جسر بريس من الرباط
تعتبر نفسها طرفا « غير معني » بالنزاع، وتدعي بأنها تهتم بالمبادئ الأساسية التي ينبغي أن تحكم العالم ولا تحركها إلا الاعتبارات الإنسانية. إنها الجزائر كما تحب أن تظهر نفسها للعالم. لكن، وهذا أمر محزن للغاية، هذه الجزائر نفسها سرعان ما تكشف عن وجهها الحقيقي، وجه ميليشيا تسيطر على بلد يستحق بصراحة الأفضل. إن بيان-رد فعل وزارة الخارجية الجزائرية على اعتراف إسرائيل بسيادة المغرب على الصحراء الغربية هو نموذج في هذا المجال، حيث لا نجد فيه إلا الكراهية من حيث الجوهر والتناقضات من حيث الشكل. فضلا عن الأسلوب الذي لا يليق البتة ببيان رسمي صادر عن وزارة خارجية تحترم نفسها، بل يشبه منشورا صادرا عن عصابات ريفية غامضة.
كالعادة، لم يَخْل كلام رئيس الجزائر عبد المجيد تبون خلال لقاء دوري عقده مع ممثلي وسائل الإعلام وبُث على القنوات التلفزيونية الرسمية الجزائرية، مساء أمس السبت، من حديثه عن ملف الصحراء المغربية، وآخر تطورات الملف الذي يحشد يوما بعد آخر اعترافات متتالية ودعما متناميا في اتجاه طي صفحة هذا النزاع المفتعل.
وإلى جانب تطرقه إلى العديد من الملفات والقضايا في الشأن الداخلي والإقليمي والدولي، قال الرئيس الجزائري في أول تعليق له على قرار إسرائيل الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه بنبرة استفهام: “هُم (أي الإسرائيليون) يحتلون الأراضي الفلسطينية، فهل سيعترف لهم (المغرب) باحتلال الأراضي الفلسطينية؟”.
وجدد تبون التذكير بـ”لازمَته” المتكررة قائلا إن “قضية الصحراء المغربية يجب أن تُحل على المستوى الدولي وفي مجلس الأمن”، واصفا موقف الاعتراف الإسرائيلي التاريخي بالصحراء المغربية بعد رسالة من نتانياهو إلى الملك محمد السادس، بأنه “كلام فارغ”، مضيفا أن “فاقد الشيء لا يعطيه”.
“رد مرتبك ومُلقن”
وليد كبير، إعلامي جزائري معارض، قال إن “رد عبد المجيد تبون في حواره مع صحافة النظام الجزائري على السؤال الذي طرحه أحد الصحافيين بخصوص الاعتراف الإسرائيلي بسيادة المغرب على صحرائه، كان أولا وقبل كل شيء ردا مرتبِكا”، مبرزا أن “نظرة فاحصة من المشاهد إلى لغة الجسد وكيفية استخدامها، تجعله يكتشف كيف أن تقاسيم وجه تبون قد فضَحَتْه، رغم قوله [لا حَدَث] التي ليست سوى تكرار لكلام جاء في بيان وزارة الخارجية الجزائرية”.
وأضاف كبير، في تصريح صحفي، أن “الأمر الثاني الذي يغالط من خلاله الرئيس الجزائري الرأي العام في خرجته الإعلامية المُوَضبَة التي خضعت لمونتاج، هو رَبْطُه اللامنطقي بين الاعتراف الإسرائيلي بسيادة المغرب على الصحراء واعتراف مغربي غير موجود أصلا بسيادة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية”، واصفا هذا التصريح بأنه “في الواقع كلام لا أساس له وغير منطقي بتاتا، بل فارغ من أي معنى”.
وزاد الإعلامي الجزائري المقيم بالمغرب بأن “تعليق تبون جاء قصيرا ومجتزأ بوضوح، لم يكن ردا اعتباطيا بل كان مُلقـنا له، وتم توضيب الجزء المتعلق بالاعتراف الإسرائيلي بالسيادة على الصحراء المغربية”، لافتا إلى أن “الخطير أنه قال شيئا غير موجود في حوار إعلامي رسمي، والحقيقة أنه لم تكن هناك تنازلات من الرباط مقابل اعتراف تل أبيب بمغربية الصحراء؛ فالمغرب لم يقُم بشَرْعنة الاحتلال الإسرائيلي لأراضي 1967 واحتلال الجولان…”.
