تمكّن المغرب من الظفر بـ ” وضع شريك الحوار القطاعي”، رسميا لدى رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، خلال اجتماعهم أول أمس الإثنين بجاكارتا، ما سيمكّنه من استكشاف فرص جديدة لتوطيد الشراكة التجارية والاستثمارية بين المملكة والدول الأعضاء، تكريسا لسياسية الانفتاح الاقتصادي التي دشّنتها المملكة في السنوات الأخيرة.
وحاول المغرب في السنوات القليلة الأخيرة، الإنقلاب على عقيدته الاقتصادية من الارتباط الكلي بالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، إلى شجاعة الانفتاح وإرادة تنويع الشراكات التجارية من خلال التوجه نحو القوى الاقتصادية الصاعدة على غرار روسيا والصين ما يفسّر من جهة ثانية مساعيه للظفر بشراكة رابطة دول جنوب شرق آسيا “آسيان”، ليصبح بذلك الدولة الأفريقية الأولى التي تحصل على ذلك الوضع، ما سيمكنها ذلك من تطوير صناعاتها وكسب أسواق جديدة لمنتجاتها، إضافة إلى تبادل الخبرات والاستفادة من تجارب “النمور الآسيوية” في العديد من المجالات والقطاعات بما فيها التكنولوجية التي يسعى المغرب تطويرها.
وهذه المساعي المشروعة للمغرب، توّجت باتفاق وزراء الشؤون الخارجية ببلدان رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، وبشكل رسمي، خلال اجتماعهم يوم 4 شتنبر الجاري بجاكارتا، منح المملكة المغربية “وضع شريك الحوار القطاعي” لدى هذا التجمع، وفق ما جاء في بلاغ لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج حمل بشرى الإيذان للمغرب بأن يكون أول بلد في شمال إفريقيا يحظى بهذا الوضع، ليعزز موقعه كمحاور مفضل لهذا التجمع الجيوسياسي والاقتصادي ذي الأهمية الكبير.
وأضاف البلاغ أن تأكيد وضع” شريك الحوار القطاعي” للمغرب يكرس رؤية الملك محمد السادس، القائمة على تنويع الشراكات وانفتاح المملكة على فضاءات جيوسياسية جديدة، مضيفا أن هذا القرار يشكل أيضا اعترافا من هذا التجمع بدور المغرب، تحت الملك، كقطب للاستقرار في إفريقيا والعالم العربي، وهو يعكس كذلك دينامية الشراكات بين المغرب وبلدان جنوب شرق آسيا ، مشيرا إلى أنه تم الإعلان عن الاتفاق المبدئي لمنح ” وضع شريك الحوار القطاعي” للمغرب خلال الاجتماع الـ 56 لوزراء الشؤون الخارجية ببلدان الآسيان والمنعقد يومي 11 و12 يوليوز 2023 بجاكارتا.
ولم يأت هذا القرار بشكل مفاجئ، بل هو ثمرة رغبة ملحّة عبّر عنها المغرب منذ فبراير 2018، عندما اقترح خطة عمل تعاونية تستهدف مجالات التعاون ذات الاهتمام المشترك التي من شأنها أن تسهم في رؤية آسيان، بحلول 2025، وقد تم تحيين هذه الخطة أيضا في فبراير 2023، مع أخذ التطورات التي حدثت منذ ذلك الحين في الاعتبار، لا سيما التداعيات المرتبطة بوباء كوفيد-19.
وتُعد هذه الشراكة التي قادت تفاصلها الخارجية المغربية، فرصة لتعاون جوهري قائم على مقاربة رابح-رابح”، سيّما وأن المملكة أعربت عن استعدادها لتبادل خبراتها وتجاربها مع الدول الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا في المجالات التي تحظى فيها المملكة باعتراف دولي من قبيل الفلاحة والأمن الغذائي والصيد البحري ومكافحة التلوث البحري والتجارة وإنعاش الاستثمار والسياحة والتعليم.
وبهذا الخصوص، يرى الخبير الاقتصادي ورئيس مركز المستقبل للتحليلات الاستراتيجية، إدريس الفينة، أن قرار وزراء الخارجية ببلدان رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، القاضي بمنح المغرب “وضع شريك الحوار القطاعي” لدى هذا التجمع، هو نتيجة عمل كبير وكثيف قامت به المملكة المغربية في السنوات الأخيرة.
وأوضح الفينة، في تصريح صحفي، أن المغرب في السنوات الأخيرة، فطن إلى ضرورة العمل على تكثيف علاقاته الثنائية مع المجموعات الاقتصادية المتعددة، بعد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا، شركائه التقليديين، مشيرا إلى أن المغرب توجه وانفتح في هذا الإطار على آسيا، “باعتبارها الجهة الصاعدة اقتصاديا”.
وفي هذا الصدد، شدّد الخبير الاقتصادي، على أن “وضع الشريك الحوار القطاعي، هو مكسب جديد وسيتطور مع المدة ليتحول مستقبلا المغرب إلى فاعل على مستوى رابطة جنوب شرق آسيا” مشيرا في الآن ذاته، إلى أن طموح الرباط لن يتوقف عند وضع شريك الحوار القطاعي، سيما وأن “هذه الرابطة تضم دولا قوية اقتصاديا، ويسع المغرب الاستفادة منها من حيث نقل التكنولوجيا وجلب الاستثمارات الخارجية المباشرة والاستفادة من السلع ذات التكنولوجيا العالية والمنخفضة الثمن”.
ويعقد وزراء الخارجية دول رابطة جنوب شرق آسيا “آسيان”، قمة في جاكرتا عاصمة إندونيسيا التي ترأس المجموعة حاليا، لبحث مدونة سلوك لبحر الصين الجنوبي ومناقشة الوضع في بورما واقتصاد المنطقة والجريمة العابرة للحدود وقضايا أخرى، وعملت “آسيان” لسنوات بمبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأعضاء والتوصل إلى اتفاقيات مبنية على التوافق لكن عرقل الالتزام بهذا المبدأ قدرتها على المساعدة في حل عدد من المشاكل الإقليمية.
ويكافح أعضاء رابطة “آسيان” المؤلفة من عشر دول والتي يُنظر إليها دائما باعتبارها تجمعا غير فاعل، لتوحيد موقفهم حيال أزمة بورما منذ أن أطاح انقلاب عام 2021 بالحكومة المنتخبة ديمقراطيا في الدولة العضو في التكتل، وبعد إجراء سلسلة اجتماعات ثنائية مع القوى العالمية الأربعاء، يتبع ذلك الخميس انعقاد قمة دول شرق آسيا التي تضم 18 دولة ويغيب عنها هذه المرة الرؤساء الأمريكي جو بايدن والصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين.