يعود الفرقاء الليبيون للمغرب من أجل البحث مجددا عن توافقات لتجاوز الأزمة المستحكمة في هذا البدل المغاربي، والتي تمنع عودة الحياة الطبيعية، في ظل الانقسام الكبير بين المكونات المتحكمة في تدبير ليبيا.
ووفق ما تم تداوله من أخبار، يرتقب أن يحتضن المغرب، أواخر شهر يوليوز الجاري، اجتماعات جديدة للفرقاء الليبيين، بغرض التوافق على عدد من النقاط الخلافية، خاصة السعي نحو تشكيل حكومة جديدة يوكل لها أمر الإشراف على الانتخابات البرلمانية والرئاسية المرتقبة.
واستنادا للمصادر ذاتها، فإن هذه المشاورات المرتقبة ينتظر أن يشارك فيها رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، ورئيس مجلس النواب صالح عقيلة ورئيس مجلس الدولة محمد تكالة.
ومن شأن هذه المشاورات المرتقبة أن تحلحل الوضع السياسي المتأزم في هذا البلد المغاربي، في ظل استمرار التجاذبات السياسية بين عدد من الأطراف، في ظل تزايد التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية لليبيا، والتي تصعب من أمر التوصل لحل مقبول من طرف جميع الأطراف، وهو ما يؤدي ثمنه الشعب الليبي المنقسم على نفسه.
وتشكل المراهنة على المغرب لاحتضان مشاورات الفرقاء الليبيين السمعة الطيبة التي تتمتع بها المملكة من طرف الجميع، واقتناعهم بحياد المغرب في تعاطيه مع الملف الليبي.
وكانت بصمة المغرب واضحة في عدد من المحطات الرئيسية في الأزمة الليبية، فمن بوزنيقة إلى الصخيرات، إلى طنجة، كانت مدن المملكة ملجأ للعديد من الاتفاقيات التي تم توقيعها وساهمت في تحجيم الأزمة الليبية، وهي القناعة التي اعترف بها كل الفرقاء الليبيين، مثمنين حياد المملكة وإصرارها على رعاية هذه المفاوضات دون تدخل بأي شكل من الأشكال لفائدة طرف على طرف آخر، كما حاولت الجزائر في أكثر من مناسبة، وفشلت مساعيها كليا.
وبدأت مساعي المملكة للوساطة في الأزمة الليبية منذ سنة 2015، حين احتضنت مدينة الصخيرات، وبإشراف أممي، أولى المشاورات بين فرقاء الأزمة الليبية، حيث توافد العشرات من البرلمانيين الليبيين على المدينة بغرض التوافق على تشكيل حكومة وفاق وطني.
كما احتضنت مدينة بوزنيقة خمس سنوات بعد ذلك، مشاورات جديدة في 2020 بغرض استئناف المسار السياسي وإيجاد مخرج جديد للأزمة الليبية، وذلك بعد عودة الصراع العسكري بين الفرقاء، حيث كان اللقاء مناسبة لبحث عدة مسائل، أهمها تثبيت إطلاق النار وبحث آليات اختيار المناصب السيادية وتوحيد مؤسسات الدولة الليبية.
وبالرغم من عدم تحقق الحل السياسي الموحد للشعب الليبي، بسبب تعقد الوضع في ظل وجود تدخل دولي في الأزمة، وتحول ليبيا لمنطقة تجاذبات دولية، ظل المغرب مصرا على تشجيع الحوار والحل الديبلوماسي لتجاوز الأزمة وقطع الطريق على كل الجهات التي تحاول تحويل ليبيا لمنطقة غير آمنة، فاتحا أبوابه لتشجيع الحوار.
وهذا ما أكده وزير الخارجية بوريطة في عدد من المحطات، مصرا على أن تعليمات جلالة الملك تسير دائما في اتجاه تشجيع الحوار والتزام المملكة بالحياد، حيث أكد بوريطة، في لقاء لمجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي في 18 أبريل 2023، أن المغرب يقدم كل أوجه الدعم لليبيا حتى تصبح دولة قوية وديمقراطية بمقدورها المساهمة في الدفع بالاندماج المغاربي، وأن موقف المملكة المغربية من القضية الليبية يظل ثابتا وواضحا، قوامه تقديم كل أوجه الدعم حتى تصبح ليبيا دولة قوية وديمقراطية بمقدورها المساهمة في الدفع بالاندماج المغاربي، في إطار من الوحدة والعمل لما فيه مصلحة الشعوب المغاربية الخمس، حيث تعتبر المملكة المغربية ليبيا شريكا أساسيا في بناء الفضاء المغاربي وتحقيق طموحات الشعوب المغاربية في الاندماج والتنمية.
وسجل بوريطة في هذا اللقاء أنه طبقا للتوجيهات السامية لجلالة الملك محمد السادس، كانت المملكة من السباقين لمواكبة الجهود التي يبذلها الفرقاء الليبيون لتجاوز المرحلة الانتقالية الدقيقة التي تمر بها ليبيا الشقيقة، ولتحقيق تطلعاتها في بناء دولة ديمقراطية متضامنة وموحدة في سيادتها وترابها ولحمتها الوطنية، مبرزا أنه، ومنذ بداية الأزمة، انخرط المغرب بكل عزم ودينامية، في الجهود الدولية والإقليمية الرامية إلى التوفيق بين الفرقاء الليبيين وتيسير مساعيهم لإيجاد حل متوافق بشأنه، داعيا على الدوام إلى تبني مقاربة شمولية، أساسها الحوار والتوافق من أجل بناء دولة المؤسسات.
كما شدد بوريطة على أن المغرب يقف، ملكا وحكومة وشعبا، إلى جانب الشعب الليبي الشقيق، ويؤكد في كل مناسبة على ضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية والترابية لدولة ليبيا، ويعتبر أن اعتماد الحوار الوطني بمشاركة كافة مكونات الشعب الليبي هو السبيل الوحيد لتجاوز هذه المرحلة.
ومن أجل هذا المبتغى، واصل بوريطة، عملت المملكة المغربية في إطار جهودها المتواصلة لحلحلة الأزمة الليبية على تقريب وجهات النظر بين مختلف الفرقاء الليبيين، من خلال فتح الحوار بينهم وتوفير الأجواء لذلك، والمراهنة على أن الحل لا يمكن أن يكون إلا ليبيا وسياسيا، وأن الصعاب لن يتم تجاوزها إلا بالحوار الهادئ وتغليب المصالح الليبية.