عز الدين السريفي، المسؤول عن النشر و الاعداد
في انتصار دبلوماسي جديد للمغرب يعكس تغيرات ملموسة في المواقف الدولية تجاه النزاع المفتعل لقضية الصحراء المغربية، أكد وزير الشؤون الخارجية الدنماركي، لارس لوكي راسموسن، خلال محادثاته مع نظيره المغربي، ناصر بوريطة، أن مخطط الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب في عام 2007 يعتبر “مساهمة جادة وموثوقة” في المسار الأممي لحل النزاع. هذا البيان، الذي تم اعتماده على هامش الدورة 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، يحمل دلالات متعددة حول تحول الديناميات الجيوسياسية في المنطقة.
منذ طرحه في 2007، اعتُبر مخطط الحكم الذاتي المغربي بمثابة مبادرة جادة لتحقيق تسوية سلمية للنزاع في الصحراء، والذي أثر سلباً على الاستقرار في شمال إفريقيا لعقود. يؤكد هذا المخطط على رغبة المغرب في تحقيق إدارة محلية مع الحفاظ على سيادته، مما يُعتبر خطوة نحو تلبية تطلعات سكان المنطقة، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
يشير الموقف الدنماركي إلى دعم متزايد من قبل دول شمال أوروبا لموقف المغرب. فقد أبدت العديد من الدول الأوروبية تأييدها لمقاربة الحكم الذاتي كحل واقعي وعملي، وهو ما يتماشى مع القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي. هذا الدعم يعكس فهماً أوسع لأهمية الاستقرار الإقليمي وتأثير النزاعات غير المحلولة على الأمن في أوروبا وأفريقيا على حد سواء.
إن موقف الدنمارك، الذي يتماشى مع السياسة الخارجية المغربية تحت قيادة الملك محمد السادس، يعكس تحولًا في كيفية تعامل الدول الأوروبية مع النزاع في الصحراء المغربية. ويفتح هذا التوجه الجديد آفاقًا واسعة لتعاون أكبر بين الدول الأوروبية والمغرب، ويساعد على تعزيز الاستقرار في المنطقة.
ويعد الدعم الدنماركي لمخطط الحكم الذاتي المغربي خطوة مهمة نحو إيجاد حل نهائي لنزاع الصحراء تحت السيادة المغربية، مما يساهم في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي.
ويشكل القرار الدنمارك بدعم خطة الحكم الذاتي التي طرحها المغرب سنة 2007 تحت السيادة المغربية منعطفا تاريخيا في مسار قضية الصحراء الغربية المغربية، وهو بذلك ينضاف إلى سلسلة من المواقف والاعترافات الدولية التي أكدت كلها على وحدة الأراضي المغربية، والتي كان أهمها الاعتراف الأمريكي الصريح بمغربية الصحراء. هذا التحول الجذري في الموقف الفرنسي، الذي جاء بعد سنوات من الغموض والحياد الحذر، يعكس تحولات عميقة في المشهد الدولي وتغيرا جذريا في الموازين الدولية واعترافا بالواقع التاريخي والسياسي والقانوني وتعزيزا لشرعية الوحدة الترابية للمغرب على أقاليمه الجنوبية، كما يمثل في المقابل ضربة موجعة لأوهام الانفصاليين ومن يدعمهم ويزيد من عزلتهم على المستوى الدولي، وهو كذلك انتصار للدبلوماسية المغربية وخطوة مهمة نحو حل نهائي لهذا النزاع المفتعل.
الموقف الدنماركي ومأزق الدبلوماسية الجزائرية
يشكل فشل الدبلوماسية الجزائرية في قضية الصحراء المغربية مؤشرا واضحا على محدودية تأثيرها على الساحة الإقليمية والدولية، إذ عجزت عن حشد الدعم الدولي لهذه القضية. وشكلت الاعترافات المتكررة لمسؤولين جزائريين بفشل الدبلوماسية الجزائرية على المستوى القاري تأكيدا لهذا التقييم. فبعد أن فشلت في تحقيق أي تقدم ملموس على المستوى الإفريقي، تكبدت خسائر فادحة على الصعيد الأوروبي والأمريكي.
إن هذا الفشل الذريع يطرح تساؤلات جدية حول فعالية الاستراتيجية الجزائرية في التعامل مع هذه القضية، التي تقوم بالأساس على الإنفاق الهائل على الدعاية والتضليل. فبالرغم من الموارد المالية الضخمة التي تخصصها الجزائر لدعم القضية الانفصالية، إلا أنها لم تتمكن من تحقيق أي تقدم يذكر. هذا يدل على أن الموارد المالية وحدها لا تكفي لتحقيق الأهداف السياسية، بل إن النجاح يتطلب رؤية استراتيجية واضحة وقدرة على بناء علاقات دولية متوازنة.
إن الإصرار الجزائري على دعم قضية خاسرة يمثل عبئا كبيرا على الاقتصاد الجزائري، ويؤثر سلبا على حياة المواطنين. فبدلا من توجيه هذه الموارد الهائلة نحو التنمية الاقتصادية والاجتماعية، يتم صرفها على مشاريع عقيمة لا تحقق أي فائدة للجزائر وشعبها، إن هذا التوجه يضعف مكانة الجزائر على الساحة الدولية ويؤثر سلبا على سمعتها.
في المقابل، حقق المغرب نجاحات كبيرة في التعامل مع قضية الصحراء المغربية، وذلك بفضل دبلوماسيته الرزينة وبرامجه التنموية الشاملة في الأقاليم الجنوبية. إن النموذج التنموي المغربي يمثل بديلا مقنعا للنموذج الانفصالي، وقد لاقى استحسانا واسعا على المستوى الدولي.
الاعتراف الدنماركي تتويج لجهود الدبلوماسية المغربية
يعد الموقف الدنماركي الأخير تتويجا لجهود دبلوماسية مغربية حثيثة وممنهجة، إذ أبرزت هذه الخطوة كفاءة الدبلوماسية المغربية في إدارة الملفات المعقدة وتعزيز مكانتها على الساحة الدولية. إن هذا التحول الإيجابي في الموقف الفرنسي يعكس قوة الأوراق التي يملكها المغرب في علاقاته الخارجية، ويرسخ مكانته كشريك موثوق به في المنطقة.
إن النجاح المغربي في استمالة دول عريقة كفرنسا وإسبانيا و ألمانيا و بلجيكا والولايات المتحدة الاميركية يؤكد أن الدبلوماسية الناجحة لا تقوم فقط على الموارد الاقتصادية، بل تتطلب رؤية استراتيجية واضحة، وبناء علاقات قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. إن المغرب من خلال دبلوماسيته الرزينة والمدروسة، استطاع أن يحول التحديات إلى فرص، وأن يثبت للعالم قدرته على إدارة ملفاته الخارجية بمهارة واقتدار.
يمكن القول إن هذا النجاح هو نتاج طبيعي لنهج دبلوماسي مبني على الحوار البناء والتعاون المثمر، إذ تمكن المغرب من إرساء علاقات شراكة متوازنة مع مختلف الأطراف، مما عزز مكانته كقوة إقليمية مؤثرة.
https://x.com/danishmfa/status/1838987569318486091?s=46