رئيس التحرير
شكّل تأكيد أنطوان فيليكس عبدواللاي ديومي، وزير النفط والطاقة السنغالي، التزام بلاده بالمساهمة في إنجاح المشروع الاستراتيجي لخط أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب، فرصةً لتبديد ما اعتبره “خبراء” جزائريون “تحديّا أمنيا سيشهده خط أنبوب الغاز المغرب-نيجيريا، وبالتالي سيعيق إمكانات تنزيله، لكونه يمرّ في مناطق تشهد توترات أمنية وسياسية”، وفق تعبيرهم.
حديث ديمومي هذا خلال تباحثه مع المغربيّة أمينة بنخضرة، المديرة العامة للمكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن، التي تجري زيارة عمل إلى دكار، يعزز التنزيل المرتقب للأنبوب، لا سيما وأن المسؤول السينغالي أشار إلى أنه من المقرر وضع “برنامج خاص بين السنغال والمغرب للمضي قدما في هذا المشروع الذي سيعزز التعاون جنوب-جنوب بين جميع بلدان المنطقة”، وبالتالي مواصلة الرهان على تحصين “الشق الأمني والاقتصادي”.
الخبير في المجال الطاقي مصطفى لبراق قال إن “التحديات الأمنية التي أعلن عنها أحد الخبراء في الجزائر تشكل أسطوانة قديمة يعاد تدويرها كل مرة بعدما اتّضح أن مشروع خطّ أنبوب الغاز المغرب-نيجيريا يتقدّم”، موضحاً أن “البلدان الإفريقيّة التي يمرّ منها هذا الأنبوب تظلّ تحدياتها الأمنيّة قابلة للاحتواء، وليست بتلك الخطورة التي كانت سبباً في تعطيل المشروع النيجيري الجزائري المتعلق بنقل الغاز”.
وسجل لبراق، أن “هذا الأنبوب يمر في البر والبحر، وشق كبير منه يمر تحت الساحل”، مؤكداً أن “الدّول ستعرف كيف تقوم بحمايته، والمغرب لديه أيضا اليوم مشروع آخر مرتقب لنقل الطاقة عبر البحر من الأقاليم الجنوبية نحو بريطانيا”، مشدداً على أن “الشق الأمني تعيره الدول أهمية كبيرة، وإلا لم يكن ليتعثر المشروع الجزائري لأسباب صرف أمنية رغم أنه أقدم من مشروع المغرب”، وزاد: “هناك تحديات جيو-سياسيّة وأمنيّة، ولكن المشروع يفرص نفسه عليها، وليس العكس”.
ولفت الخبير الطاقي إلى أن “هناك خطّة أمنيّة واضحة، والدول الشريكة ستواصل وضع وسائلها الخاصة في إطار سيادتها، لكون هذا المشروع سيستفيد منه 400 مليون نسمة، وبالتالي الجانب الأمني ليس ترفا بالنسبة للأطراف، بل هو ضرورة حتميّة لإنجاحه”، خاتماً بأن “المشروع أثبت نجاعته الاقتصادية والاستراتيجيّة والأمنيّة، وكانت دراسة جدواه كافيّة لكي تكشف أن المزايدات التي مازال يقولها الخبراء لا تضر بقيمة الأنبوب”.
محمد السحايمي، خبير في المجال الطاقي، قال إن “الشق الأمني الذي سيضمن نجاح الأنبوب لا يمكن أن يكون مغيبا، بل هو حاضر ومطروح”، مؤكداً أن “شراكة المغرب مع السينغال تشكل نوعاً من التأهيل لهذه الشّراكات مع كل دولة على حدة لضمان انخراط كل البلدان في حماية الأنبوب، لكونه يمر ببعض البلدان التي تشهد اضطرابات أمنية، لكن الشكل الذي تمنحه الجزائر، من خلال خبرائها، لهذا الموضوع، تهويلي فقط لهذه المسألة”.
وأوضح السحايمي، أن “الاتحاد الأوروبي بدوره شريك في هذا المشروع، وبالتالي فهو سيحرص على وضع التصور الكافي لتأمينه ولضمان عدم إلحاق أيّ أذى استراتيجي به”، مشدداً على أن “المغرب بدوره يعي المناورات التي يمكن أن تحدث، لذلك الجانب الأمني حاضر في توجهه نحو هذا المشروع، الذي سيضمن إمدادات الغاز للرباط وأيضاً للبلدان التي يفترض أن تستفيد منه، خصوصاً وأنه يمرّ عبر 11 دولة إفريقية”.
