عندما يصف البيطري الجزائري محمد دومير الذي يعتبره الجزائريون ونظام الكابرانات بمثابة المؤرخ الرسمي أرض تندوف بأنها أرض صحراوية وجزء من “جمهورية الصحراء الغربية” المزعومة، فهذا يعني أنّ النظام الجزائري قد باع فعلا هذه القطعة من الصحراء الشرقية لعصابة البوليساريو على الرغم من أنه لم يعلن ذلك. يعتقد الكثير من المواطنين الجزائريين الذين يعيشون تحت ماكينة التضليل الإعلامي أن عناصر البوليساريو يعيشون في مدن السمارة والعيون والداخلة ولا يعلمون أن أفراد هذه العصابة يستقرون منذ زمن طويل في مدينة تندوف المحرّمة بالمناسبة على المواطن الجزائري الممنوع من دخول هذه المنطقة.
زار محمد دومير وناشط جزائري يدعى أحمد حفصي تندوف وعندما أرادا التعليق على هذه الزيارة لم يترددا في وصف المدينة بأنها جزء من “أراضي الصحراء الغربية”، وسواء فعلا ذلك عن وعي أم جهل فإنّ كلامهما يعكس من جهة قدر التضليل الذي تعرّض إليه المجتمع الجزائري فيما يتعلق بموضوع الصحراء المغربية، ومن جهة أخرى حجم المشكلة التي ورّط فيها هذا النظام الشعب الجزائري بعد أن تحوّلت عصابة البوليساريو رسميا إلى دولة داخل الدولة، عاصمتها تندوف، لا تحتاج إلا إلى تعيين سفير جزائري يمثل الدولة الجزائرية ومصالحها في هذه الجمهورية الواقعة في الصحراء الشرقية. وإذا كان بعض الجزائريين اليوم غير مدرك لخطورة هذه الورطة فإنّ مستقبل هذا النزاع المفتعل سينتهي لا محالة بإنشاء دويلة جديدة عاصمتها تندوف.
هذا هو المسار الذي تتجه نحوه الأمور مع هذا التضليل الشامل الذي يمارسه النظام على الشعب الجزائري. كيف يُعقل أن يصل الأمر إلى درجة الاعتقاد أن هناك أراضٍ “محرّرة” يسرح ويمرح فيها الانفصاليون؟ وكيف يصدق شعب عاقل في زمن العولمة ومواقع التواصل الاجتماعي أن الجبهة الانفصالية التي فرّ عناصرها من الكركرات وتركوا وراءهم أحذيتهم يتحكمون في معابر الحدود بين المغرب وموريتانيا؟ لا تريد عصابة العسكر في الجزائر أن تصدق أن قضية الصحراء المغربية قد حُسمت وانتهت إلى غير رجعة، بعودة الأرض إلى أهلها الذين يعمّرونها اليوم بما تستحق من عناية وتنمية وبناء وتدشين. وإذا استمرت هذه العصابة في حالة الإنكار التي تغرق فيها فإنها لا محالة ستستفيق على ما هو أكثر خطورة وتأثيرا في استقرار هذا النظام.
وما ستستفيق عليه هو هذه الدولة داخل الدولة التي أضحت تمثلها جبهة البوليساريو، ليس بقيادتها وكتائبها المسلحة والمحتجزين الذين تستخدمهم كدروع بشرية فحسب. إنها دولة داخل الدولة لأنّ قرارات النظام الجزائري كلّها أضحت مرتهنة اليوم لمشكلة الصحراء المغربية ومعاداة استقرار المغرب ووحدته. ولعلّ أكبر دليل على ذلك هو المهزلة التي عشنا على إيقاعها في الأسبوعين الماضيين عندما قرر النظام العسكري حرمان نادٍ في كرة القدم هو اتحاد العاصمة من مواصلة مسيرته الموفقة في بطولة الكونفدرالية الإفريقية لأسباب لا علاقة له بها، ولا ناقة له ولا جمل فيها. أليس توجيه القرارات الرياضية والثقافية والاقتصادية بناء على توجهات الدولة في ملف الصحراء المغربية شكلاً من أشكال ظهور “دولة داخل الدولة”؟ أليس المقصود بالدولة داخل الدولة تلك الجماعة أو العصابة التي تؤثر في قرارات السلطة المركزية؟
هذا ما يحدث بوضوح وبساطة اليوم في الجزائر. مستقبل الشعب الجزائري المقهور بأزمات التضخم والغلاء والفقر والبطالة مرهون لدعم عصابة عسكرية من خيراته وثرواته الوطنية. رياضته وأنديته الكروية تدفع الثمن لأجل عصابة انفصالية مسلحة. إعلامه وصحافته التي يجب أن تهتم بقضاياه ذات الأولوية مصادرة لصالح قضية العصابة الانفصالية المسلحة. سياسات بلاده التي يُفترض أن توجّه كلّها نحو خدمته وتطوير مؤهلاته وتلبية احتياجاته كلّها أسيرة لمستقبل العصابة الانفصالية المسلحة. أليست إذن جبهة البوليساريو دولة داخل الدولة؟
