رئيس التحرير والاعداد
طرحت قمة مراكش العديد من التساؤلات حول الامتيازات التي سيحصل عليها المغرب من هاتين المؤسستين في ظل ارتفاع الديون الخارجية وقلة الاستثمار الأجنبي، والتحديات الماكرواقتصادية، بالإضافة إلى إشكالية التضخم التي ترافق الاقتصاد الوطني ولها تأثيرات سلبية على العديد من المجالات والقطاعات الحيوية، مما يجعل الغموض يلف الهدف من احتضان هذه المؤتمرات الاقتصادية الدولية في ظل مشاكل الاقتصاد الوطني.
وحسب صندوق النقد الدولي، فإنه من المرتقب أن ينتقل رصيد الحساب من ناقص 3.5 % سنة 2022 إلى ناقص 3.1 % سنة 2023، ثم إلى ناقص 3.2 % سنة 2024، مشيرا إلى أنه من المتوقع أن يرتفع معدل البطالة بالمغرب من 11.8 % سنة 2022 إلى 12 % سنة 2023 قبل أن يتراجع إلى 11.7 % سنة 2024، ومن المتوقع أيضا أن يتباطأ النمو في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (مينا) من 5.6 % سنة 2022 إلى 2 % سنة 2023 قبل أن ينتعش إلى 3.4 % سنة 2024.
من جانبه، أكد البنك الدولي أن تضخم أسعار الغذاء لا يزال مرتفعا بالمغرب عند 11 %، وهو معدل أعلى بكثير من معدل التضخم العام بالبلد، منبها، في تقرير له حول “أحدث المستجدات الاقتصادية بالشرق الأوسط”، أن الارتفاع الكبير في معدل تضخم أسعار الغذاء بالمغرب يضر بالأسر الأشد فقرا والأكثر احتياجا على نحو أكثر من غيرها، حيث إنها تنفق في العادة جزء أكبر من دخلها على المنتجات الغذائية.
وكشف أن نسبة التضخم العام بالبلد بلغت 6.6 % في العام المنصرم، ويتوقع أن تبلغ 6.2 % هذا العام، على أن تنخفض السنة المقبلة إلى 3.8 %، متوقعا أن ينتعش النمو في المغرب إلى 2.8 % سنة 2023 بعدما بلغ 1.3 % عام 2022، وسيستمر في التحسن ليبلغ 3.1 % سنة 2024، كما تتوقع المؤسسة المالية العالمية أن ينتقل نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي من 0.2 % عام 2022 إلى 1.7 % هذه السنة، ثم إلى 2.1 % في سنة 2024.
وحسب التقرير، فإن المغرب كان أقل تأثرا بصدمات الاقتصاد الكلي العالمية مقارنة بالبلدان الأخرى المستوردة للنفط في المنطقة، إذ حصل التحسن في معدلات التبادل التجاري الناجم عن انخفاض أسعار النفط في عام 2023 مقارنة بعام 2022، في حين كانت الزيادة في تكاليف الاقتراض أكثر اعتدالا.
وأعلن البنك الدولي عن إصدار سندات للتنمية المستدامة اشتراها بنك المغرب في إطار تدبير احتياطه من العملات الأجنبية، مضيفا أن إصدار سندات التنمية المستدامة بقيمة 100 مليون يورو لمدة ثلاث سنوات، و100 مليون يورو لمدة خمس سنوات، ستدعم تمويل أنشطة التنمية المستدامة للبنك الدولي، موضحا أن هذه السندات تستحق في 6 أكتوبر 2026 و6 أكتوبر 2028.
إن هذه العملية – يقول البنك الدولي – تعد فرصة بالنسبة للمغرب بصفته أول بلد مضيف للاجتماعات السنوية في القارة الإفريقية منذ 50 سنة، من أجل زيادة الوعي باستعجالية دمج العمل البيئي في المنطقة وعلى مستوى القارة بأكملها. حيث يدمج البنك الدولي العمل البيئي في جهوده لتمويل التنمية، لاسيما ما يتعلق بالمنظومات الغذائية المرنة، والطاقات النظيفة والمتجددة والأمن البيئي والمائي في جميع محافظه في العالم، بما في ذلك في الدول الإفريقية.
ويمول البنك الدولي كذلك، مشاريع تروم مساعدة الدول بشكل استباقي على تدبير الصدمات المناخية، وتنفيذ تدابير التكيف الضرورية على وجه السرعة، إذ يتبنى نهجا شاملا لدمج تغير المناخ في عملياته في أكثر من 75 دولة، إذ يتم دمج مكونات مناخية في أكثر من 90 % من المشاريع الجديدة، ويصدر سندات التنمية المستدامة في أسواق رأس المال الدولية لدعم تمويل أنشطة التنمية المستدامة المصممة لتحقيق أثر اجتماعي وبيئي إيجابي في البلدان النامية، مع التوعية بشأن محاور تنموية محددة في مجموعة من القطاعات.
ومن جهته، كشف بنك المغرب أنه اشترى سندات تنموية مستدامة بقيمة 200 مليون يورو من البنك الدولي لتسليط الضوء على عمل البنك في مجال تمويل المناخ في بداية الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين في مراكش، إذ أن عملية الشراء المقسمة بالتساوي بين سندات لأجل ثلاث وخمس سنوات، سيتم الاحتفاظ بها في محفظة إدارة الاحتياطيات.
