أكبر دليل على شرود وزراء الحكومة وعدم قدرتهم هم ومستشاريهم الذين يتقاضون مئات الملايين(..) على مواكبة الإشارات الملكية، هو غيابهم التام، قبل أيام، عن الاحتفالات الخاصة التي نظمتها سفارة الإمارات بمناسبة العيد الوطني لهذا البلد الخليجي.. فقد كان الغياب هو سيد الموقف في هذا الحفل الذي نظمه بلد يحظى بتقدير ملكي كبير، حيث اقتصر الحضور الحكومي على واحد من وزراء السيادة، وهو الوزير أحمد التوفيق، ووزير محسوب على التكنوقراط رغم أنه استوزر باسم حزب الاستقلال، ويتعلق الأمر بمحمد عبد الجليل، والغريب في الأمر هو أن هذا الغياب تزامن مع التحضير للزيارة الملكية الكبرى إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، بناء على دعوة من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان..
“أولاد عبد الواحد واحد”، لكن الوزير عبد الجليل – على سبيل المثال – كان حاضرا في الزيارة الملكية الأخيرة إلى دولة الإمارات، رفقة الوفد الكبير الذي تم انتقاؤه بعناية للسفر إلى جانب الملك محمد السادس كما لو أن الأمر يتعلق بحكومة هادئة خاصة، تم إحداثها لهذا الغرض خصيصا(..) بعيدا عن رئيس الحكومة عزيز أخنوش، وجل الوزراء المشوشين، الذين اشتهروا في الفترة الأخيرة بكثرة الكلام وقلة العمل.
ويضم الوفد المرافق للملك، والشبيه بـ”حكومة أخرى”، كلا من مولاي عبد الله العلوي رئيس الجامعة الملكية للفروسية، والذي يحظى بشعبية كبيرة بعيدا عن المواقع الصاخبة، وقد يكون من بصماته حضور الفرسان المغاربة في استعراض خاص باحتفالات العيد الوطني للإمارات إلى جانب الجيش الإماراتي، ما يعكس مكانة المغرب عند هذا البلد الشقيق.. كما كان من بين الحاضرين المسافرين شقيقه مولاي يوسف العلوي، وكلاهما شقيقان للشريفة جمالة العلوي، هذا الأخير صديق الدراسة بالنسبة للأمير مولاي رشيد، واشتهر في مجال السياحة والعقار..
الفريق الملكي الذي رافق الملك محمد السادس في هذه الزيارة، التي نظمت بطريقة إمبراطورية(..) أدهشت المتتبعين على شاشة التلفزيون.. ضم بشكل لافت مدير المخابرات الخارجية والملفات الكبرى، ياسين المنصوري، في غياب رئيس المخابرات الداخلية والمدير العام للأمن الوطني، عبد اللطيف الحموشي، وضمت أيضا كبير مستشاري الملك محمد السادس، فؤاد عالي الهمة، هذا الأخير، بالإضافة إلى دوره السياسي(..)، اشتهر بحمل الرسائل الملكية الخاصة إلى دول الخليج، فهو الذي تكلف بإيصال الرسائل الهامة إلى كل من محمد بن سلمان الذي يقود السعودية برؤية جديدة(..)، وهو نفسه الذي التقى أمير دولة قطر الشيخ تميم، ويحسب للرجل وجوده في الخليج، سواء في عهد الأزمة الخليجية بين السعودية وقطر، أو في عهد الرخاء عندما شرعت قطر في التحضير لاحتضان المونديال.. وفوق كل هذا، كانت الرعاية السامية للعلاقات المغربية الخليجية واضحة لا غبار عليها، فالملك محمد السادس هو الحاكم الوحيد الذي انتقل في عز الأزمة الخليجية، من الإمارات التي اصطفت إلى جانب السعودية، مباشرة إلى الدوحة، لتكتب وسائل الإعلام القطرية بالبنط العريض: “أهلا بكاسر الحصار”.
كثيرة هي الرسائل التي تحملها الزيارة الملكية إلى الإمارات.. ففضلا عن الاستقبال الباذخ الذي حضره سرب من الطائرات المغربية، ومراسيم فخمة، ظهر الملك محمد السادس بصحة جيدة كما لو أنه يفتح صفحة جديدة غير مسبوقة من العلاقات مع هذا البلد الخليجي (الإمارات)، الذي يسجل اسمه كواحد من أكبر البلدان الداعمة للقضية الوطنية في المحافل الدولية، بل إن الإمارات هي أول دولة عربية تربط كلامها بإجراءات ملموسة، فهي أول دولة عربية تدشن قنصلية لها في مدينة العيون، بحضور سفيرها في الرباط، العصري سعيد أحمد الظاهري، هذا الأخير يحسب له ابتعاده عن الشأن السياسي الداخلي بخلاف السفير “الكعبي” الذي سبقه.
