رئيس التحرير والاعداد
منذ أن استقلت الجزائر عن فرنسا باستفتاء شعبي، وافق الرئيس الفرنسي السابق، شارل ديغول على إجرائه سنة 1962 وفقا لاتفاقية “إيفيان”، وما تلاه من انقلاب على أحمد بن بلة كأول رئيس مدني، من طرف محمد إبراهيم بوخروبة الملقب بـ”هواري بومدين”، والبلاد تسير بطريقة “ايديولوجية عقيمة”، جعلتها تخسر كل معاركها السياسية والاقتصادية والعسكرية، مع ضياع سنوات طويلة من التنمية في خيارات “انفعالية” مُدمرة للمستقبل.
بَنَت الجزائر كل مستقبلها على العداء المملكة. ميزانيتها السنوية تُفصّل والمغرب مَوجود في كل القطاعات. من مزيانية الجيش إلى ميزانية الخارجية إلى ميزانية الاستخبارات ثم ميزانية “الصناديق السوداء” التي تصرف على جبهة البوليساريو الانفصالية، وميزانيات أخرى تصرف فقط من أجل منافسة المغرب في مجالات كثيرة أو محاولة عرقلته كما أكد ذلك الوزير الأول الجزائري السابق، عبد المالك سلال، أثناء محاكمته سنة 2020 حينما اعترف أن الهدف من الاستثمارات التي جرى إطلاقها سنة 2014 في مجال صناعة السيارات، والتي كلفت خزينة الدولة 34 مليار دينار جزائري قبل أن تنتهي بالفشل، كان الهدف منها تدمير صناعة السيارات في المغرب!
وخلال خمسين الماضية، رفعت الجزائر من عدائها للمغرب، وخاضت ضده العديد من المعارك الخاسرة، أو عملت على الدخول في العديد “المعارك الوهمية” لإزعاجه أو إضعافه بوهم مفرط تبين في الأخير أن النظام العسكري الحاكم خارج سياق تطور بنية السياسة الدولية.
حديث أعلى سلطة في البلاد (ولو نظريا) عن الانضمام إلى مجموعة بريكس، وطوافه على العديد من الدول للحصول على تصويتها من أجل الانضمام لهذه المجموعة الاقتصادية، وتصريحات الرئيس عبد العزيز تبون في العديد من اللقاءات التلفزيونية وخلال زياته المتعدد إلى الخارج حول أن الجزائر “قوة اقتصادية” ضرورة لدول البركيس، كلها بيّنت إلى أي حد يعيش النظام العسكري الحاكم في الجزائر في “وهم مفرط” بعد أن رفضت المجموعة طلب الجزائر وقبلت ست دول أخرى من بينها مصر وإثيوبيا إفريقيا، بالرغم من ضخ الجزائر بـ”فلسفة الرشوة” مليار ونصف المليار دولار في بنك بريكس لعل هذا المبلغ يشفع لها في القبول دون جدوى.
أكثر من ذلك، صرّح وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف الذي تعد بلادها حليفا استراتيجيا للجزائر أن “الاعتبارات الأهم لقبول عضوية دولة من الدول المرشحة، كانت هيبتها ووزنها (السياسي)، وبطبيعة الحال موقفها على الساحة الدولية”. والأكيد أن المجموعة التي تضم روسيا وجنوب إفريقيا والصين والبرازيل والهند لم تجد في الجزائر “القوة الضاربة” من أجل قبولها في هذا التحالف الاقتصادي على خلاف من يصرح به شنقريحة وتبون كل يوم للقنوات المحلية ويوهم الجزائريين بذلك.
وإن كانت الجزائر قد خسرت بكثير من الخيبة الانضمام إلى بريكس، فقد خسرت، أيضا، السباق لتنظيم كأس إفريقيا للأمم لسنة 2025 أمام المغرب، بالرغم من توظيفها لكل مواردها المالية والسياسية من أجل الفوز بهذا البطولة القارية التي كانت تطمح من خلالها لإبراز تفوقها على المغرب، وليس الهدف هو تنظيم تظاهرة وفق رؤية استراتيجية لتطوير بنياتها التحتية وإشعاع البلاد والاستئناس بتنظيم تظاهرات دولية للمستقبل.
في نفس السياق، خسرت الجزائر معركة دخول رئيس اتحادها لكرة القدم جهيد زفيزف، لعضوية المكتب التنفيذي للكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، بعد أن كان الهدف من هذا الترشيح هو تغيير قوانين “الكاف” لقبلول جبهة البوليساريو الانفصالية ضمن الاتحاد القاري للعبة، ولم يكن الهدف هو المساهمة في تطوير كرة القدم الإفريقية أو البحث عن تأهيل الكرة الجزائرية والدفاع عن مصالحها الوطنية.
وإن أضيفت لهذه المعارك، معركتها الخاسرة مع إسبانيا التي خاضتها للتأثير على مدريد في قضية الصحراء، وقبلها، معركة تحويل معبر الكركرات إلى نقطة ازعاج للمملكة، وقبل ذلك، معركة الرمال لسنة 1963 التي تحولت إلى عقد أبدية، وتراكم المعارك الخاسرة طوال الخمسين سنة الأخيرة، حينها يمكن أن يطرح السؤال: أليس هناك من عاقل في الجزائر يقول لنظام العسكر كفى؟!
