عز الدين السريفي، المسؤول عن النشر و الاعداد
استطاعت المملكة المغربية، خلال السنة التي نودعها، تحقيق نجاحات دبلوماسية كبيرة، اعتمادًا على سياسة الوضوح والطموح التي جرى نهجها بقيادة الملك محمد السادس، وخطا المغرب خطوات كبيرة في مجال السياسة الخارجية عبر تنويع قاعدة حلفائه وشركائه من أجل تحقيق مصالح اقتصادية ودبلوماسية، مكنت المملكة من تحقيق اختراق غير مسبوق على مستوى أدائها الدبلوماسي.
وشكّل الرقي بالمجهود الدبلوماسي للدفاع عن القضية الوطنية، في أفق الطي النهائية للنزاع المفتعل حول الأقاليم الجنوبية للمملكة، وتعبئة الإمكانيات الدبلوماسية لتعزيز الاشعاع الدولي للمغرب، وتوطيد موقعه كفاعل إقليمي على المستوى الافريقي والمتوسطي والعربي والإسلامي، وتحصين مصالحه الاستراتيجية وتوسيع دائرة تحالفاته وشركائه، أهم مرتكزات السياسة الخارجية للمغرب خلال المرحلة الأخيرة.
و يستمر المغرب في نهج سياسة تنويع شركائه، وتقوية علاقاته مع مختلف الدول والتكتلات بشكل يتماشى مع مصالحه العليا، والتي حدد لها محدد أساسي وواضح قائم على مبدأ رابح-رابح.
وفي هذا السياق، استطاعة الدبلوماسية المغربية ، تحقيق انتصار جديد ، في منطقة كان يصعب جدا الوصول إليها ، ويتعلق الأمر بالدول الإسكندنافية، حيث نجح المغرب في تطوير علاقات متميزة مع الدانمارك ، بشكل يخدم مصالح المملكة، خاصة فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية.
الدانمارك تدعم الحكم الذاتي والسيادة المغربية
أكدت الدنمارك أنها تعتبر “مخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب في 2007 مساهمة جادة وموثوقة في المسار الأممي الجاري وأساسا جيدا من أجل حل متوافق عليه بين جميع الأطراف”.
وجاء في بيان مشترك، تم اعتماده عقب محادثات أجراها، يوم الاربعاء 25 شتنبر 2024بنيويورك، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، السيد ناصر بوريطة، مع وزير الشؤون الخارجية الدنماركي لارس لوكي راسموسن، على هامش الدورة ال 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة، أن “مخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب في 2007 مساهمة جادة وموثوقة في المسار الأممي الجاري وأساس جيد من أجل حل متوافق عليه بين جميع الأطراف”.
وجدد الطرفان في البيان المشترك دعمهما للمسلسل الذي تقوده الأمم المتحدة والمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة من أجل الصحراء الغربية استافان دي ميستورا، وكذا للجهود من أجل التوصل إلى حل سلمي مقبول من جميع الأطراف لهذا النزاع، طبقا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
ويندرج موقف الدنمارك الجديد في إطار الدينامية الدولية التي يقودها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، دعما لمخطط الحكم الذاتي ولسيادة المغرب على صحرائه. كما يؤكد التوجه الرئيسي في أوروبا، وجميع جهات القارة الأوروبية.
العلاقات المغربية الدنماركية
بدأت العلاقات الدبلوماسية بين المملكة المغربية و الدنمارك سنة 1957، حيث افتتح المغرب بعد عامين، سفارته في أوسلو، النرويج والتي كانت معتمدة في الدنمارك.
ولتعزيز هذه العلاقات ، أجرى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، ووزير الشؤون الخارجية الدنماركي، لارس لوك راسموسن، مباحثات على هامش الدورة الـ 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة، توجت باعتماد بيان مشترك.
وأشاد الوزيران، في هذا البيان، على وجه الخصوص، بـ “العلاقات الثنائية التاريخية والمتميزة القائمة بين الدنمارك والمغرب، وجددا التأكيد على أهميتها الاستراتيجية”. كما اتفقا على مواصلة تعزيز المشاورات السياسية المنتظمة.
وشكل اللقاء مناسبة لبحث “الالتزامات المشتركة الرامية إلى مواصلة تعزيز الشراكة بين بلدينا في جميع المجالات ذات الاهتمام المشترك، لاسيما في مجال التجارة والاستثمار والهجرة والتنمية”. كما حددا “القطاعات الرئيسية للتعاون”، لاسيما “الطاقات المتجددة، والتكنولوجيا المتعلقة بتدبير المياه واللوجستيك”.
