عزالدين السريفي ، رئيس التحرير والاعداد
شكل انعقاد المنتدى الروسي العربي بمدينة مراكش تجسيدا آخر لـ”نهج الرباط المستمر سياسة تنويع الشركاء العالميين”، خاصة في ظل الظرفية الحالية التي تعرف عودة النقاش الغربي حول مصير الحرب في أوكرانيا.
وأجمع كل من وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، ونظيره المغربي، ناصر بوريطة، على “ضرورة تعميق التعاون العربي مع موسكو”، في وقت أكد المسؤول المغربي على “عمق العلاقات التي تجمع روسيا والرباط”.
وتزامنا مع التركيز العالمي على الحرب في قطاع غزة، وهو ما تمت ملاحظته بشكل لافت في مخرجات المنتدى الروسي العربي، عاد النقاش حول مستقبل الحرب في أوكرانيا، مع توجيه الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية “انتقادات” جديدة لموسكو، كما أن واشنطن أفرجت عن مجموعة من صفقات الدعم العسكري لكييف.
ومنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا ظل المغرب حريصا على البقاء ضمن مسافة تسمح له بالحفاظ على مصالحه مع موسكو وأوكرانيا، وكذا المنتظم الغربي. وخلال لقاء العرب والروس بمراكش كان لافتا استمرار المغرب في جني عوائد سياسة تنويع الشركاء.
وشدد بوريطة خلال المنتدى على أن “انخراط المغرب في تقوية المنتدى العربي- الروسي، والمضي به قدما على جميع الأصعدة، يعد تعبيراً صريحا عن رغبتنا في تطوير العلاقات متعددة الأبعاد التي تربط المملكة بروسيا”.
ويرى حفيظ الزهري، محلل سياسي، أن “المغرب نجح في نهج سياسة تنويع الشركاء السياسيين والاقتصاديين، في ظل فترة دولية صعبة عرفت بعد أزمة كورونا حملة استقطاب الدعم لكل من المعسكر الغربي والشرقي”.
ويعتبر الزهري أن الفترة العالمية ما بعد كورونا عرفت تعدد الأقطاب، إذ لم يعد هنالك قطبان فقط، ما دفع المغرب إلى “تعزيز سياسة تنويع شركائه، بما يخدم مصالحه الحيوية”.
وكانت هاته السياسة ذات عوائد مهمة وفق المتحدث ذاته، الذي أبرز أن “تنويع الشركاء مكن من إعطاء دفعة جد قوية للدعم الدولي للوحدة الترابية المغربية، إذ يواصل مقترح الحكم الذاتي حصد التأييد، مقابل تراجع حاد للأطروحة الانفصالية”.
“المنتدى الروسي-العربي يظهر مدى مركزية الدولة المغربية في لب العلاقات بين العرب وموسكو، وأيضا على مستوى علاقات روسية مع إفريقيا، ما يجعل الرباط مؤثرا أساسيا في سيرورة هاته العلاقات الإستراتيجية، وهو ما لاحظناه في خروج المنتدى بمواقف جد قوية في ما يهم القضية الفلسطينية”، يورد المحلل ذاته.
ويلاحظ المتحدث سالف الذكر أن “مواقف موسكو من الصحراء المغربية تعرف ليونة مهمة، خاصة على مستوى مجلس الأمن، حيث رغم امتلاكها حق ‘الفيتو’ لا تستعمله أمام القرارات التي تدعم بصريح العبارة الموقف المغربي”.
ويخلص الزهري إلى أن “علاقات الرباط وموسكو تشهد مستقبلا زاهرا في ظل المؤشرات الطيبة التي تظهر باستمرار، خاصة على هامش المنتدى العربي-الروسي”.
واستطاعت المملكة المغربية، خلال 2022 و 2023، تحقيق نجاحات دبلوماسية كبيرة، اعتمادًا على سياسة الوضوح والطموح التي جرى نهجها بقيادة الملك محمد السادس، وخطا المغرب خطوات كبيرة في مجال السياسة الخارجية عبر تنويع قاعدة حلفائه وشركائه من أجل تحقيق مصالح اقتصادية ودبلوماسية، مكنت المملكة من تحقيق اختراق غير مسبوق على مستوى أدائها الدبلوماسي.
وشكّل الرقي بالمجهود الدبلوماسي للدفاع عن القضية الوطنية، في أفق الطي النهائية للنزاع المفتعل حول الأقاليم الجنوبية للمملكة، وتعبئة الإمكانيات الدبلوماسية لتعزيز الاشعاع الدولي للمغرب، وتوطيد موقعه كفاعل إقليمي على المستوى الافريقي والمتوسطي والعربي والإسلامي، وتحصين مصالحه الاستراتيجية وتوسيع دائرة تحالفاته وشركائه، أهم مرتكزات السياسة الخارجية للمغرب خلال المرحلة الأخيرة.
