نبيل هرباز
كل متتبع للشأن السياسي الفرنسي يعرف أن شعار فرنسا الذي تبنته منذ عهد الجمهورية الثانية أي سنة 1848 ولازالت تعمل به حتى اليوم
هو شعار : حرية ، مساواة، أخوة،
لكن إذا كنا نسلم بأن هذا هو الشعار الذي تتبناه فرنسا ، وعلى اساسه بنت أسس سياستها ومباديء حكمها منذ عهد الجمهورية الثانية سنة 1848م ، حتى اليوم …. الجنيرال ديغول الذي طبع تاريخ فرنسا كلها وحكمها بصفته رئيسا للجمهورية منذ سنة 1959 إلى غاية 1969،.كيف يمكن لنا إذا أن نفسر تصريحه الذي قال فيه: الدول ليس لها أصدقاء ، بل فقط مصالح….،وهل يمكن لنا أن نعتبر أن قوله هذا ، تناقض من ديغول أو إلغاء للعمل بشعار فرنسا الذي لا زلنا نراه يرفع حتى الآن في كل المواعيد السياسية الفرنسية شعار : ( حرية ، صداقة ، أخوة )، وأين هذا الشعار من مقولة الرئيس الجنيرال، أن مبدأ التعامل بين الدول يتجاوز قيم الصداقات إلى لغة المصالح ، الحقيقة أن لا ديغول ولا غيره من رؤساء فرنسا ،سبق له أن تنكر لشعار (حرية ،مساواة ، أخوة )، أو شطب عليه أو ألغاه من السجلات الرسمية لبلاده، لكن الذي وقع هو أن فرنسا تركت هذا الشعار للإستهلاك الداخلي ، تعمل به فيما يتعلق بسياستها الداخلية، .. وداخل ترابها …وبين مواطنيها،….فقط لا غير ..أما فيما يتعلق بسياستها الخارجية، وعلاقاتها بالدول. فأكيد أن فرنسا …تتنكر لمباديء، الحرية، والصداقة ، والأخوة، إن كانت تتعارض مع مصالحها، وفي هذه الحالة ففرنسا لا تعمل بهذا الشعار ولا تريد سماعه ….وإن طلب منها الحديث عنه اكيد ستجيب بأنها لا تعرفه ……لأنها في هذه الحالة لاشيء يعلوا عن مكاسبها ، …لتستفيد كدولة …ولينعكس ربحها على شعبها بالإيجاب سواء فيما يتعلق ، بأمنه ،أو تطوره ، أوإزدهاره..وهذا هو الاساس الذي تعيش به ، ومن أجله فرنسا إلى يومنا هذا ، أما غير ذلك لا يهمها في شيء .. أما إن سألني احدكم عن وجهة نظري في الموضوع، فسأقول له، أنا إنسان براغماتي واقعي، وأنا أرى أن الدول لا يجب أن تسير بالعواطف النبيلة لا لأصحاب القرار فيها، ولا لشعبها، …لأن لغة العواطف والأخلاق والمباديء، حتى وإن كنا نتعامل بها في حياتنا الخاصة، وبيننا كأفراد في مجتمعاتنا، فإنها لا تسمع بين الدول، ولا قيمة لها إلا إن كان معها ربح ملموس وواضح يشجع على التعامل بها، أما إن بادرت دولة بنهجها في سياستها دون ضمانات، فقد تستغل أسوأ استغلال من دولة أو دول أخرى، لتطعن بعد ذلك في الظهر طعنة غادرة مؤلمة … ،وقد تكون قاتلة تؤدي لا سامح الله إلى الهلاك المبين، لذا فكما أنه من الواجب على من يسير دولة ما، أن يبتعد عند تسييرها عن التصرف وفق ما تمليه عليه مصالحه وأرباحه الخاصة وفق حسابات نزواته ورغباته الشخصية، فعليه أيضا أن لا يتأثر بمبادئه وأخلاقه، عندما يتخد قرارات من حجم قرارات دولة، .. وليترك مشاعره، وعواطفه جانبا……والدرس التطبيقي أو المثال الحي الذي أريد أن أضربه لكم هنا، … قراء هذا المقال ….