رئيس التحرير
تسعى الجزائر إلى إحداث تغيُّر “معنوي” في مسار الأحداث بخصوص القرارات الدورية لمجلس الأمن حول قضية الصحراء، والتي أصبحت في السنوات الأخيرة محط ترحيب من لدن الرباط، في مقابل إغضابها لجبهة “البوليساريو” الانفصالية وقصر المرادية، وهو ما دفع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى التنسيق مبكرا مع نظيره الموزمبيقي فيليب خاسينتو نيوسي.
وبدا واضحا، خلال الاستقبال الرسمي الذي خص به تبون نظيره الموزمبيقي، الذي تدعم بلاده الطرح الانفصالي في الصحراء، أن الرئيس الجزائري يسعى إلى اعتماد موقف موحد من قرارات الأمم المتحدة، وخصوصا مجلس الأمن، بشأن هذا الملف، اعتمادا على عضويتهما غير الدائمة في المجلس والممتدة لسنتين.
واستحضر تبون قضية الصحراء في ندوة مشتركة مع نظيره الموزمبيقي، حيث قال “في ما يخص قضية الصحراء الغربية، آخر مستعمرة في إفريقيا، أكدنا على أهمية إيجاد حل عادل ودائم يكفل للشعب الصحراوي ممارسة حقه المشروع في تقرير المصير”، على حد تعبيره.
وشدد تبون على العمل المشترك مع نيوسي لاتخاذ موقف موحد داخل أروقة الأمم المتحدة، حيث أورد “ما دمنا، الدولتان، الجزائر والموزمبيق، عضوان غير دائمين في مجلس الأمن فلنا تطابق تام في الرؤى في ما يخص هذه القضايا، وبالخصوص القضية الفلسطينية وقضية الصحراء الغربية”.
وكان رئيس موزمبيق قد قال في الندوة نفسها إنه يُجدد للجزائريين التذكير بمرافقة دور بلادهم في “استتباب الأمن في منطقة شمال إفريقيا”، وأضاف “الجزائر وموزمبيق عضوان غير دائمين في مجلس الأمن، وسنعمل سويا على اعتماد مواقف مشتركة في الأمم المتحدة والمنتديات الدولية الأخرى، للحفاظ على السلم والاستقرار والازدهار بالقارة الإفريقية”.
ويأتي ذلك في ظل المساعي الجزائرية لتحقيق “تقدم معنوي” بخصوص القرار السنوي لمجلس الأمن الصادر في أواخر أكتوبر من كل سنة، والذي أصبح يمر دون اعتراض أي دولة، حيث تُصوت أغلبية الدول لصالحة، في حين يمتنع بعضها عن التصويت، وهو القرار الذي ترحب الرباط بمضامينه بسبب إشادته بمقترح الحكم الذاتي المغربي وتنصيصه على مسؤولية الجزائر في الملف.
وآخر مرة صوتت فيها موزمبيق على هذا القرار كانت في أكتوبر من سنة 2022، وحينها اختارت الامتناع إلى جانب روسيا، في الوقت الذي مر فيه القرار بأغلبية 13 صوتا من أصل 15، دون اعتراض أي بلد، وهو ما تكرر مع القرار الصادر في أكتوبر من سنة 2023، حين امتنعت دولتان فقط من التصويت عليه وهما كينيا وروسيا.
وحتى إذا ما صوتت الجزائر ضد القرار سنة 2024، فإن ذلك لا يكون له أي تأثير، كون أن 4 من الأعضاء دائمي العضوية يصوتون عادة لصالحه، ويتعلق الأمر بالولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا والصين، ومعهم تصوت أغلب الدول ذات العضوية غير الدائمة، في حين تختار روسيا الامتناع عن التصويت، ما يعني أنه لا يتم استخدام “الفيتو”، الكفيل لوحده، عمليا، بإسقاط القرار.
المملكة تفتح بشكل نهائي وبخطوات واثقة فضاءها الأطلسي أمام دول الساحل. أما الجزائر فتحاول، عبر صوت قائد جيشها، سعيد شنقريحة، محاكاة الحرب وتقيم مقارنة غريبة بين « القضية » الصحراوية وقضية فلسطين. كان ذلك في بداية الأسبوع، خلال زيارة إلى المنطقة العسكرية السادسة بتمنراست، على الحدود مع مالي والنيجر، وهما دولتان أثار النظام الجزائري غضبهما.
والأكثر من ذلك أنه بينما المغرب يفرض نفسه في خريطة العالم من خلال الفعل الدبلوماسي الذي يستحق الإعجاب وبناء شراكات مستقبلية، ماذا تفعل الجزائر؟ العودة إلى الحسابات الضيقة والقديمة من خلال اللعب بورقة التحالفات الظرفية. إن تصرفاتها في مجلس الأمن، الذي أصبحت عضوا غير دائم فيه لمدة عامين، يؤكد ذلك.
وهكذا، فبينما تحاول الجزائر بشكل بئيس الضغط على سيراليون، فإنها تتملق إلى موزمبيق. والبلدان هما أيضا عضوان غير دائمين في مجلس الأمن. وعوض استغلال الفرصة لجعل أفريقيا تتحدث بصوت واحد في هذا المنتظم الأممي، يرى الثنائي تبون-شنقريحة أنها فرصة أخرى… « لكسر » المغرب. أي العمل على إيقاف الإنجازات الدبلوماسية المغربية فيما يعتبره النظام المجاور نقطة ضعفه: الصحراء.