العلاقات المغربية الإماراتية، ومهما تباينت التفسيرات(..)، فهي مطبوعة بأحداث تاريخية كبرى، فالطفل الذي كان عمره 14 سنة، وتم اعتباره من أصغر المشاركين في حدث المسيرة الخضراء، كان أميرا، اسمه محمد بن زايد آل نهيان، أما الراحل الشيخ زايد، فقد كان صديقا حميما للملك العظيم الراحل الحسن الثاني، وهو الذي اختار دعم أخيه في وجه المحاولات الانقلابية الفاشلة، التي ارتبط بعضها بسياق عام صنعته المناورات الجزائرية والليبية في عهد الرئيس معمر القذافي..
ويقول المثل: “إذا حضر الماء بطل التيمم”، فغياب رئيس الحكومة عزيز أخنوش عن زيارة الإمارات، شأنه شأن مسؤولين سامين آخرين، بالإضافة إلى “الوزراء المشوشين”(..)، لا يمكن أن يكون له أي تأثير على هذه الزيارة التاريخية.. فزيارة الإمارات كانت عملية جدا، حيث حضرها بالإضافة إلى الأسماء سالفة الذكر، كل من الحاجب الملكي سيدي محمد العلوي، وناصر بوريطة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ونادية فتاح العلوي وزيرة الاقتصاد والمالية، ونزار البركة وزير التجهيز والماء، ومحمد صديقي وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، وليلى بنعلي وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ومحمد عبد الجليل وزير النقل واللوجستيك، ومحسن جازولي الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالاستثمار والالتقائية وتقييم السياسات العمومية، وفوزي لقجع الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، كما ظهر في الصور كل من كريم بوزيدة، المكلف بمهمة في الديوان الملكي، والقطب الإعلامي فيصل العرايشي.
كل الاختصاصات الحكومية المغربية كانت موجودة في الإمارات، وهو ما جعل الزيارة تتوج بالتوقيع على عدة اتفاقيات كلها محكومة باتفاق كبير وقعه كل من الملك محمد السادس ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد آل نهيان، وكان ملحوظا فيه استعمال عبارات “الأخوين” أكثر من مرة.. فقد ((هنأ جلالة الملك، أعزه الله، أخاه سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، حفظه الله، على رعايته الكريمة والموفقة للمؤتمر الثامن والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية المتعلقة بتغير المناخ (كوب 28) بدبي، كما جدد جلالته تهنئته الحارة لسموه بمناسبة عيد الاتحاد الثاني والخمسين لدولة الإمارات العربية المتحدة، مشيدا بما تحقق من نهضة وتقدم وازدهار، وحضور دولي وازن بفضل قيادته الحكيمة.. وخلال هذا اللقاء، عبر قائدا البلدين عن اعتزازهما بعمق أواصر الأخوة الحقة والمحبة الصادقة التي تجمعهما، ووشائج التقدير المتبادل والتفاهم المتواصل التي تربطهما، وارتياحهما العميق لمتانة علاقات التعاون المثمر والتضامن الفعال، القائمة بين البلدين الشقيقين، كما أكد جلالة الملك ورئيس دولة الإمارات حرصهما القوي على دعم ومتابعة وتطوير هذه العلاقات المتميزة، والارتقاء بها إلى مستوى شراكة مبتكرة ومتجددة ومتعددة الأبعاد تشمل مختلف المجالات، شراكة طموحة في أهدافها، ومبتكرة في وسائل ترسيخها، ومتطورة في آليات تفعيلها، وذلك على أساس المصلحة المشتركة، وبما يخدم مصالح الشعبين الشقيقين.. وقد عبر جلالة الملك لأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، عن شكره وتقديره للمواقف الثابتة لدولة الإمارات العربية المتحدة تجاه المغرب، ولما يخص به سموه قضاياه الوطنية والتنموية من مساندة ودعم موصولين)) (المصدر: مقتطفات من البلاغ الرسمي المشترك دون زيادة أو نقصان).