تكريس عزلة الجبهة
تُظْهر التّحولات والتطورات الأخيرة، التي تشهدها قضية الصحراء المغربية، توَاصُل مُسلسل سحْب الاعتراف بـ”البوليساريو”، في واقع جديد يكرس عزلة جبهة الإنفصاليين، والتي كان أخرها تعليق جمهورية البيرو اعترافها وقطع جميع علاقاتها مع الكيان الوهمي، ليصل بذلك عدد الدول التي لا تعترف بالجمهورية الوهمية إلى أكثر من 164 دولة، حيث بات دائرة المتعاطفين مع الجبهة تضيق بعدما كانت 84 دولة تعترف بالكيان الوهمي، في ثمانينيات القرن الماضي.
ووَسط هذه الدينامية المتسارعة، التي يشهدها ملف قضية الصحراء، قررت دول إفريقية فتح قنصليات عامة تابعة لها بالأقاليم الجنوبية من تراب المملكة المغربية، وتأْتي كل هذه الخطوات والتطورات الجديدة، وفق ما يرى عدد من المراقبين، في سياق خطوات مماثلة لمجموعة من الدول التي وضعت مسافة مع الكيان المصطنع، واحتكمت إلى الشرعية الدولية وقواعد القانون الدولي، وأقرت بواقعية وجدية ومصداقية المقترح المغربي للحكم الذاتي، مع تبني صريح لموقف المملكة الداعي لاعتبار القضية الوطنية ضمن الاختصاص الحصري للأمم المتحدة.
وعلى نحو لافت، بدا أنّ الدبلوماسية المغربية، تستغلّ مرحلة الجمود التي يمرّ بها ملف الصحراء، لتسجيل نقاط على خصومها، بفضل استراتيجيتها القائمة على حثّ الدول على الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، وتأكيد الأمر على أرض الواقع من خلال خطوات قانونية تتمثّل بفتح قنصليات بالأقاليم الجنوبية للمملكة.
وبقدر ما يعكس توالي فتح تمثيليات دبلوماسية بالصحراء تطوراً في موقف العديد من الدول من النزاع، وبداية مرحلة فرض واقع جديد، قوامه اعتراف دولي متزايد بمشروعية مبادرة الحكم الذاتي، تحضر مؤشرات عدة لدى الدبلوماسية المغربية تفيد بأن مسلسل تجسيد الاعتراف بمغربية الصحراء عن طريق إقامة قنصليات سيتواصل خلال السنة القادمة، كما أن مفاجآت أخرى قد تكون في الطريق.
فقد حققت المملكة في سنة 2022، انتصارات دبلوماسية هامة في ملف الوحدة الترابية، تمثلت، على الخصوص، افتتاح قنصليات عامة في مدينتي العيون والداخلة، تُمثل دولا من القارة الإفريقية والآسيوية والأمريكية، والتي كان آخرها افتتاح جمهورية الرأس الأخضر قنصلية لها في مدينة الداخلة بإقليم الصحراء، ليرتفع إجمالي القنصليات بالإقليم إلى 27، منها 15 في الداخلة، و12 بمدينة العيون.
تكسير محور الشرّ
ويرى أحمد نورالدين، الخبير في العلاقات الدولية، أن تكسير محور الشرّ الجزائري-الإسباني يأتي على رأس قائمة مكتسبات الدبلوماسية المغربية خلال العام 2022 بعد نجاح المغرب في تحويل الأزمة التي تسبب فيها استقبال زعيم الانفصاليين سنة قبل ذلك، إلى فرصة لإعطاء انطلاقة جديدة للعلاقات بين الرباط ومدريد على أسس جديدة تنبني على الثقة والشفافية واحترام الالتزامات والعهود واحترام الوحدة الترابية للطرفين.
ولقيّاس قيمة هذا المكسب، أكد نور الدين، على أنه ينبغي ننظر إلى رد الفعل العنيف للجزائر التي سحبت سفيرها من مدريد في اليوم الموالي للرسالة التي بعث بها رئيس الحكومة الاسبانية إلى العاهل المغربي في 18 مارس 2022. وقد بررت الجزائر تصرفها بأنه جاء احتجاجا على الموقف الإسباني الذي اعتبرته “انقلاباً”.
واعتبر الخبير في العلاقات الدولية، أن “هذا مكسب استراتيجي نظرا لعلاقة إسبانيا بالملف بوصفها القوة الاستعمارية سابقا، ونظرا للدور السلبي الذي كانت تتخذه في “الكواليس” ضد المغرب بسبب حسابات جيوسياسية لها علاقة بسبتة ومليلية المحتلتين وبقية الجزر.
منعطفات حاسمة
وَسط الظروف الدولية المتغيرة، تظل الصحراء المغربية هي البوصلة التي تحدد الاتجاه وترسم خط السير وأول هاته المنعطفات الحاسمة ما جاء في مضمون الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 69 لثورة الملك والشعب يوم 20 غشت 2022، حيث أكد أن الصحراء المغربية هي النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات.
وقال وزير الخارجية المغربي، إن الملك وضع بكيفية حازمة المنهج الدقيق لتدبير مختلف قضايا السياسة المغربية الخارجية، انطلاقا من قضية الصحراء المغربية، وذلك على خلفية المحددات الأساسية المرسومة سلفا ووفق مقاربة تنهل من البراغماتية والواقعية وبعيدا عن سرديات الحرب الباردة لما قبل سقوط جدار برلين التي تنضج بها خطابات الخصوم والتي نبذها المنتظم الدولي منذ أكثر من عشرين سنة.
