عزالدين السريفي
على بعد 7 ايام من إعلان ميلاد “دولة القبائل” قال فرحات مهني، زعيم حركة تقرير مصير القبائل في الجزائر (ماك)، ورئيس حكومة القبائل المؤقتة في المنفى (أنافاد)، إن “المغرب يتعاطف مع القبائل، وقد خطا خطوات مهمة في هذا الاتجاه منذ سنة 2015″، في إشارة إلى مواقف الرباط الداعمة لحقوق “الشعب القبائلي” في الأمم المتحدة، مبينا أنه “منذ ذلك الحين لم تراوح هذه الخطوات مكانها ولم تتقدم”.
وأضاف مهني، في كلمة متلفزة مُوجهة إلى شعب القبائل والرأي العام الدولي، بُثت الإثنين، أن “بلاد القبائل ممتنة للمغرب ولجلالة الملك محمد السادس على هذه الخطوة والموقف الذي كررته المملكة مرات عديدة”، معبرا في الوقت ذاته عن أمله أن تتطور علاقات الصداقة ما بين بلاده والمملكة المغربية إلى أبعد مما هي عليه اليوم، ومتابعا: “القبائل تتحمل دائما مسؤولية اختياراتها وستحترم دائما كل من قدموا لها المساعدة ولن تصبح يوما جاحدة تجاه المغرب الشقيق”.
وفي المقابل، قال رئيس حكومة القبائل المؤقتة في المنفى: “إنه من الجيد الذهاب بعيدا في علاقاتنا…لكننا في الوقت ذاته لا نفرض أنفسنا ولا يمكننا فرض أي شيء على المملكة المغربية، لأنها دولة ذات سيادة في اتخاذ القرارات التي تهمها، وهي تعرف أكثر من أي جهة أخرى أين تكمن مصالحها”، معتبرا أن “القبائل لديها أجندة تستحق الاحترام أيضا من قبل أصدقائها، فمثلما قال الملك محمد السادس بشأن قضية الصحراء فإن دعم حق الشعب القبائلي في تقرير مصيره هو المنظار الذي ننظر به إلى قيمة أصدقائنا”.
وأردف زعيم “ماك”: “القبائل اختارت الطريق السلمي لاسترجاع سيادتها كدولة، وسنعمل على الوصول إلى هذا الهدف بدون عنف، وهذا هو خيارنا الأول وخيارنا الحالي، فلا أحد منا لديه نوايا حربية، ذلك أن الحرب الوحيدة التي نود أن نشنها هي حرب إيصال المعلومة ودعم حقنا في تقرير مصيرنا”، وزاد موضحا في هذا الإطار: “نرفض حتمية أسبقية القوة على القانون ونؤمن بأسبقية القانون على القوة”.
وفي السياق ذاته، وحول طبيعة الدعم الدولي الذي تنشده حكومته، قال مهني: “نحن لا نطلب أسلحة أو معسكرات تدريبية لرجالنا، بل إن كل ما نطلبه دعم سياسي ودبلوماسي لكي نضع حدا للمناورات الجزائرية والحفاظ على سيادتنا في اتخاذ قراراتنا واختياراتنا التكتيكية والإستراتيجية”، داعيا كل القبائليين إلى الحضور بكثافة إلى مدينة نيويورك الأمريكية في الـ20 من أبريل القادم للمشاركة في إعلان ميلاد الدولة القبائلية.
وليست هذه المرة الأولى التي تعرب فيها حركة تقرير مصير القبائل في الجزائر عن رغبتها في تطوير علاقاتها مع المغرب، والحصول على اعتراف رسمي منه بها، إذ سبق لفرحات مهني أن عبر في حوار سابق عن أمله في افتتاح تمثيلية دبلوماسية لحكومته في الرباط.
وتتواصل الترتيبات والاستعدادات في واشنطن لإعلان ميلاد “الدولة القبائلية” المُرتقب في نيويورك يوم 20 أبريل الجاري الذي يصادف الذكرى 44 لما يعرف بـ”الربيع الأمازيغي”، والذي تمثل في حراك شعبي لسكان منطقة القبائل من أجل مطالب ثقافية وديمقراطية في الجزائر سنة 1980.
