اسماعيل واحي
أثار تحرك مجموعات عسكرية تابعة للجيش الوطني الليبي خلال اليومين الماضيين باتجاه مناطق جنوب غرب البلاد، بقيادة صدام حفتر نجل المشير خليفة حفتر، حالة غريبة من السعار لدى النظام العسكري في الجزائر، الذي سخر أبواقه الدعائية لتشن حملة إعلامية معرضة ضد هذا التحرك، في تدخل سافر في الشأن الداخلي للشقيقة ليبيا، وهو ليس التدخل الأول من نوعه، فقد سبق وأن صرح تبون في مقابلة مع قناة الجزيرة في يونيو 2021، أن بلاده كانت مستعد “للتدخل بصفة أو بأخرى” في ليبيا لوقف تقدم قوات المشير خليفة حفتر نحو العاصمة طرابلس، مما يطرح تساؤلات عديدة حول خلفيات هذه النزعة العدائية للجزائر ضد الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر بشكل خاص وضد الدولة الليبية بشكل عام.
لفهم هذه الحالة العدائية التي ينطلق منها النظام العسكري في الجزائر للتعاطي مع الملف الليبي، علينا أن أولا تحديد المصالح الجزائرية داخل ليبيا، والتي يشعر عسكر المرادية أن حفتر يهددها بالزوال، وهو الامر الذي يحيلنا الى ثلاث محاور أساسية وهي المصالح الطاقية، التموقع الجيواستراتيجي، الحرب مع المغرب، هذه العوامل مجتمعة تجعل الجزائر لا تصنف ليبيا فقط كمحور استراتيجي مهم في معادلة الصراع الإقليمي على الزعامة، بل انها تعتبر الهيمنة على ليبيا مسألة وجودية بالنسبة لنظام عسكري عجوز مهدد بالسقوط في أي لحظة.
الجزائر وحلم زعامة المحور المغاربي
في سياق تطلعاتها للهيمنة الإقليمية، تسعى الجزائر جاهدة لتحقيق زعامة المحور المغاربي، ومن بين الأدوات التي تراها فعالة للوصول الى هذا الهدف، هو بسط نفوذها على ليبيا، التي تعد دولة محورية بالنظر إلى مساحتها الكبيرة، وإمكانياتها الطاقية الهائلة، وموقعها الجغرافي الاستراتيجي، وهو ما جعلها تتنكر لمطالب ليبيا باستعادة الأراضي التي اقتطعها المستعمر الفرنسي والحقها بالجزائر، والتي يطالب حفتر بإرجاعها الى حضن السيادة الليبية.
وفي هذا السياق، ذكرت مصادر متطابقة نهاية يوليوز الماضي أن الجيش الوطني الليبي قد حشد قواته في مثلث حدودي جنوب غرب البلاد لاستعادة منطقة استراتيجية تقبع تحت سيطرة الجزائر بشكل غير شرعي، تبلغ مساحتها 32 ألف كيلومتر مربع، أي أكبر من بلجيكا، وتقع بالقرب من حدود النيجر.
هذا التحرك الليبي الذي يقوده خليفة حفتر لاستعادة أراضي بلاده من الاحتلال الجزائري، يجعله العدو الأول للنظام العسكري، الذي يعتبره أكبر عائق في وجه مخططات الهيمنة الجزائرية على ليبيا، وهو ما يفسر سبب غضب الجزائر من تحريك حفتر لقواته نحو الجنوب الغربي لليبيا.
الجزائر تستميت في الدفاع على استغلالها ثروات ليبيا الطاقية
بالرغم من أن رئاسة أركان القوات البرية الليبية، أكدت على أن السبب من وراء تحرك وحدات الجيش الليبي نحو الجنوب الغربي للبلاد، يعود إلى خطة شاملة لتأمين الحدود الجنوبية وتعزيز الأمن القومي في هذه المنطقة الاستراتيجية، وتنفيذا لتعليمات المشير خليفة حفتر في سياق تعزيز الأمن والاستقرار الليبي، الا ان مواقع موالية لحكومة الوفاق الوطني المدعومة من قبل قطر وتركيا والجزائر، قالت ان تحرك حفتر يهدف الى السيطرة على حقول غدامس النفطية.
هذا المعطى المهم، يؤكد أن المشير خليفة حفتر يروم التصدي للأطماع الجزائرية في حقول غدامس، بل انه يمثل خطوة استراتيجية لحماية الثروات الليبية من محاولات الهيمنة الخارجية، فمنذ بداية الفوضى في ليبيا عام 2011، سعت الجزائر للسيطرة على حوض غدامس النفطي الذي تستغله شركة سوناطراك الجزائرية، وللتغطية على هذه الاطماع قدمت الجزائر مساعدات إنسانية لمدينة غدامس، لكن حفتر بمواقفه الصارمة يظهر عزمه على حماية سيادة ليبيا وثرواتها من أي تدخل خارجي، خصوصا عندما وقعت مؤسسة النفط الليبية، وشركة سوناطراك الجزائرية، يناير 2024 ملاحق لتمديد اتفاقيات “الإبسا” للمنطقة 95/96 بحوض غدامس النفطي وذلك بهدف استنزافه من قبل العسكري الجزائري.