هو ما قام به جلالة الملك محمد الخامس رحمه الله عندما تعامل بأخلاقه العالية ووازعه الديني …ونظر بعاطفة الشفقة وأخلاق الأخوة والتضامن للجزائريين انذاك ،… عندما عرضت عليه فرنسا بأن ترسم معه حدود المغرب التي تفصله عن الجزائر الفرنسية أنذاك ، وكان بإمكانه أن يقبل ويشترط على فرنسا تسليمه صحراءه الشرقية التي احتفضت بها بعد تمكين المغرب من إستقلاله، وكانت فرنسا حتما سترضى وتقبل بذلك ….، لكن محمد الخامس رفض طلب فرنسا ..وسبب رفضه هو أنه كان يعلم علم اليقين أنه إن جلس مع فرنسا، وسطر حدوده معها ، وسلمته فرنسا صحراءه الشرقية، سيصبح بمقتضى إتفاق ترسيم الحدود هذا معترفا رسميا بسيادة فرنسا على الجزائر ، وسيصبح ملزما ببسط نفوذه وجيوشه على كل الأراضي الحدودية التي ستصبح رسميا تابعة للمغرب بمقتضى الإتفاق، و سيصبح مسؤولا بحكم القانون الدولي عن أي اختراق ينطلق من الحدود المغربية المرسمة لمهاجمة الجزائر الفرنسية ، ومعناه أنه سيضطر لضبط الحدود و تقييد نشاط ثوار الجزائر فوق تراب المغرب، ومنعهم من إدخال الأسلحة عبر أرضه للجزائر والقيام بعمليات فدائية تم الفرار إلى المغرب …، وإن فعلوا ذلك فإنه سيكون ملزما ومضطرا لتسليمهم لفرنسا لتحاكمهم كإرهابيين، وهو الشيء الذي كان من شأنه أن يمنع أو على الأقل يؤخر استقلال الجزائر ، فما كان من محمد الخامس رحمه الله إلا ضحى بالإستعجال في استرجاع صحرائه الشرقية من فرنسا ..من أجل دعم استقلال الجزائر، وهو متيقن أن استقلال الجزائر قادم لا محالة ، وأن الجزائريين سيعترفون له بدعمهم وبمواقفه معهم، وسيسلمون له ضحراءنا الشرقية بعد استقلالهم … فما كان عليه إلا أن رفض طلب فرنسا لترسيم الحدود … ووقع اتفاق مع حكومة الجزائر في المنفى برئاسة فرحات عباس، تعترف فيه بحق المغرب في استرجاع صحرائه الشرقية التي ضمتها فرنسا للتراب الجزائري،… لكن الذي حدث بعد استقلال الجزائر، هو أنها طمعت في أرض جارها المغرب … ودفعت الأموال …واستعانت بكل الدنيا … بمستعمرتها فرنسا ونفوذها ..، وبمصر عبد الناصر وما له من علاقات أنذاك بإفريقيا ، ..وبدول عدم الإنحياز، وبالمعسكر الإشتراكي، و الكل تكالب معها ضد المغرب، لتستولي له عن صحرائه الشرقية طمعا بما فيها من خيرات … مخترعين لذلك مبدءًا باطلا يدعى مبدأ الحدود الموروثة عن الإستعمار، وهكذا سرق منا الجزائريون في واضحة النهار صحراء المغرب الشرقية دون أن يرف لهم جفن ، أو أن يخجلوا من الإعتداء على من أحسن إليهم …خلاصة القول : عندما قال ديغول ما مفاده أن الدول لا تلتفت للصداقات عندما تتعارض مع المصالح، فالرجل قال حقا واقعا، أما الجزائر تربية ديغول فتجاوزت كلامه لتبدع وتقول : دولة الجزائر في سبيل تحقيق مصالحها …لا يهمها أن تطعن في الظهر ..أو تخون …أو تسرق، أو تنهب او حتى تقتل …. الجزائر في سبيل تحقيق نزواتها …لا مباديء لها ولا أخلاق ……