وتابع، “واليوم الصحراء المغربية، هي معيارنا في تمييز المواقف الضبابية من الواضحة وهي وسيلتنا في تحديد مدى عمق الصداقات وصدقيتها وهي العامل الحاسم في تثمين الشراكات وتطويرها، الصحراء المغربية هي باختصار القضية التي يميز فيها المغرب ما بين المواقف الصادقة والجدية وغيرها”.
وأكد بوريطة، أنه في ظرف وجيز أبان هذا التحول عن وجاهته وذلك بالنظر إلى التغيير الوازن والواضح في الموقف الإسباني باعتبارها دولة محورية في هذا النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، مضيفا “وهو الموقف الذي عبرت عنه في الرسالة الموجهة من طرف رئيس الحكومة الإسبانية إلى الملك محمد السادس تلاه بعد ذلك الموقف الألماني المعبر عنه في الرسالة الملكية”.
وعلى هذا الأساس، تُواصل الدبلوماسية ترسيخ هذا المنعطف الحاسم، حيث تميزت هذه السنة بتطورات هامة شملت خمس مستويات، حيث أبانت عن قدرة المغرب في الحفاظ على مكتسبات وتحقيق تطورات هامة، من بين محطاتها، توسيع دائرة الدعم لمبادرة الحكم الذاتي، في كل الجهات والقارات بما في ذلك دول لها تأثير كبير وعلى دراسة واسعة بالملف.
عبد النبي صبري أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، سجل أن أهم حصاد سياسي ودبلوماسي، حققه المغربي خلال السنة المنتهية، يتعلق السقف الذي حددته المملكة في تعاملها مع كافة دول العالم وهو أنه “إذا أردت أية دولة أن تفتح علاقات جديدة وجيدة انطلاقا من مبدأ رابح- رابح وتقاسم المسؤوليات فيلزمها أن تعترف بمغربية الصحراء”.
وعلى صعيد إفريقيا، لفت نور الدين إلى تزايد عُزلة الجزائر في غرب إفريقيا بعد الدعم الواضح للمجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا “سيدياو” لمشروع أنبوب الغاز نيجيريا المغرب، حيث تم توقيع اتفاق بهذا الشأن في شتنبر 2022 وبذلك أصبحت الجزائر التي تُعارض المشروع في مواجهة مع 15 بلدا عضوا في هذه المجموعة الإقليمية التي يتجاوز سكانها 300 مليون نسمة.
وسجل الخبير في العلاقات الدولية، أنه حتى كينيا التي لازالت تعترف بالكيان الوهمي لم تصوت ضد القرار الأممي في مجلس الأمن واكتفت بالامتناع عن التصويت، وأدلى ممثلها في اللجنة الرابعة بتصريح أقرب إلى المغرب منه إلى الجزائر.
وأكد نور الدين، أنه لا يمكن أن نتجاوز مكسب القمة العربية التي أرادتها الجزائر مناسبة لعزل المغرب عربياً، فأصبح فيها المغرب هو محور القمة وقطب رحاها ومحطّ أنظارها، وبات البند الأهم فيها هو حضور المغرب الذي كان شرطاً مسبقا لدول الخليج لقبول انعقاد القمة في الجزائر التي تم تأجيلها عن موعدها في مارس إلى نونبر.
وأشار المحلل السياسي ذاته، إلى أن وزير خارجية الجزائر، اضطر ساعتها لتقديم الاعتذار أمام وزراء الخارجية العرب بسبب ترويج “قناة رسمية” جزائرية خارطة مبتورة للمغرب، واعتبر ذلك مجرد خطأ في “الغرافيزم” من طرف القناة، فكان اعتذار العمامرة عن بتر الصحراء من خارطة المغرب اعترافاً صريحاً من قلب العاصمة الجزائرية بمغربية الصحراء.
علاوة على ذلك، أشار نور الدين، إلى الإجماع الدولي في مجلس الأمن وخارجه على دعم المبادرة المغربية، “حتى لا تكاد تجد بلداً يعارض ما ذهبت اليه القرارات الأممية التي تلغي كل حلّ خارج السيادة المغربية وتنقض كل حل لا يوافق عليه المغرب، لأن هذا هو منطوق ومفهوم “الحلّ السياسي الواقعي والمتوافق بشأنه والمقبول من الاطراف” في القرار 2654.
وخلص الخبير في العلاقات الدولية، إلى أنه مع كل هذه المكتسبات لابد من التأكيد على أن الدبلوماسية المغربية مطالبة بحسم النزاع في اللجنة الرابعة للأمم المتحدة، لأنها السبيل الوحيدة لطي الملف الى الابد وبغير رجعة، مضيفا أنه “في انتظار ذلك عليها طرد الكيان الوهمي من الاتحاد الإفريقي اليوم قبل الغد لأن كل الشروط القانونية والسياسية متوفرة لذلك”.