“لغة استفزاز وصدام”
“تبون أراد من خلال كلامه استفزاز المغرب، مستنجدا بالعودة إلى افتعال لغة الصدام والصراع المعهودة في خطاباته عبر تكراره مثل الببغاء ما ورد في بلاغ وزير خارجية بلاده بعد اعتراف إسرائيلي صَدَم فعليا نظام العساكر الجزائري وجميع مكوناته”، يشدد المصرح لهسبريس، مذكرا بـ”تأثير وازن لهذا الاعتراف بالصحراء المغربية؛ لأن إسرائيل قوة إقليمية في الشرق الأوسط لها دول حليفة في شرق إفريقيا، وسيكون لذلك تأثير في أوروبا (فرنسا وبريطانيا…) وهو اعتراف إسرائيلي لا يقل عن اعتراف أمريكا في عام 2020”.
وخلص كبير إلى أن “صدمة نظام الجزائر بالاعتراف الإسرائيلي الأخير مردها إلى الخوف والفزع من جَمْع المغرب لنصاب الدول الكافية لتغيير القانون الأساسي للاتحاد الإفريقي لطرد كيان الوهم الانفصالي، مما يعد مكسبا وانتصارا كاسحا للدبلوماسية المغربية يصيب نظام العسكر في مقتل”.
“افتراء وهروب إلى الأمام”
من جهته، أكد محمد نشطاوي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن “المقارنة التي أقامها الرئيس الجزائري بين الاعتراف الإسرائيلي بالصحراء المغربية والحديث عن إمكانية تساؤل استنكاري لاعتراف المغرب بما ضمته إسرائيل من أراض فلسطينية، هو محض افتراء وكلام مغلوط”.
“المغرب، حتى بعد التطبيع مع تل أبيب، ما فتئ يؤكد أنه لا سلام مع إسرائيل بدون حل القضية الفلسطينية، وأن الأخيرة كانت وما زالت وستبقى هي القضية المحورية إلى جانب قضية الوحدة الترابية للمملكة في توجيه عمل الدبلوماسية المغربية”، يورد نشطاوي في حديث صحفي، مؤكدا أن “المغرب مقتنع بالسلام على أساس احترام حل الدولتين والقدس الشرقية عاصمة للفلسطينيين، وهو ما أكده الملك محمد السادس في أكثر من رسالة وخطاب”.
“محاولة تبخيس” فاشلة
الخبير في العلاقات الدولية لم يتوان في وصف حديث تبون بـ”الهروب إلى الأمام ومحاولة تبخيس الاعتراف الإسرائيلي الوازن من حيث الأثر الجيو-سياسي المرتقب له”، مؤكدا أن “رسالة نتانياهو التي حملت الموقف الرسمي الإسرائيلي الحاسم قوت من مصداقية الطرح المغربي ووجاهة قضية الصحراء لدى المنتظم الدولي، وهو ما بدأ يتجدد مرسخا دينامية تمثيليات دبلوماسية أجنبية في العيون والداخلة تتجاوز 30 قنصلية”.
واستحضر نشطاوي، في معرض تصريحه، “سيرورة الدينامية السياسية والاقتصادية والتنمية الشاملة التي تعرفها أقاليمنا الجنوبية”، مذكرا بأن “الاستثمارات لعدد من رؤوس الأموال والشركات العالمية ومتعددة الجنسيات بدأت تتقاطر على الصحراء بعد موجة الاعترافات الأخيرة أوروبيا وعالميا، لا سيما في مجال الطاقات المتجددة والهيدروجين”.
“ما لم يخطُر على بال الرئيس الجزائري وهو يصف الأمر بأنه لا حدث، هو أن اعتراف إسرائيل بمغربية الصحراء هو فقط ضمن سلسلة اعترافات أخرى ستجهز على الوهم الانفصالي”، يورد الخبير في العلاقات الدولية، لافتا إلى أن “كلام الرئيس تبون سوف لن يؤثر في دينامية حشد الاعترافات ومضي مسار التنمية منذ الاعتراف الأممي بواقعية ومصداقية مبادرة الحكم الذاتي عام 2007”.
لكن ماذا نقرأ فيه أيضا؟ أن « هذا الفعل الصادر عن سلطة احتلال لها سجل أسود في خرق القوانين الدولية وقرار الشرعية الدولية يعتبر حلقة جديدة في سلسلة المناورات وسياسة الهروب إلى الأمام التي ينتهجها الاحتلال المغربي ». ولكن ماذا ايضا؟ أن هذا الفعل « يعد خرقا فاضحا للقانون الدولي ولقرارات مجلس الأمن ولوائح الجمعية العامة للأمم المتحدة بخصوص قضية الصحراء الغربية ». هذا كل شيء؟ كلا. إنه يؤكد « بما لا يدع مجالاً للشك » على « تناسق سياسات المحتلين وتواطئهما المشترك في خرق القوانين الدولية والدوس على الحق المشروع للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وللشعب الصحراوي في تقرير مصيره کاملا غير مبتور ».
