عز الدين السريفي
اعتراف ثمين تلك الذي أعلنت عنه دولة فنلندا أمس الثلاثاء، بعدما أقدمت على دعم مخطط الحكم الذاتي واعترافها بمغربية الصحراء، في الوقت الذي يشهد فيه هذا الملف دينامية متطورة وزخما عال المستوى، وذلك بعد دخول فرنسا باعتبارها صاحبة قلم بمجلس الأمن الدولي إلى قائمة الدول الداعمة لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.
ويأتي هذا الاعتراف بعد زيارة قام بها وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة إلى هلنسكي، تكللت بخطف اعتراف جديد بعيدا عن المواقف الدولية التقليدية، على اعتبار أن فنلندا من أوائل الدول الإسكندنافية المتموقعة شمال أوروبا التي تدعم قضية الصحراء المغربية.
وعلى هذا الأساس، من المتوقع أن يدفع هذا الاعتراف الجديد الذي ينضاف إلى سلسلة الاعترافات الدولية بأطروحة الرباط على المستوى العالمي، ودحض سردية جبهة البوليساريو التي بدأت تسقط أوراقها من شجرة التعاطف الدولي، واقتراب القضية الوطنية الأولى من حل سياسي منبثق من مقترح الحكم الذاتي.
ويشكل هذا التطور المستجد في مسار قضية الوحدة الترابية للمملكة اختراقا دبلوماسيا جديدا في الساحة الأوروبية التي باتت تميل دولها إلى تغليب مصالحها القومية في التفاعل مع القضايا والنزاعات الإقليمية والدولية على الحسابات السياسية والانتخابوية الضيقة التي لا تخدم رغبات وتطلعات شعوبها؛ وهو ما بدا جليا من هذا الموقف الذي تحكمه مجموعة من المحددات والعوامل ذات الطبيعة الاستراتيجية والاقتصادية أيضا.
في هذا السياق، وبالعودة إلى نص البيان المشترك، الصادر على هامش لقاء وزير الخارجية المغربي ونظيره الفنلندي، الامس الثلاثاء، أكد البلدان عزمهما الارتقاء بعلاقاتهما الاقتصادية والتجارية. كما حددا مجموعة من المجالات التي ستشكل مجالا للتعاون في المستقبل؛ على غرار إنتاج الهيدروجين الأخضر، دون أن تفوت هلسنكي أن ترحب بمختلف المبادرات التي أطلقها العاهل المغربي لتعزيز السلام والتنمية في القارة الإفريقية، التي اعتبر الطرفان أن المغرب يعد بوابة بينها وبين القارة الأوروبية، إذ عبرت المملكة في هذا الصدد عن استعدادها للمساهمة في تنفيذ الاستراتيجية الفنلندية في إفريقيا سواء على المستوى الثنائي أو من خلال التعاون متعدد الأطراف مع بلدان القارة.
ومما لا شك فيه أن حجم التحديات الاقتصادية والبيئية الكبرى التي يواجهها العالم باتت تفرض على جميع الدول الأوروبية، ومن ضمنها فنلندا، إعادة رسم معالم سياستها الاقتصادية والانفتاح على أسواق جديدة؛ أهمها أسواق إفريقيا التي خبر المغرب دروبها وتحدياتها، وبات تبعا لذاك مرجعا إقليميا ودوليا على هذا المستوى. وهذا ما يبدو أن فنلندا فهمته؛ ولكنها فهمت قبل ذلك أن التقارب مع المغرب والاستفادة من الفرص التي يوفرها، سواء داخليا أو في مجال نفوذه الحيوي، لا يمكن أن يمر إلا عبر بوابة الصحراء.
هي، إذن، لغة المصالح والندية تتغلب على لغة “التشدد الأعمى” في المواقف والتشبث بخيارات خارج أية رهانات أو فكر استراتيجي رصين. وهو، إذن، هدف آخر سجله المغرب في مرمى أعداء وحدته الترابية الذين يدعمون التوجهات الانفصالية التي بدأت تتآكل، من إفريقيا إلى أمريكا مرورا بآسيا وأوروبا، دون أن يُراد لحامليها وداعميها أن يراجعوا مواقفهم وسياساتهم التي لم تثمر وعلى مدى عقود إلا وضعا شاذا في المنطقة وفي العالم الذي بات بدوره مقتنعا بضرورة التخلص منه.
ماكان لموقف فنلندا أن يكون هاما وطلائعيا لو لم تنضم إلى الناتو، بفضل دعم بريطاني ثابت وحاسم، ولذلك فوقوع الموقف الفنلندي زمنيا بين الانعطافة الفرنسية وبين مباحثات بوريطة-لامي، هو وقوع دال، يختزل وعيا جماعيا أوروبيا بجسارة وجدارة الربط البَيْقاري الأوروإفريقي الذي تُنجزه الرباط.