وتغطي الدولة القبائلية، التي تطالب «ماك» باستقلالها عن الجزائر. عدة ولايات: شرق ولاية بومرداس، ولاية تيزي وزو، ولاية بجاية، شمال ولاية البويرة، ولاية المدية، شمال ولاية برج بوعريريج، شمال ولاية سطيف، ولاية جيجل، شمال ولاية ميلة، غرب ولاية سكيكدة. كما تتوفر على شعب يفوق تعداد سكانه 14 مليون نسمة «ما بين 25 و30 % من مجموع سكان الجزائر»، يتحدث باللغة الأمازيغية، ولا تتوقف احتجاجاته ضد الطغمة الجزائرية، وله راية وطنية وبطاقة تعريف وجواز سفر ومنتخب رياضي للكرة، فضلا عن رياضيين في مختلف الرياضات يشاركون تحت الراية القبائلية وممثلين للجمهورية القبائلية، في بعض البلدان وملف ثقيل بهيئة الأمم المتحدة، إذ سبق لرئيس حكومة القبائل المؤقتة، أن طالب بإدراج «منطقة القبايل باللجنة الأممية الرابعة لتصفية الاستعمار»، وتسجيل «حكومة القبايل المؤقتة» في قائمة الشعوب التي لا تتمتع بحق تقرير المصير. كما سبق له أن رفع العلم الوطني الرسمي لبلاده «جمهورية القبايل المستقلة» في الـ 11 من أكتوبر 2015، أمام مقر الأمم المتحدة، في خطوة للتعبير عن رغبة «شعب القبايل» في الاستقلال عن نظام الكابرانات الجزائري. وذلك بعد قوة الدفع الكبيرة التي قدمها المغرب، على لسان عمر هلال، السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، لمنطقة القبائل في يوليوز 2021، حين قال وقتها موجها كلامه إلى رمطان العمامرة وزير الخارجية الجزائري: «إنه لمن المؤسف أن التطلعات المشروعة للسكان الأصليين في منطقة القبائل لا تزال تُنتهك في القرن الحادي والعشرين. إذ تُنتهك حقوق الإنسان الخاصة بهم بشكل يومي، ويتعرض ممثلوهم الشرعيون للاضطهاد، ويطارد زعماؤهم حتى وهم في المنفى». بل الأكثر من ذلك المغرب قام بتوزيع وثيقة رسمية على الدول الأعضاء في حركة عدم الانحياز، يكرس محتواها «دعما ظاهرا وصريحا» لـ «حق تقرير المصير للشعب القبائلي»، وذلك في سياق الرد بالمثل على الدعم «العدواني» الذي تمارسه الجزائر منذ نصف قرن لصالح انفصاليي البوليساريو. وهو ما أكده عمر هلال، في شتنبر 2023، حين وجه كلامه لممثل الجزائر لدى الأمم المتحدة: «إذا كنتم متعلقين بمبدأ تقرير المصير، و إذا كان هذا المبدأ مرتبط بتاريخكم، و في جيناتكم، لماذا لا تطبقونه عندكم؟ هناك شعب كان موجودا قبل تأسيس الدولة الجزائرية، إنه شعب القبائل».
وتستخدم حركة «الماك»، منذ تأسيسها، كل الإمكانات المتاحة من أجل تدويل قضية القبايل، حيث سبق لها في دجنبر 2013، أن طالبت بتدخل أوروبي بقيادة فرنسا من أجل حلّ الأزمة الإثنية التي اندلعت في مدينة غرداية بين بني ميزاب «أمازيغ» والشعانبة «عرب». كما دعت دول الاتحاد الأوروبي إلى إلغاء الاتفاقيات الاقتصادية التي تمّ إبرامها مع الجزائر كإجراء عقابي لها.
ويعمل نظام الكابرانات دائما على إثارة القلاقل ببلاد القبايل التي أثبت أبناؤها، منذ 1963 إلى اليوم رغبتهم في الانفصال عن النظام العسكري الذي ينكر هويتهم الأمازيغية ويقمع تطلعاتهم للاستقلال ويعتقل مناضليهم في سجونه. مما دفع بآلاف القبايليين إلى الهرب نحو الخارج، وتحديدا نحو فرنسا التي تضم 800 ألف قبايلي وكندا «300 ألف قبايلي»، والولايات المتحدة الأمريكية «200 ألف قبايلي»، فضلا عن مجموعة من الوجهات الأوروبية الأخرى.
وإذا كانت حركة «ماك» قد أعلنت عن تشكيل الحكومة القبايلية في باريس، فإنها اختارت أن تعلن قيام الدولة القبايلية المستقلة من نيويورك الأمريكية، وهي الخطوة التي من المنتظر أن يشارك فيها القبايليون بالولايات المتحدة الأمريكية، ليمنحوا تلك اللحظة التاريخية الزخم الذي تستحقه، وأيضا للبحث عن الدعم الدولي في هذا الاتجاه. ويجوب فرحات مهني، مجموعة من المدن الأمريكية التي يقيم فيها القبايليون، فضلا عن مدن فرنسا ومدن بعض بلدان أوروبا للتعريف بسياق قيام «الجمهورية القبايلية» التي أعلن عن تاريخ تأسيسها في الخارج، كما قام بمراسلة مجموعة رؤساء الدول، بمن فيهم الملك محمد السادس، ومسؤولي المنظمات الدولية بصفته رئيس «جمهورية القبايل المستقلة».