في الوقت الذي أعلنت فيه وزيرة الخارجية الفرنسية، كاثرين كولونا في إحدى القنوات الإخبارية الفرنسية، عن برمجة زيارة للرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون إلى المغرب، بدعوة من صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أكد مصدر حكومي رسمي مغربي، أن زيارة ماكرون، للمغرب “ليست مُدرجة في جدول الأعمال ولا مُبرمجة”.
وعبر المصدر الحكومي الرسمي ذاته، عن استغرابه لكون السيدة كولونا اتخذت “هذه المبادرة أحادية الجانب ومنحت لنفسها حرية إصدار إعلان غير مُتشاور بشأنه بخصوص استحقاق ثنائي هام”
في هذا السياق، قال أستاذ العلاقات الدولية لحسن بوشمامة، إن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون غير مدرجة و ليست مبرمجة، لسبب بسيط مكشوف و معروف، و هو عدم وجود أي تغيير في الموقف الرسمي لفرنسا بخصوص وحدتنا الترابية.
وأوضح بوشمامة في تصريح صحفي، أن ماكرون لم يتجاوب مع المتغيرات الحاصلة في مواقف عدة دول، منها الحليفة للمغرب، ومنها التي سعت إلى تقوية علاقاتها مع المملكة، مستحضرا الموقف الأمريكي الذي أقر بمغربية الصحراء، و بعده الموقف الإسباني الذي اعترف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، و كذا ألمانيا التي ربطت حل النزاع المفتعل باعتماد الحكم الذاتي، ناهيك عن دول أوروبية أخرى سارت على هذا النهج.
واستغرب الخبير في العلاقات الدولية، من تشبث فرنسا التي طالما اعتُبرت حليفة وصديقة للمغرب بالغموض والضبابية في القضية الأولى للمغاربة وهي العارفة بتفاصيله و حيثياته، مشيرا إلى أن النخبة السياسية التي ينتمي إليها ماكرون، اختارت ترضية النظام الجزائري على حساب الحقائق و الوقائع، و هي بذلك تعتقد أن من خلال ممارسة النفاق السياسي، تستطيع الضغط على المغرب من أجل إضعافه في مرحلة تعزيز قدراته ليصبح دولة صاعدة، و لكي تعرقل تحصينه لسيادته في اختياراته السياسية والاقتصادية، وتعامله بالندية في علاقاته الخارجية.
وبحسب المتحدث ذاته، فإن فرنسا لا تريد أن تفهم بأن مغرب الأمس ليس هو مغرب اليوم، و لذلك لاحظنا كيف لم يستسغ الرئيس الفرنسي و الإعلام الذي يدور في فلكه عدم حاجة المملكة للمساعدات الفرنسية، مثلما نستغرب نحن لماذا يصر ماكرون على حشر نفسه في كارثة زلزال الحوز.
وأكد المختص في الشؤون الدولية، أن المغرب ملكا وشعبا قد أرسل الرسائل إلى من يهمهم الأمر في قصر الإليزيه، اللذين أصبحوا مطالبون حسب بوشمامة، بإعادة النظر في طريقة تعاملهم مع المملكة المغربية، إن أرادوا الحفاظ على ودها وصداقتها، أما أن يستمروا في اللعب على الحبلين فإن ذلك لن يجدي نفعا، وسيزيد في تعميق الهوة بين البلدين إلى حين خروج فرنسا من المنطقة الرمادية، واعتماد الوضوح في علاقاتها مع المغرب، والإحترام والتقدير المتبادل.
ويتّفق صبري الحو، محام خبير في القانون الدولي وقضايا الهجرة، في كون الزيارات الرسمية تخضع لقواعد بروتوكولية صارمة من حيث الطلب ومواضيع المناقشة والمداولة والوفود المرافقة وتاريخ إجرائها، لافتا الانتباه إلى أن هذه الزيارات “يحكمها القانون الدبلوماسي، ولا يمكن إجراؤها ضدا على كل هذه الأعراف إلا إذا دعت ظروف استعجالية واستثنائية إلى ذلك، بالرّغم من أنه يبقى التنسيق السابق يحكم كلتا الحالتين”.
واعتبر الخبير في العلاقات الدولية، في تصريح صحفي، أن “كل تصرف خارج هذه الأعراف يجعل الزيارة غير رسمية وقد لا يحظى القائم أو المبادر بها بالاستقبال الرسمي”، مشيرا في هذا السياق إلى أن الرئاسة الفرنسية ترغب، عبر الإعلان عن هذه الزيارة، باختبار مدى جدية الموقف المغربي الرافض للعرض الفرنسي للمساعدة في الإنقاذ بعد الزلزال.
وأضاف أن الرد المغربي على تصريحات وزيرة الخارجية الفرنسة “منسجم ورافض لأي مبادرة فرنسية من جانب واحد خارج الأعراف المذكورة، مما يجعل السلطات المغربية غير ملزمة بأي استقبال للرئيس الفرنسي، وهو ما يفيد بطريقة دبلوماسية لبقة عدم استعدادها وعدم رغبتها في هذه الزيارة”.
وخلص المتحدّث إلى أن الرفض المغربي “يعني انضمامه إلى الصحوة الإفريقية التي قطعت مع التبعية لفرنسا واتخذت موقفا سياديا لا يخضع للوصاية ولا الابتزاز”.
تجدر الإشارة إلى أن منصب سفير المغرب بباريس لا يزال شاغرا منذ 19 يناير الماضي، حيث جاء في بلاغ لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، صدر في الجريدة الرسمية عدد 7166، قرار إنهاء مهام محمد بنشعبون من منصبه بباريس ابتداء من 19 يناير.