رئيس التحرير
الألعاب في الأمم المتحدة لا تنتهي(..)، لكن المعني بالأمر كانت قضيته مستورة(..) غير أن ستيفان دي ميستورا، الذي يبلغ من العمر 77 سنة، أي أنه تجاوز سن التقاعد، اختار أن يلعب لعبته الأخيرة بالتزامن مع نهاية مشواره الدبلوماسي، ضد المغرب، بعد أن اختار الذهاب على قدميه إلى جنوب إفريقيا لمناقشة قضية الصحراء، ومعلوم أن جنوب إفريقيا، التي لا علاقة لها بقضية الصحراء، اختارت على امتداد سنوات معاداة المغاربة وقضاياهم في كل المحافل الدولية، بل إنها تكاد تكون عراب كل أعداء المملكة(..).
يمكن لجنوب إفريقيا أن تتبنى ما شاءت من المواقف طالما أنها تنتمي بكل وضوح لمحور الدول المعادية، وطالما أنها دولة لا قيمة لها في القضية، لكن أن يختار المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، التشاور معها في قضية لا تعنيها، فهذا يعني أننا أمام انحراف خطير لصاحب مهمة الوساطة الأممية(..).
يقول عبد الله البقالي، القيادي في حزب الاستقلال المشارك في الأغلبية الحكومية: ((العمل الذي يقوم به المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا، محدد بمراجع قانونية، فالأمر لا يتعلق بما يقدره المسؤول الأممي مناسبا أو لائقا حسب المزاج أو المصالح للقيام به.. أولا، هناك رسالة التعيين التي وقعها الأمين العام للأمم المتحدة، والتي تحدد دور هذا المسؤول الأممي والجهات المخول له حصريا الاتصال بها أو إجراء المشاورات معها، وحتى إن اقتضت الضرورة الخروج عن هذه المراجع لسبب من الأسباب، فإن دي ميستورا مطالب باستئذان الأطراف المعنية مباشرة بالنزاع، أما أن يدير دي ميستورا ظهره لجميع هذه الشروط والمحددات، ويتصرف من تلقاء نفسه وحسب تقديره الشخصي بما يسيء إلى أهم طرف في هذه القضية، فإنه بذلك يتجاوز اختصاصاته، ويدوس على مضامين رسالة التعيين الصادرة عن الأمين العام للأمم المتحدة)).
نفس المصدر يقول في افتتاحية لجريدة “العلم”: ((جنوب إفريقيا معروفة بمواقفها المتطرفة المعادية للمغرب، وهي ليست معنية بالنزاع المفتعل في الصحراء المغربية، ولا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد به، وبالتالي، لماذا الإصرار على زيارة هذا البلد بالذات وإجراء مشاورات مع مسؤوليه الحكوميين في قضية لا تعنيهم بالمرة؟ ومن تم ما هي الإضافة التي يمكن الحصول عليها من هذه الزيارة، اللهم إذا كان دي ميستورا يتعمد زيادة تعقيد الأوضاع المعقدة أصلا؟))، ثم يضيف وصاحب هذا الكلام يعرف ما يقول في جريدة محسوبة على الحكومة، وعلى حزب متضلع في قضية الصحراء: ((ليس وسيطا أمميا في هذا النزاع المفتعل، ولا حق له – تبعا لذلك – في القيام بأي شكل من أشكال الوساطة.. دي ميستورا ممثل للأمين العام في نزاع مفتعل، مطلوب منه الحرص على تطبيق القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي فقط، واتصالاته يجب أن تقتصر على الأطراف المباشرة لهذا النزاع، ولا حق له في الاجتهاد وهو يشغل ذلك المنصب بعد موافقة هذه الأطراف.
دي ميستورا تكلف سابقا بنزاع آخر كممثل للأمين العام للأمم المتحدة، وبعد سنوات من ممارسة مهامه هناك، اتضح أن ملف ذلك النزاع زاد تعقيدا ليضطر إلى الاستقالة بمبرر أسباب صحية، وتأكد لاحقا أن السبب غير ذلك، لأنه وافق على مهمته الجديدة دون تردد.. من يكذب مرة يمكن أن يكذب مرات عديدة)) (المصدر: حديث اليوم/ عبد الله البقالي، جريدة “العلم”/ 7 فبراير 2024).