وتشكل هذه العملية فرصة للمغرب باعتباره المستضيف الأول للاجتماعات السنوية في القارة الإفريقية منذ 50 عاما، للتوعية بالحاجة الملحة إلى إدماج العمل المناخي في المنطقة وفي جميع أنحاء القارة، حيث يعمل البنك الدولي على دمج العمل المناخي في جهوده لتمويل التنمية، لا سيما على مستوى النظم الغذائية القادرة على الصمود، والطاقة النظيفة والمتجددة، والأمن البيئي والمائي عبر المحفظة العالمية، بما في ذلك في البلدان الإفريقية، وعلى سبيل المثال، في شمال إفريقيا، حيث يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم ندرة المياه، ويعمل البنك الدولي على تسريع وتيرة الاستثمارات لزيادة قدرة إمدادات مياه الشرب والري على الصمود، ليكون بمثابة نموذج تحتذيه البلدان الأخرى ذات الموارد المائية المحدودة.
وترى المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجييفا، أن “المغرب هو الدولة الوحيدة في القارة الإفريقية المؤهلة للحصول على خط الائتمان (التمويل)، في ظل معاناة دول إفريقية، مثل السودان وتونس، من مصاعب الحصول على تمويل من صندوق النقد الدولي، وظهور خلافات بين الصندوق ومصر بعد تنفيذهما لبرنامج إصلاح اقتصادي نهاية 2022، حصلت القاهرة بموجبه على قرض بـ 3 ملايير دولار تصرف على أكثر من ثلاث سنوات.
وبالمناسبة، قال رئيس الحكومة عزيز أخنوش، أن العلاقة بين المغرب والبنك الدولي تمتد لـ 65 عاما مرت على انضمام المغرب إلى البنك الدولي سنة 1958، سنتان فقط بعد حصوله على الاستقلال، لتشكل سنوات من الدعم في إطار الشراكة ومواكبة عدد كبير من الإصلاحات الهيكلية والقطاعية التي انخرطت فيها بلادنا، مما مكن من تمويل أكثر من 230 مشروعا بمبلغ إجمالي يناهز 21 مليار دولار، مؤكدا أن البنك الدولي سيواصل مواكبته للمملكة في الوقت الذي تستعد فيه للشروع في تنزيل الرؤية الاستراتيجية التي أطلقها الملك محمد السادس من أجل تثبيت بلادنا على مسار تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة وشاملة.
واعتبر رئيس الحكومة أن محفظة المشاريع التي يقوم البنك الدولي بمواكبتها حاليا بالمملكة، تفوق قيمتها 7 ملايير دولار، وتعكس الالتقائية الدائمة بين تدخلات البنك الدولي وأولويات حكومة المملكة المغربية، مشير إلى أن البنك الدولي يدعم الأولويات الحكومية الأخرى، سواء في القطاعات الحيوية منها الماء والفلاحة، أو في مجالات الحكامة والانتقال الرقمي.
من جهتها، اعتبرت “الدينامية الديمقراطية المغربية لمناهضة قمة البنك العالمي وصندوق النقد الدولي”، أن “القمة المضادة للاجتماعات السنوية للمؤسستين هي مناسبة استثنائية لرفع الصوت عاليا رفضا لسياساتهما الاستعمارية، لأن هذه القمة تشمل مناسبة لإطلاق دينامية حقيقية ضد الديون التي تُشكل جوهر سياسة تلك المؤسستين الماليتين، وهي كذلك مناسبة لمناهضة كل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني الاستعماري”.
وقالت نفس المنظمة أن “السياسات الاقتصادية والاجتماعية لهاتين المؤسستين لا تنتج سوى الدمار الاجتماعي وتُعمق الفقر والبؤس والهشاشة والجوع والفوارق الطبقية والمجالية، وتتسبب في تفاقم البطالة وانهيار القدرة الشرائية لفئات شعبية واسعة، كما تفاقم اللامساواة الجنسية وتغذي العديد من الأزمات والاضطرابات والاحتجاجات والحروب”، مضيفة أن “اختيار المغرب لاحتضان اجتماعات هاتين المؤسستين الإمبرياليتين بعد أن تم عقدها لمرة واحدة سنة 1973 بإفريقيا (في نيروبي بكينيا)، وبقرار ومباركة من مؤسسات بريتون وودز، يؤكد ارتباط الدولة المغربية بهذه المؤسسات المالية الإمبريالية التي تهيمن على السياسة المالية والاقتصادية للمغرب”.
وحسب ذات المنظمة، فإن “المؤسستين الدوليتين تهدفان إلى تخريب وتفكيك القطاعات العمومية الأساسية، وتشجيع الحكومات على ضرب مكتسبات الشغيلة والشعب، وتقليص الميزانيات الاجتماعية، وتعميم الخوصصة، وإغراق البلاد في دوامة المديونية، وإلزامها بإبرام اتفاقيات مجحفة للتبادل الحر”، مشيرة إلى أن “السياسة النيوليبرالية لهما ترتكز على الخوصصة والتقشف وضرب الخدمات الاجتماعية العمومية، وكنموذج: برنامج التقويم الهيكلي، السيء الذكر سنة 1983، والتقليص من الكتلة الأجرية العمومية ومن تكوين الأطر التعليمية والصحية وباقي قطاعات الوظيفة العمومية، وتفكيك المرفق العام وتسليع الخدمات والخوصصة وتحرير الأسواق ومواصلة نهب الثروات”، ودعت إلى تشكيل شبكة دولية تناضل من أجل إسقاط الديون ذات الطابع الاستعماري وإلغائها، وحماية حقوق الإنسان والنهوض بها، وفرض تعويضات عن الدمار البيئي والسياسات الاستعمارية وعشرات السنين من التبادل غير المتكافئ، وفرض منظومة نقدية متحررة من فخ دَوْلَرَة الاقتصاد العالمي، فضلا عن الرفض المطلق للتطبيع مع الكيان الصهيوني ومناهضة كل أشكاله.