عزالدين السريفي ، رئيس التحرير والاعداد
عنوان يتساءل عن مادة ضرورية لحياتنا، أهم من الدواء وأشد وطأة من الجوع.. إنه الماء الذي تبيعه لنا الجماعة عبر المكتب الوطني للماء فوضته لتدبيره، ونص المشرع في المادة 183 على: “تقوم الجماعة بإحداث وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية اللازمة”، وردوا بالكم، لـ”تقديم خدمات القرب في الميادين التالية” وافتتح ذلك بـ: “خدمة الماء الشروب”، بمعنى آخر، فهي مسؤولة عن هذه الخدمة انطلاقا من مادة حددتها بالقانون: “للماء الشروب”، بمعنى أنه مضمون الاستهلاك في الشرب والتغذية، وعلى هذا الأساس تعاقد المستهلك مع المنتج بعقد في الموضوع، ولحد الساعة ومنذ عقود، لم يثر أي منتخب جودة هذا الماء الذي يصل إلى المشتركين.. عبر قنوات تقع على عاتق مسؤولية الجماعة وإن فوضت ذلك إلى مؤسسة خصوصية، لكنها تبقى مكلفة بضمان سلامة ما نشربه.
فنحن نعلم أن هذه المسؤولية تغطي مسافة جريان الماء من خزانات التزويد إلى العدادات الشخصية للمستهلكين، ومنها مباشرة إلى الاستغلال تحت طائلة المشتركين، وكثيرا من الأحياء المدينة تشكو من أشياء غريبة تمتزج مع صبيب المياه، وتكاد ترصد بالعين المجردة، كما أنه غير خاف بأن بعض الميسورين أو حتى متوسطي الدخل لا يشربون “ماء الجماعة”، بل يختارون الماء المعدني لعدم ثقتهم في نجاعة القيمة الغذائية لذلك “المشروب” الذي نص عليه القانون الجماعي بأنه “ماء شروب”.. فإذا كان كذلك، فلماذا تلجأ ساكنة المدينة إلى اقتناء ما يحتاجونه لإرواء عطشهم من الماء المعرض للبيع في المتاجر؟ ففي هذه الحالة، ينبغي تغيير القانون بحذف “التظهير” والاحتفاظ بالماء دون تعريف هل هو صالح أم طالح للإنسان؟ وينبغي تكييف أثمنة المادة مع خدمتها، هل هي خدمة لما يشربه الإنسان من ماء، أم فقط هو ماء للسقي والصناعة والأشغال المنزلية؟
فلحد الساعة يفرض الميثاق الجماعي على الجماعة وليس غيرها، توزيع الماء الشروب، وتبقى مسؤولة عن جودته حتى إذا فوضت القطاع إلى مفوض تتعاقد معه، فذلك لا يعفيها من المساءلة عن حسن أو سوء التدبير لهذا القطاع الذي تراجعت خدماته مقابل ارتفاع مستحقاته ارتفاعا مهولا، وتعفنت تجهيزاته لتتسرب منها الجراثيم والأتربة، وفي بعض الأحيان الحصى إلى الشاربين من مياه قننها المشرع بـ”الماء الشروب الصحي”، والنتيجة: ارتفاع مهول في مرضى الكلي والمسالك البولية، واللثة والأسنان والكبد… إلخ، ومع ذلك، هناك صمت مريب وكأنه ستار يخفي جبلا من أهوال ومصائب سلعة تباع للسكان تيفلت بأنها صالحة للشرب والطهي وتحضير الأدوية، فإذا بها مجرد ماء يسوق لنا بصفة غير الصفة المنصوص عليها في التشريع: “مياه الشرب”.. فهل هي فعلا مياه عذبة صافية رقراقة تخرج من الصنابير لتستقر في أبداننا حسب ضمان القانون بأنها للشرب؟
هذا ما يجب أن يتداول في شأنه نواب المواطنين في جلسة خاصة للاطمئنان على مياه جماعتهم بأنها فعلا “ماء شروب”.