نبيل هرباز
أحيانا افكر لوكتب لي أن أكون من الصحراويين المحتجزين بمدينة تندوف كيف كنت سأفكر …..بحكم سني طبعا كنت سأكون من مواليد المخيمات بتندوف، …وأكيد كنت سأتلقى منذ الصغر دروسا في مدارس هشة ستعمل على تأطيري أكثر من تعليمي ، كانت حتما ستقنعني بأنني مظلوم ومسلوب الوطن ، من طرف دولة استعمارية توسعية إسمها المغرب، دولة تنهب خيرات بلادي ، وتستعبد إخوتي ممن بقوا بالوطن، تسجن من تسجن ، وتعذب من تعذب، وتقتل من تقتل منهم دون حسيب ولا رقيب ، وهذه هي جملة والأفكار والأحقاد التي سيكون على المدرسة أن تملأ بها عقلي ورأسي ، وسيزكيها التأطير والأدلجة المروجة بالمخيمات، والمدعومة بأخبار وبرامج إذاعة راديو البوليزاريو وراديو و تلفزيون الجزائر … وسائل الإعلام الوحيدة التي كانت تسمع وترى بمخيمات تندوف سابقا ، البرامج التي كانت لا بد أن تبدأ بموسيقى وأغاني حسانية كلها حنين للصحراء الغربية المسلوبة ، وبكاء على أرواح الشهداء الذين قتلهم العدو المغربي الغاشم ، أغاني تهيج وتحمس شباب الصحراء بالمخيمات وتستهدف حتى شباب الصحراء الغربية كلها تصلها موجات راديو البوليزاريو ، تحمسهم للجهاد والمقاومة لتحرير أرضهم و أبنائهم المضطهدين بالوطن، برامج تقنع الشباب بتندوف بأنهم محظوظون لأنهم يعيشون العزة والكرامة بمخيمات تندوف، … ولأنهم مدعومين بعناية وشهامة دولة الجزائر التي تحتضنهم لوجه الله ، فضلا منها وإحسانا، لتحميهم من قتل المغرب الذي يتربص بهم ، الجزائر التي تضحي و تدعمهم طوعا بالمال والسلاح وحتى الرجال دون أن ترجو منهم لا جزاء ولا شكورا …فقط لأنها دولة مباديء ، حرة ،وترفض الظلم ..، …. وكان طبعا كل هذا سيجعلني اكره حتى الموت دولة إسمها المغرب …حتى قبل أن أعرفها…لأنه سيكفيني ما سمعته عنها ممن حولي …..لكن مع مرور الوقت …ومع وصول الأنترنيت للعالم وإتاحة المعلومة الحقيقية … كنت سأطلع على الحقيقية …وسأكتشف أن كل من قال لي أنني أعيش في مخيمات العزة والكرامة، كذب علي ..لأنني سأكتشف أنني أعيش على تسول المساعدات …سأكتشف أن الجزائر ..تمسك خيوط الدمى زعمائنا الذين باعونا لها …وهي من تحركهم كيفما شاءت…وأنها تفعل ذلك بنا … لمصلحتها الخاصة التي تريد عبرها أن تأخذ الصحراء المغربية لتستفيد من خيراتها وتطل على المحيط، ولتحاصر المغرب جنوبا …سأكتشف أنني كنت مغفلا لأنني لم أصدق أنني مغربي الهوية …وأن الصحراء مغربية وأن إخوتي الصحراويين الذين يعيشون فيها ..يعيشون عيشة بدخ وحرية وليسوا عبيدا كما قيل لي ، ولا ينتظرون مني أن أحررهم ، ولا أن أقرر مصيرهم ….لأنهم قرروه عندما رفضوا الانفصال ، وعندما يشاركون في إنتخابات حرة نزيهة مراقبة دوليا ويختارون من بينهم من يمثلهم بالبرلمان ، ومن يسير شؤون جماعاتهم القروية والحضرية ويخططون لتنميتها ، كل هذا يدل على أنهم قرروا مصيرهم وقالوا نحن مغاربة، …سأرى عمران العيون ومدن الصحراء والبنى التحتية التي تزخر بها والتي لا تتوفر على ربعها حتى ولاية تندوف بالجزائر …
، سأكتشف بأن الصحراء الغربية التي استعمرتها إسبانيا لمدة 91 سنة ظلت فقيرة ولم تنمى لتشبه يوما ما في عمرانها مدن إسبانيا لأعرف أن إسبانيا استعمار ، بينما الصحراء منذ أن استرجعها المغرب هذه مدة 49 سنة فقط …أصبحت في مستوى مدنه الشمالية إن لم تكن تتفوق عليها في العمران والبنيان والمرافق لأعرف أن المغرب استقلال …سأعرف أن الموسيقى الحسانية التي تحمسنا بها إذاعة البوليزاريو لإستعداء المغرب ..تداع إعلاميا حتى في المغرب ، وتسمع بحرية دون أي حرج مثلها مثل باقي الأغاني الجهوية ، كالطقطقة الجبلية، والأغاني الريفية و الزمورية و السوسية، وغيرها …وأن الحسانية ترمز فقط لخصوصية ثقافة جهة من جهات المغرب وتأكد ثراء تنوعه وليست خاصية تدل على عدم انتماء وتدعو للإنفصال، لو كنت من شباب تندوف كنت سأتأمل الصور ادناه في التعاليق والفيديو المرفق وأرى كيف كانت مدينة العيون مهملة أيام الإستعمار الحقيقي ، وكيف بنيت بعد عودتها لوطنها المغرب ، تم أتأمل الصورة التي تبدو فيها امهات وبنات بريئات في المخيمات تعشن عيشة الذل والقهر والحرمان، وأتأسف …وأقول أن الجزائر ظلمتنا، وأن قصتها معنا …شبيهة بقصة أطفال صغار سرقتهم عجوز شمطاء من أمهم الجميلة الحنونة، و أفهمتهم العجوز أنهم ليسوا أبناء الجارة ، وإنها مجرد وحش يريد إذاءهم ، للأسف صدقوها ولم يأبهوا لابتسامة أمهم في وجوههم ، ولم يصدقوا بأنها أمهم ، ولم يستجيبوا لدعواتها…ليعيشوا عقوق الأم ويخسروا دنياهم ….لوكنت منهم لكفرت بالعجوز …وبعملائها …ولعدت بأية وسيلة لبلدي ،لأنسى الماضي وأعيش العزة والكرامة الحقيقية.