إذا كانت تترنح الجزائر بهذا الشكل، لدرجة أنها فقدت أعصابها وارتبكت ودبجت بيانا صحفيا خليق بعصابة من الجاهلين، فكل ذلك فقط باسم القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن. حسنا، لكن ماذا يمكننا أن نقول عندما نعلم أن نظام الجزائر هو أول من يحتقر، علنا، القرارات الأممية؟ أليست الجزائر هي نفسها التي نشرت بيانات صحفية نارية تهاجم فيها القرارين الأخيرين لمجلس الأمن بشأن الصحراء الغربية؟
نتذكر أنه في البيان الذي نشر يوم 31 أكتوبر 2021، رفضت الجزائر علانية قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2602 بشأن الصحراء، بدعوى أنه « غير متوازن » و « متحيز ». نتذكر أيضا أنه في 29 أكتوبر 2022، رفضت وزارة الخارجية الجزائرية القرار 2654 الصادر عن مجلس الأمن الدولي.
وفضلا عن ذلك، فإن هذا النظام نفسه الذي يتحدث هذا الخميس عن قرارات مجلس الأمن يرفض المشاركة في مسلسل الموائد المستديرة التي يدعوها إليها مجلس الأمن، أي الشرعية الدولية التي تطالب بها الجزائر. وهذه من تناقضات السلطة الجزائرية.
النظام الجزائري له ميزة أخرى: إنه يصر…على ترديد الحماقات. فقد قال إن « الصفقة المفضوحة » بين المغرب وإسرائيل « لا يمكنها بأي الأحوال إضفاء الشرعية على احتلال الأراضي الصحراوية ولا المساس بحق الشعب الصحراوي غير القابل للتصرف ولا السقوط بالتقادم، في تقرير مصيره طبقا لقرارات مجلس الأمن ولوائح الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي »، بحسب ما كتبته « الديبلوماسية » الجزائرية في منشورها الثوري هذا الخميس.
ولابد من الإشارة في هذا الصدد إلى هذا الهوس الجزائري المرضي من خلال الخلط الممنهج بين قضية الصحراء الغربية والقضية الفلسطينية. وهي أسطوانة قديمة، لأنه إذا كان الراية التي تُستخدم كـ« علم » للجمهورية الصحراوية الوهمية يشبه بشكل غريب علم فلسطين، فهو أن هواري بومدين، الرئيس الجزائري السابق وصانع البوليساريو، أراد ذلك عمدا حتى يتم هذا الخلط ويحدث هذه البلبلة. مع إضافة الهلال والنجمة اللتان تذكران بعلم جارتنا العزيزة. ومازال نظام العسكر الجزائري يحافظ على هذا التقليد حتى يومنا هذا.
لكن هذه اللعبة لا يمكنها أن تنطلي على أحد. من ناحية أخرى، لأن الغالبية العظمى من الدول العربية التي يريد النظام الجزائري بيع دعايته لها تدعم بقوة الوحدة الترابية للمملكة وسيادتها على الصحراء. يواصل الثنائي تبون-شنقريحة في تلقي الصفعات من دول الخليج وجامعة الدول العربية. ومن ناحية أخرى، لأنه عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية، فإن المغرب في طليعة المدافعين عن هذه القضية العادلة. دون أن يجعل منها قضية للمزايدة ولا للمقايضة، ولا مجرد حجة جيدة بما يكفي لتجييش الجماهير. كما لا يكتفي المغرب بالكلمات الفارغة، ولكن من خلال الفعل والدعم من أجل المساهمة في حل النزاع.
إن البيان الصحفي الصادر عن وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية ينم عن الغضب العاجز لشخص يغرق. على الرغم من كل المناورات والأعمال العدائية التي قام بها النظام الجزائري، إلا أنه لم ينجح في إبطاء هزيمته في مواجهة الاختراقات التاريخية للمملكة المغربية في فضية الصحراء.
أما بالنسبة لقرارات مجلس الأمن التي يطالب بها النظام الجزائري الفاقد للذاكرة، فموعدنا في شهر أكتوبر المقبل، عندما يتم التصويت على القرار الخاص بالصحراء الغربية في الأمم المتحدة، لمعرفة ما إذا كانت الجزائر، هذه المرة، ستتذكر بيانها الصادر في 20 يوليوز وتحترم، بالتالي، الشرعية الدولية.