الترجمة الفعلية لهذه الشراكة أكدها الوفد المرافق للملك محمد السادس في التصريحات الإعلامية.. فقد ((أكد وزير الميزانية فوزي لقجع، الصاعد سياسيا بقوة(..) أن “الاتفاقات الموقعة بين البلدين تكتسي بعدا استراتيجيا نظرا لحمولتها الجغرافية، بحيث أن أبعادها تتجاوز التعاون الثنائي بين دولة الإمارات والمملكة المغربية لتشمل دولا إفريقية كثيرة، ومشاريع تهم القارة الأوروبية مستقبلا”.
ومن جانبه، أكد وزير التجهيز والماء، نزار البركة، الذي سيكون لحضوره في الإمارات تزكية لوضعه الحزبي، أنه “في إطار مذكرات التفاهم التي تم التوقيع عليها، يوجد بعد مرتبط أساسا بالتجهيزات التحتية، وخصوصا فيما يرتبط بالأمن المائي، بحكم أن هذه الاتفاقية ستؤدي إلى استثمارات من الجيل الجديد متعلقة أساسا بتحلية المياه، وهو برنامج مهم جدا وطموح بالنسبة للمغرب، وأشار البركة إلى اتفاقية أخرى تم التوقيع عليها تتعلق بالموانئ، مبرزا أن المغرب قد أعطى، طبقا للتوجيهات الملكية السامية، مكانة خاصة للموانئ الكبرى والتي لها بعد استراتيجي، وأضاف أن المغرب يتوفر اليوم على ميناء الناظور غرب المتوسط وميناء الداخلة الأطلسي، اللذان سيتم فيهما ضخ استثمارات من طرف دولة الإمارات العربية المتحدة، موضحا أن ذلك من شأنه تقوية مكانة المغرب على الصعيدين الجهوي والدولي، سواء في مجال التنمية المستدامة أو مجال الأمن والتواصل الدوليين”..
ومن جهته، شدد ربيع الخليع، مدير المكتب الوطني للسكك الحديدية، على أن “مشروع خط القطار فائق السرعة، الرابط بين القنيطرة ومراكش، يحظى بأهمية خاصة، في إطار توقيع إعلان الشراكة الذي تم بين قائدي البلدين الشقيقين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس وسمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وأضاف أن هذه الشراكة الطموحة والمبتكرة ستمكن من إيجاد هيكلة مالية مبتكرة لإنجاز هذا الخط، الذي سيمكن من الربط بين طنجة ومراكش في مدة لا تتجاوز ثلاث ساعات تشمل ساعة واحدة بين طنجة والرباط، وساعة وخمس وثلاثين دقيقة بين طنجة والدار البيضاء”)) (المصدر: مقتطفات من تصريحات رسمية للمسؤولين المغاربة).
ويبقى واحد من أكبر المشاريع الموقع عليها والذي له دلالة خاصة، هو مشاركة الإمارات ماليا وتقنيا في إنجاز مشروع أنبوب الغاز الرابط بين المغرب ونيجيريا.. فقد ((وقع المغرب والإمارات العربية المتحدة أمس على مذكرة تفاهم بشأن إرساء شراكة استثمارية مرتبطة بمشروع أنبوب الغاز المغرب – نيجيريا، وتهدف هذه الشراكة إلى وضع إطار لمساهمة ممكنة لدولة الإمارات في إنشاء أنبوب الغاز الإفريقي-الأطلسي بين المغرب ونيجيريا على المستويين المالي والتقني.
ويأتي الاتفاق مع الإمارات، لتعزيز جاذبية هذا المشروع الذي يحظى باهتمام عدة دول إفريقية وأوروبية.. ويمتد أنبوب الغاز نيجيريا – المغرب على طول ساحل غرب إفريقيا انطلاقا من نيجيريا، ليمر عبر البينين والطوغو وغانا والكوت ديفوار وليبيريا وسيراليون وغينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال وموريتانيا، وصولا إلى المغرب، وسيتم ربطه بخط أنبوب الغاز “المغرب العربي – أوروبا” و”شبكة الغاز الأوروبية”)) (المصدر: عدة مواقع اخبارية).
إذن، شراكة المغرب والإمارات تحضر فيها الحسابات الكبرى للبلدين، حول الصحراء وشمال إفريقيا مستقبلا.. كما أن هذه الزيارة أول تجسيد فعلي لدعوة الملك محمد السادس إلى تأهيل الواجهة الأطلسية، ما يعني عمليا تجاوز حماقات البوليساريو والجزائر، والشروع في تنزيل الرؤية الملكية للصحراء المغربية(..).