لم يكن يدور في خُلد سعيد الناصري، الشخصية السياسية والرياضية المغربية البارزة، وهو يطأ صباح أمس الخميس 21 دجنبر الجاري محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، أنه لن يغادرها إلا صبيحة اليوم الموالي بعد ساعات طوال من الاستماع إليه من طرف نائب الوكيل العام للملك ثم قاضي التحقيق، لكن ليس في اتجاه الفيلا الفخمة حيث يقيم بأحد أرقى أحياء العاصمة الاقتصادية للمملكة، بل صوب المركب السجني “عكاشة”.
ليس الناصري وحده من كان يستبعد أن يزج به في السجن بموجب قرار قضائي يقضي بمتابعته في حالة اعتقال في انتظار جلسات التحقيق التفصيلي معه في قضية شائكة ومعقدة ترتبط ببارون مخدرات، وهو ما يفسر ربما حفاظه على هدوئه رغم طول ساعات الترقب داخل أسوار استئنافية البيضاء بينما أنظار الأمنيين مسلطة عليه وهو الذي لا يطيق عادة لحظات الانتظار حتى القصيرة منها، يؤكد مقرب منه لـ”الأيام 24″، بل إن طيفا من المتهمين بمعيته على ذمة نفس الملف والبالغ عددهم الإجمالي 24 شخصا، كانوا يشاطرونه نفس الأمر، بمن فيهم عبد النبي بعيوي، رئيس الجهة الشرقية للمملكة، الذي يتقاسم مع رئيس نادي الوداد الرياضي لكرة القدم نفس الانتماء الحزبي (الأصالة والمعاصرة) وأشياء أخرى.
قبل 21 دجنبر 2023، التاريخ الذي يشكل بداية منعطف فارق في مسار الناصري وبعيوي ومن معهما، كان قليلون من يعلمون أن تاجر مخدرات مالي ينعت بـ”إسكوبار الصحراء” يتهم كلا من رئيس مجلس عمالات الدار البيضاء وصديقه مالك واحدة من أكبر الشركات في المغرب العاملة في مجال الأشغال العمومية الكبرى، بالنصب والتزوير والسطو على أمواله، وهو بالضبط ما كشفته المجلة الأسبوعية الشهيرة “جون أفريك” الصيف الماضي وبالضبط بتاريخ 09 غشت 2023، مستعرضة تفاصيل تعرض بطل الحكاية إلى خديعة على أيدي سياسيين مغربيين، لم تكشف عن هويتهما آنذاك لكن المعطيات التلميحية المثيرة التي وردت في المقال كانت كلها تشير إلى أن المقصودين هما النصيري وبعيوي.
هو بارون مخدرات يدعى “الحاج أحمد بن إبراهيم”، وشهير بـ”المالي” لكون والده من مالي فيما أمه مغربية الجنسية، أطلقت عليه “جون أفريك” لقب “إيسكوبار الصحراء”، قياسا بالغزوات الكبرى التي كان يقوم بها في مجال الاتجار بالمخدرات.
يظهر مسار الصعود نحو الهاوية الخاص بهذا “الإسكوبار” المالي أن الصدفة التي لا يفكر فيها المرء عادة يمكن أن تقوده إلى الواقع الذي لا يفكر به تماما؛ وهذا بالضبط ما حدث لـ”أحمد بن إبراهيم” الذي فعلت به الصدفة فعلتها وهو الذي كان يعيش حياة تقليدية بسيطة يرعى الإبل، قبل أن تنقلب رأسا على عقب، عبر لقاء عابر مع رجل فرنسي كان تائها في صحراء مالي وسط قبائل الطوارق، ليعرض عليه مساعدته.
وامتنانا منه على حسن المعاملة التي تلقاها، منح الفرنسي للمالي سيارته، فقام الأخير ببيعها وأرسل الأموال لصاحبها الذي أدرك أنه أمام رجل ثقة فقرر إشراكه في النشاط الذي يزاوله وهو استيراد وتصدير السيارات بين أوروبا وإفريقيا، وكذلك كان. اشتغال “الحاج أحمد بن إبراهيم” في تجارة السيارات خصوصا وأنه يخبر الصحراء، مكنه من سبر أغوار دوائر العبور والطرق والجمارك، ليقرر الانتقال إلى تجارة أخرى من نوع آخر وهي الذهب حيث تمكن من نسج شبكة في منطقة الساحل والصحراء خصوصا وأنه يجيد التعامل، ليقوده “طموحه” نحو الاتجار في الكوكايين، ليتحول من مجرد راع للغنم إلى تاجر الممنوعات “نامبر وان” في منطقة الصحراء الكبرى، وجرب حياة الثراء الفاحش بكل ما تعنيه من جاه وحظوة ونفوذ وأخطبوط معارف، يشملون رؤساء دول وجنرالات أفارقة.