وتساءل الخبير الطاقي: “هناك أنبوب جزائري أيضا، وبالتالي لماذا لم يطرح الخبراء الجزائريون سؤال الأمن عنه؟”، مجيبا بأن “الأمر مجرد مزايدات، والمغرب سيسعى بمعية شركائه إلى تأمين المشروع، وهو أصلا يستجيب للمتطلبات الأمنية من خلال مروره تحت الماء، لكن كل بلد سيمر الأنبوب عبر ترابه أو سواحله سيوفر السبل اللوجستيّة المناسبة حتى يكون محميّا من أية مخاطر، خصوصا أن بعض الدول تعرف اضطرابات أمنية عالية في إفريقيا، وهذا كان نقطة قوة مقارنة مع الأنبوب الجزائري”.
وكان أكبيريكي أيكبو، وزير الدولة للموارد البترولية في نيجيريا، قد أفاد قبل أسابيع بأن “تشييد مشروع أنبوب الغاز النيجيري المغربي الذي سيزود الأسواق الأوروبية بالغاز، من المتوقع أن ينطلق العام المقبل”، مؤكداً أن “بلاده مهتمة بهذا المشروع الضخم الذي سيعبر أراضي مجموعة من الدول الإفريقية، على غرار بنين وتوغو وغانا وسيراليون والسنغال وموريتانيا، بالإضافة إلى المغرب ونيجيريا، مسجلا أن الجانبين أجريا محادثات حول التعاون والالتزام بالانتهاء من هذا المشروع”.
على الرغم من الاسئلة المتعلقة بمدى واقعية هذا المشروع من عدمه، وإمكانية إنجازه في ظل المدة المحددة، إلا أنه “يبقى مشروعا اقتصاديا طموحا بامتياز ومربحا لكل الدول التي يشملها، سواء المصدرة للغاز الطبيعي أو للدول المستهلكة له”، هكذا يختصر عبد الخالق التهامي، أستاذ الاقتصاد بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي في الرباط، الجدوى الاقتصادية لهذا المشروع. فنيجيريا ودول إفريقية أخرى تبحث عن ممر استراتيجي لإيصال الغاز الطبيعي الإفريقي إلى أوروبا التي تعد واحدة من بين اكبر المستهلكين لهذه المادة الحيوية في العالم.
بينما ترى أوروبا في المشروع واحداً من بين الخيارات التي قد يخفف عنها التبعية لروسيا في مجالي الغاز والنفط، كما وضح الأستاذ مصباح مناس، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الجزائر، فألمانيا وحدها تستورد نحو 30 بالمائة من احتياجاتها النفطية والغازية من روسيا، الأمر الذي دفعها إلى البحث عن بدائل أخرى، خاصة منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية وما صاحبها من ضم روسيا لجزيرة القرم.
مما لا شك فيه أن هذا المشروع سيفتح الباب أمام المغرب للدخول بقوة إلى منطقة غرب إفريقيا من بوابة الغاز النيجيري، ويسعى المغرب ليكون ضمن مجموعة دول غرب إفريقيا الاقتصادية، وهي سوق نشطة وواعدة في القارة الإفريقية، ما يعني أن التوجه الجيو- استراتيجي للمغرب بات يركز على العمق الإفريقي بدلاً من التركيز على العمق المغاربي، وهنا يؤكد عبد الخالق التهامي، أستاذ الاقتصاد في جامعة الرباط، أن هذا التوجه ليس بجديد، “فحينما عاد المغرب إلى الاتحاد الأفريقي وطلب الانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا، حينها حسم المغرب أمره بتوجه للعمل أكثر مع دول القارة الإفريقية. وهذا المشروع جاء ليكرس هذا التوجه، إذ من خلال هذا المشروع سيجني المغرب العديد من المصالح، خاصة تنويع مصادر الطاقة، خاصة في ظل ضبابية العلاقات القائمة بينه وبين الجزائر”.
وفي ذات الصدد يرى الأستاذ مصباح مناس، أن المغرب يبحث عن خطط بديلة لتخلص من تبعيته للغاز والنفط الجزائريين، مشيرا إلى أنبوب الغاز الجزائري الذي يمر عبر المغرب باتجاه إسبانيا ومن ثمة إلى أوروبا. فيما يشكك الأستاذ مناس في إمكانية تأثير مشروع أنبوب نيجيريا- المغرب على مكانة الجزائر الاستراتيجية كدولة مصدرة للنفط والغاز إلى أوروبا. وهو ذات الأمر الذي يركز عليه عبد الخالق التهامي، أستاذ الاقتصاد في جامعة الرباط، بأن الجزائر ليست الخاسر من خلال هذا المشروع، بل هو حافز للمغرب والجزائر لإعادة النظر في السياسات القائمة، وفهم المعادلة القائلة بأن المصالح الجزائر تمر عبر المغرب، وأن مصالح المغرب تمر عبر الجزائر”.