الجزائر متوجسة من دعم حفتر للمغرب
منذ اندلاع الحرب الاهلية في ليبيا سنة 2011، اصطدمت الاطماع الجزائرية بالتحالف المصري الاماراتي الداعم للجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، في مواجهة الجماعات المسلحة المدعومة من قبل قطر وتركيا، وهي الجماعات التي لم تكتف بزعزعة استقرار ليبيا ودفعها نحو الانقسام، بل انخرطت في تنفيذ هجمات إرهابية على مواقع للجيش المصري في سيناء، باعتبارها كيانات موالية للتنظيم الدولي الاخوان، حاولت استعمال ليبيا كقاعدة خلفية لدعم حكم جماعة الاخوان المسلمين في مصر.
وبحكم انخراط المغرب في المجهودات الدولية لمكافحة الإرهاب، وكذا سعي المملكة الى وقف الاقتتال في ليبيا، علاوة على الدفاع عن الوحدة الترابية للمغرب من هجمات البوليساريو المدعومة من الجيش الجزائري، تلاقت مصالح المغرب ومصر للتصدي للدور الجزائري القذر في دعم الاعمال العدائية المسلحة على الحدود المغربية والمصرية، وهو الامر الذي فتح باب التقارب في الملف الليبي بين الرباط والقاهرة، حيث أن مصر التي دعمت الجزائر في حرب الرمال على حساب المغرب، باتت اليوم من أكبر الداعمين لمغربية الصحراء، وقد أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري في ماي 2022 على موقف مصر الداعم للوحدة الترابية للمملكة المغربية، مما شكل ضربة موجعة للجزائر التي خسرت حليفا قويا مثل مصر لصالح المغرب، وهو أيضا من ضمن الأسباب التي جعلت المغرب باعتباره حاضنا قويا لملف المصالحة الليبية، لا يعترض على تحرك حفتر لتأمين حدوده مع الجزائر، هذه الأخيرة التي ترى في هذا الموقف المغربي مؤشرا على دعم الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر للرباط في صراعها مع السياسات العدائية للجزائر، لاسيما عندما تم استدعاء الجيش الليبي للمشاركة في مناورات الأسد الإفريقي الأخيرة، وكذا مشاركة القوات المسلحة الملكية شهر يوليوز الماضي في ورشة في ليبيا احتضنتها كلية القيادة والأركان في طرابلس، وأكدت رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي، على أهمية هذه الورشة في التركيز على مواجهة التحديات المتمثلة في الإرهاب والهجرة غير النظامية، والجريمة المنظمة في كافة أنحاء إفريقيا، هذا التقارب العسكري بين الجيشين المغربي والليبي، من جهة يكرس تفوق المملكة في المعادلة الجيواستراتيجية المغاربية، ومن جهة أخرى يقض مضجع نظام العسكر الجزائري مما يجله يعتبر حفتر عدوا مباشرا للجزائر.
استراتيجية حفتر تهدد الهيمنة الجزائرية وتعيد رسم الخريطة الجيوسياسية في شمال إفريقيا
في ضوء هذه التطورات المتسارعة، يتضح أن تحركات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر ليست مجرد عمليات عسكرية عابرة، بل هي جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى حماية سيادة ليبيا وثرواتها، والتصدي للأطماع الجزائرية التي تسعى جاهدة لترسيخ نفوذها في المنطقة، حيث أن تحالفات حفتر مع مصر ودعمه لمواقف المغرب يجعل منه خصما قويا للنظام الجزائري، الذي يبدو أنه يستشعر خطرا حقيقيا على مصالحه في ليبيا بشكل خاص وفي الجغرافيا المغاربية والساحل بشكل عام.
هذه الديناميات الإقليمية تعكس مدى تعقيد الصراع على النفوذ في شمال إفريقيا، حيث تتداخل المصالح الجيوسياسية والاقتصادية، مما يضع المنطقة في مواجهة مفتوحة قد تحمل معها تغييرات جوهرية في موازين القوى، وفي هذا السياق، يظهر ضعف الجزائر في مواجهة هذه التحديات، وهل ستتمكن من الحفاظ على نفوذها في ليبيا أم أن تحركات حفتر ستعيد رسم الخريطة الجيوسياسية للمنطقة بشكل يصب في مصلحة منافسيها وعلى رأسهم مصر والمغرب ؟