تقول “جون أفريك” التي رسمت ملامح “بروفايل” من أطلقت عليه لقب “إسكوبار الصحراء”، إنه كان مهووسا بحياة البذخ فإلى جانب امتلاكه جزيرة خاصة في غينيا وشققا في البرازيل وروسيا وأرضا في بوليفيا، يتوفر أيضا على فيلا فخمة في الدار البيضاء ومشاريع عقارية هائلة بجهة الشرق المغربية، وأسهم في فندق فخم في ماربيا الإسبانية، كما أن عالم النساء كان يستهويه مرجحة أن يكون له في كل دولة نجل علما أنه كان ينوي إغواء كاثرين دونوف وأنجلينا جولي ومغنية مغربية مشهورة.
لم تذكر الأسبوعية الفرنسية الظروف التي قادت “المالي” إلى التعرف إلى رجال أعمال وقادة سياسيين مغاربة، لكنها أفادت بأنه في سنة 2010 تعامل مع منتخب معروف يتحدر من وجدة وآخرين من شمال المملكة ومن إقليم زاكورة لنقل مخدر الشيرا إلى بقية القارة، مشيرة إلى أن هذه العلاقات تطورت إلى نقل وتهريب القنب الهندي والشيرا إلى إفريقيا واستيراد المخدرات الصلبة.
مغامرات إبراهيم في مجال الاتجار بالمخدرات كانت محفوفة بكل أشكال المخاطر، قبل أن يقع في عام 2015 بين يدي الدرك الموريتاني بأمر من “الإنتربول” بعد مطاردته في الصحراء الموريتانية على الحدود مع المغرب وهو على متن سيارة تحتوي على 3 أطنان من الكوكايين ومبالغ مالية كبيرة بالأورو، ومعه مغربي وجندي سابق في “البوليساريو”، وفقا للأسبوعية الفرنسية نقلا عن مصادرها الخاصة، مبرزة أنه تم الإفراج عنه بفضل شبكته التي كانت تضم بعض الجنود والقضاة الموريتانيين، ليتم اعتقاله مجددا من قبل قوات الدرك ويقضي أربع سنوات فقط داخل السجون الموريتانية بعد دفعه الكثير من المال.
بعد مغادرته السجن بموريتانيا في 2019 بعدما قضى فيه 4 سنوات، شرع “الإسكوبار الإفريقي” في مساعي استرجاع أمواله من شركائه المغاربة وغيرهم ممن كانوا يتاجرون بمعيته في المخدرات، غير أنهم رفضوا تسديد ما بذمتهم، يصل مقداره إلى أكثر من 3.3 ملايين أورو، تقول “جون أفريك”، مؤكدة أن رئيسا مغربيا لفريق كرة القدم استولى على فيلا في ملكية “المالي” بالدار البيضاء، بينما سلب منه منتخب من الجهة الشرقية شقته بنفس المدينة.
في نفس العام، قرر المعني بالأمر دخول التراب الوطني خصوصا بعدما تلقى تطمينات من شركائه المغاربة بكونه غير مبحوث عنه من طرف السلطات المغربية، غير أنه فوجئ بمجرد وصوله إلى مطار محمد الخامس بالدار البيضاء بأنه يشكل موضوع مذكرة بحث ليتم اعتقاله فورا، والسبب أن الشرطة كانت قد وضعت يدها على 40 طنا من القنب الهندي في الجديدة في باحة استراحة، وتم نقل هذه الشحنة بواسطة شاحنات مرتبطة بشركة يملكها “المالي”، لكنه باعها منذ ذلك الحين إلى رئيس جهة الشرق عبد النبي بعيوي، وبما أن الأخير لم يغير وثائق التسجيل فقد لبس “الحاج إبراهيم” التهمة لوحده.
واقعة الجديدة هي التي دفعت “إمبراطور المخدرات” يجزم أنه ضحية مكيدة دبرتها له شخصيات مغربية كان يتعامل معها في نشاطه غير القانوني بعدما أوقعته في فخ “شحنة المخدرات”، ليقوم برفع شكايات إلى القضاء المغربي الذي فتح بدوره تحقيقا في هذا الملف الثقيل الذي هزت نتفة واحدة منه فقط الرأي العام بالمغرب وجعلت كثيرا من السياسيين والوجهاء يضعون أيديهم على قلوبهم.