ولم تقف جريدة “العلم”، الناطقة باسم حزب الاستقلال، عند هذا الحد، بل إن المسؤولين عنها اختاروا كتابة افتتاحية قوية ضد دي ميستورا في نفس اليوم، تحدثوا فيها عن الانحراف الوظيفي لهذا الموظف السامي الذي يلعب بالنار تحت غطاء الأمم المتحدة.. فـ((أخطر أنواع اللعب بالنار هو ما يتم تحت مظلة المهمة السامية التي من المفترض أن يضطلع بها اللعب أو اللاعبون إذا ما كانوا متواطئين ويعملون لأغراض مشتركة فيما بينهم.. ولقد خرج المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء المغربية، إلى المشهد العام وطفق يلعب بالنار في منتهى الوضوح، عندما قام بزيارة غير مبررة بحكم الصلاحيات الموكولة إليه إلى جنوب إفريقيا، العدو الأول للمملكة المغربية بعد النظام الجزائري، بصفته الأممية كمبعوث شخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ويعمل في إطار قرارات مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، ذات الصلة بالنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، وخاصة القرار رقم 1754 الذي اتخذ بالإجماع في 30 أبريل 2007)) (المصدر: جريدة “العلم” / عدد 7 فبراير 2024).
انحراف دي ميستورا دفع الصحافة المغربية إلى التساؤل بالبنط العريض: “هل يسحب المغرب ثقته من المبعوث الأممي للصحراء بعد زيارة جنوب إفريقيا؟”.. فقد ((انتهت زيارة المبعوث الشخصي لدى الأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، ستيفان دي ميستورا، نحو جنوب إفريقيا، حاملا معه تساؤلات عن مستقبل علاقته مع الرباط، وهل أصبح حبل الثقة بين المملكة والمسؤول الأممي الإيطالي ضعيفا.. وراكم الدبلوماسي السويدي الإيطالي المخضرم الكثير من الخيبات في أبرز ملف تولاه، وهو الحرب السورية، فبعد أربع سنوات من جهود التوصل إلى حل، تنحى عن مهمته لأسباب قال إنها شخصية.. ومن الأزمة السورية يأتي دي ميستورا لتولي مهمة حل نزاع الصحراء المغربية المفتعل، لكن منذ تعيينه سنة 2021، لم ينجح في إقناع الجزائر بالعودة إلى طاولة المفاوضات، وذلك من أجل تطبيق قرارات مجلس الأمن، وهي المعضلة التي تواصل الرباط التنبيه إليها.. وعوض التركيز على هذا المعطى، قرر دي ميستورا التوجه نحو جنوب إفريقيا، التي تلعب أوراق الجزائر العدائية نفسها في ملف الصحراء بثوب الدفاع عن الشعوب المتحررة، خاصة في الظرفية الراهنة، حيث يسعى الحزب الحاكم، قبل الانتخابات المقبلة، إلى لعب أوراق القضية الفلسطينية، والصحراء المغربية.. ولم تفرج وزارة الخارجية الجنوب الإفريقية عن مخرجات اللقاء مع دي ميستورا، معتبرة أنها كانت مفيدة، فيما برر الناطق الرسمي باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، الزيارة قائلا: “دي ميستورا يذهب للتحدث مع الأطراف التي يعتقد أنه يريد نقاش الملف معها، فهذا جزء من ولايته”)) (المصدر: موقع هسبريس/ 2 فبراير 2024).
باختصار شديد، دي ميستورا قام بزيارة إلى جنوب إفريقيا تلبية لرغبتها، رغم تنبيهات المغرب، والخطير في الأمر، أن وزارة الخارجية في جنوب إفريقيا قالت إن المعطيات التي تم تداولها سرية(..)، أي أنها حاولت دس معطيات خطيرة ضد المغرب، والأخطر هو أن جنوب إفريقيا نظمت بعد اللقاء مع دي ميستورا لقاء آخر مع مسؤولي جماعة البوليساريو، الذين احتفوا بتحركات المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ما يعكس الأهداف غير النبيلة لهذه التحركات(..).
