المغربية، سواء عبر دعم المتضررين ماديا، أو السعي في المقابل إلى إقناع الشركاء الأوروبيين بالدفع بتجديد الاتفاقية”.
في المقابل، تبقى إسبانيا، حسب إجماع الصحف بها وآراء مراقبين، أكبر المتضررين في حالة عدم تجديد اتفاقية الصيد البحري بين بروكسيل والرباط، إذ تعد أكبر المستفيدين من الصيد بالأقاليم الجنوبية للمملكة، وذلك بنسبة 90 في المائة من مجموع السفن الأوروبية المستفيدة من الاتفاقية.