تجرعت الجزائر وصنيعتها (البوليساريو) الحنظل في حربها الخاسرة ضد المغرب منذ ما يقارب نصف قرن، إلى أن جاء القرار الأمريكي القاضي بالاعتراف بمغربية الصحراء الكاملة والتامة ليقضي على ما تبقى من آمالهما الواهية.
فلم يستسغ الناقمان (الجزائر والبوليساريو) الانتصارات الدبلوماسية المتواترة خلال هذه السنة الفارقة في تاريخ المغرب، ومعركته الضروس لتكريس الاعتراف الدولي بسيادته وجر البساط على المناوئين القلائل لوحدته الترابية.
ولكسب معركته الدبلوماسية المربوحة سلفا، تبنى المغرب نهجا حصيفا تمثل في تمتين الأواصر بين الصحراء والساكنة المحلية عبر استثمارات ضخمة همت بنيات القرب التحتية، والعمل على وصل أمثل لأقاليم جنوب وشمال المملكة، من خلال أوراش كبرى من قبيل الطريق السريع تيزنيت-الداخلة، مع العمل بتؤدة على الصعيد الدولي لحشد مزيد من الدعم لمغربية الصحراء ولمقترح الحكم الذاتي.
ابتدأ مسلسل الرعب الذي عاشته الجزائر ولقيطتها بافتتاح قرابة 30 قنصلية في الأقاليم الجنوبية بالمملكة يعكس الدينامية الدبلوماسية التي يعيشها المغرب، قاريا ودوليا، مما شكل منعطفا رئيسا في طريقة تعبير العديد من الدول الشقيقة والصديقة عن دعمها لسيادة المملكة على صحرائها.
فالمغرب، كما أوضح وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، ” لم يعد يكتفي بالعبارات الدبلوماسية من قبيل + ندعم الحل العادل…+”.
فالدول التي ستعرب عن تضامنها مع المملكة يتعين عليها أن تبرهن عن ذلك بالفعل وميدانيا، من خلال التسليم بأن الحكم الذاتي لن يمارس إلا تحت السيادة المغربية، إسوة بالولايات المتحدة الأمريكية.
واستطرد بوريطة في شرح الباراديغم الجديد للمغرب. “لا نبدي ارتياحا إن سحبت دولة اعترافها بالبوليساريو، لأن الأمر يتعلق بعدم (…)! الأهم هو الإقرار بمغربية الصحراء”.
هذا المسلسل الدبلوماسي الناجح، أغاظ الانفصالييين والجزائر، فحاولوا تقويضه والتأثير عليه من خلال سلسلة من الاستفزازات، من قبيل تحركات أذنابهم وأزلامهم بالعيون، والإنزال البئيس للدبلوماسية الجزائرية بنيويوروك لمنع اعتماد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لقرار لصالح المغرب، وعبر انسلال رهط من ميليشيات (البوليساريو) إلى المنطقة العازلة الكركرات لعرقلة انسياب تنقل البضائع والأشخاص بين المغرب وموريتانيا.
وبعد ما فسح المجال للدبلوماسية والمساعي الحميدة للأمم المتحدة، لم يكن للمغرب الذي كان في وضعية دفاع مشروع عن النفس، أي خيار سوى تحمل مسؤولياته أمام الأفعال العدوانية الماسة بسيادته.
وقادت القوات المسلحة الملكية المرابطة في تلك الثغور يوم 13 من نونبر، عملية مهنية رصينة مكنت من تحييد الميليشيات وإعادة الحركة الطرقية لهذا المعبر الاستراتيجي.
فباستنثناء الجزائر ونزر من الدول يكاد يعد على رؤوس الأصابع ممن لا زالت تؤمن بهرطقاتها وتدور في فلكها، لاقت مغامرة قطاع الطرق والخارجين عن القانون ممن جيئ بهم من مخيمات لحمادة استنكار وشجب المنتظم الدولي الذي ثمن عاليا في المقابل حكمة المغرب وتبصره ودعم تدخله المشروع.
وبما أن المصائب لا تأتي فرادى، تبنت الولايات المتحدة الأمريكية قرارا تاريخيا من خلال الإقرار، عبر مرسوم رئاسي، بالسيادة التامة والكاملة للمغرب على صحرائه وتبني مقترح الحكم الذاتي حلا أوحد للنزاع المفتعل حول مغربية الصحراء.
ولتكريس موقفها غير المسبوق، أرفقت الولايات المتحدة الأمريكية قرارها بأفعال جلية، هي اعتماد خريطة جديدة للمغرب تضم صحرائه وإزاحة الخط الوهمي بين شماله وجنوبه، وإخطار منظمة الأمم المتحدة بقرارها النهائي، وما تلاه من إعلان عن افتتاح مرتقب لقنصلية عامة بالداخلة.
هذا القرار الأمريكي الصادر عن قوة عظمى ودولة دائمة العضوية بمجلس الأمن، وما أعقبه من ردود أفعال دولية مرحبة واندحار الانفصاليين عسكريا، يدني المغرب من حسم معركة عادلة بصفة نهائية.