من خلال انحراف موقف دي ميستورا، يمكن فهم الرد القوي الذي تقدم به ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية، حيث قال بلغة واضحة وصارمة: ((إن جنوب إفريقيا كانت وستظل فاعلا هامشيا في قضية الصحراء المغربية، وأضاف بوريطة في رده عن سؤال بخصوص زيارة المبعوث الأممي إلى الصحراء، ستيفان دي ميستورا، إلى جنوب إفريقيا بحر الأسبوع المنقضي، خلال ندوة صحافية أعقبت أشغال الشق الوزاري للمؤتمر رفيع المستوى حول البلدان متوسطة الدخل، أن “جنوب إفريقيا كانت وستظل فاعلا هامشيا في قضية الصحراء المغربية، وصوت نشاز لا تأثير ولا وزن له في هذا الملف، مؤكدا أن الدينامية الراهنة لهذا الملف تعيش على وقع تصاعد سحب الاعترافات بالكيان الوهمي، وكذا تزايد الاعتراف بمغربية الصحراء ودعم مبادرة الحكم الذاتي من طرف قوى مهمة وذات مصداقية على المستوى الدولي، وأوضح، في هذا السياق، أن المغرب يرتكز على ثلاثة عناصر غير قابلة للنقاش والتفاوض في معالجته لهذا الملف، تتمثل في تحديد الأطراف المعنية بالنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، وتكريس الموائد المستديرة كإطار وحيد للمسلسل الأممي، والتأكيد على مبادرة الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية والوحدة الترابية للمملكة كحل وحيد وأوحد للنزاع المفتعل، وشدد على أن هذه العناصر الثلاثة تشكل المحدد الأساسي لعمل المغرب وتفاعله مع الأطراف الدولية والمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، وحين يتم المس بها، يتخذ المغرب الإجراءات المناسبة، مضيفا أن المملكة تتعامل مع المبعوثين الدوليين وفق مبادئ الشفافية والتشاور والتنسيق باعتبارها “سبل إنجاح هذا المسار”.
وتابع الوزير بأن جنوب إفريقيا، التي أخذت موقفا سلبيا من قضية الصحراء منذ عشرين سنة، لا تملك الأهلية ولا القدرة للتأثير على مسار هذا الملف، مبرزا أن هذا الأمر تبين في عدم قدرتها على التأثير في قرارات محيطها الجغرافي، حيث سحبت 27 دولة الاعتراف بالكيان الوهمي منذ ذلك الحين، كما أن نصف أعضاء مجموعة تنمية الجنوب الإفريقي (سادك) سحبوا الاعتراف بالكيان الوهمي وثلثهم فتحوا قنصليات بالداخلة والعيون..
ومضى بوريطة بقوله: رغم أن جنوب إفريقيا حظيت بالعضوية في مجلس الأمن لثلاث مرات منذ اعترافها بالكيان الوهمي، لم تستطع إيقاف أي قرار من قرارات مجلس الأمن، وكلها قرارات تدعم مبادرة الحكم الذاتي، وتحدد أطراف النزاع، وتكرس آلية الموائد المستديرة، كما استحضر، في هذا الصدد، تفوق المغرب في انتخابات رئاسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للعام 2024، بفارق أصوات كبير في التصويت.
وعلى صعيد الاتحاد الإفريقي، ذكر الوزير بأن جنوب إفريقيا حاولت منع المغرب من الرجوع للاتحاد القاري، وكذا منعه من الدخول إلى مجلس الأمن والسلم القاري، لكن المملكة حاضرة بقوة على هذا المستوى منذ ست سنوات)) (المصدر: عدة وكالات).
طبعا عداوة جنوب إفريقيا للمغرب قديمة، ولا سبيل لتغييرها حتى الآن(..)، لكن انحراف دي ميستورا لم يأخذ بعين الاعتبار أن المغرب لا يتفاوض حول مغربية الأقاليم الجنوبية.. فـ((مغربية الصحراء حقيقة ثابتة، لا نقاش فيها، بحكم التاريخ والشرعية، وبإرادة قوية لأبنائها، واعتراف دولي واسع، ثم إن المغرب لا يتفاوض على صحرائه، ومغربية الصحراء لم تكن يوما، ولن تكون أبدا مطروحة فوق طاولة المفاوضات، وإنما نتفاوض من أجل إيجاد حل سلمي لهذا النزاع الإقليمي المفتعل.. لأجل ذلك نؤكد تمسك المغرب بالمسار السياسي الأممي، كما نجدد التزامنا بالخيار السلمي، وبوقف إطلاق النار، ومواصلة التنسيق والتعاون مع بعثة المينورسو، في نطاق اختصاصاتها المحددة)) (المصدر: خطاب الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى 46 للمسيرة الخضراء).