موقف الدنمارك الجديد
رغم أن بعض الدول الإسكندنافية لا تزال تتبنى مواقف غير حاسمة بشأن قضية الصحراء، إلا أن الدبلوماسية المغربية تعمل بجد على هذا الملف، مما يعزز إمكانية تحقيق اختراقات إيجابية جديدة على المدى القريب والمتوسط. وفي هذا الصدد ، يعزز موقف الدانمرك الجديد الدينامية الدولية الداعمة لسيادة المغرب على صحرائه، حيث لم يعد اتجاه الاعتراف بالسيادة ومبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية مجرد اتجاه جنوبي أوروبي، بل أصبح اتجاها عالميا.
تكريس عزلة الجبهة
تُظْهر التّحولات والتطورات الأخيرة، التي تشهدها قضية الصحراء المغربية، توَاصُل مُسلسل سحْب الاعتراف بـ”البوليساريو”، في واقع جديد يكرس عزلة جبهة الإنفصاليين، والتي كان أخرها تعليق جمهورية البيرو اعترافها وقطع جميع علاقاتها مع الكيان الوهمي، ليصل بذلك عدد الدول التي لا تعترف بالجمهورية الوهمية إلى أكثر من 164 دولة، حيث بات دائرة المتعاطفين مع الجبهة تضيق بعدما كانت 84 دولة تعترف بالكيان الوهمي، في ثمانينيات القرن الماضي.
ووَسط هذه الدينامية المتسارعة، التي يشهدها ملف قضية الصحراء، قررت دول إفريقية فتح قنصليات عامة تابعة لها بالأقاليم الجنوبية من تراب المملكة المغربية، وتأْتي كل هذه الخطوات والتطورات الجديدة، وفق ما يرى عدد من المراقبين، في سياق خطوات مماثلة لمجموعة من الدول التي وضعت مسافة مع الكيان المصطنع، واحتكمت إلى الشرعية الدولية وقواعد القانون الدولي، وأقرت بواقعية وجدية ومصداقية المقترح المغربي للحكم الذاتي، مع تبني صريح لموقف المملكة الداعي لاعتبار القضية الوطنية ضمن الاختصاص الحصري للأمم المتحدة.
وعلى نحو لافت، بدا أنّ الدبلوماسية المغربية، تستغلّ مرحلة الجمود التي يمرّ بها ملف الصحراء، لتسجيل نقاط على خصومها، بفضل استراتيجيتها القائمة على حثّ الدول على الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، وتأكيد الأمر على أرض الواقع من خلال خطوات قانونية تتمثّل بفتح قنصليات بالأقاليم الجنوبية للمملكة.
وبقدر ما يعكس توالي فتح تمثيليات دبلوماسية بالصحراء تطوراً في موقف العديد من الدول من النزاع، وبداية مرحلة فرض واقع جديد، قوامه اعتراف دولي متزايد بمشروعية مبادرة الحكم الذاتي، تحضر مؤشرات عدة لدى الدبلوماسية المغربية تفيد بأن مسلسل تجسيد الاعتراف بمغربية الصحراء عن طريق إقامة قنصليات سيتواصل خلال السنة القادمة، كما أن مفاجآت أخرى قد تكون في الطريق.
فقد حققت المملكة في سنة 2022، انتصارات دبلوماسية هامة في ملف الوحدة الترابية، تمثلت، على الخصوص، افتتاح قنصليات عامة في مدينتي العيون والداخلة، تُمثل دولا من القارة الإفريقية والآسيوية والأمريكية، والتي كان آخرها افتتاح جمهورية الرأس الأخضر قنصلية لها في مدينة الداخلة بإقليم الصحراء، ليرتفع إجمالي القنصليات بالإقليم إلى 27، منها 15 في الداخلة، و12 بمدينة العيون.
منعطفات حاسمة
وَسط الظروف الدولية المتغيرة، تظل الصحراء المغربية هي البوصلة التي تحدد الاتجاه وترسم خط السير وأول هاته المنعطفات الحاسمة ما جاء في مضمون الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 69 لثورة الملك والشعب يوم 20 غشت 2022، حيث أكد أن الصحراء المغربية هي النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات.
وقال وزير الخارجية المغربي، إن الملك وضع بكيفية حازمة المنهج الدقيق لتدبير مختلف قضايا السياسة المغربية الخارجية، انطلاقا من قضية الصحراء المغربية، وذلك على خلفية المحددات الأساسية المرسومة سلفا ووفق مقاربة تنهل من البراغماتية والواقعية وبعيدا عن سرديات الحرب الباردة لما قبل سقوط جدار برلين التي تنضج بها خطابات الخصوم والتي نبذها المنتظم الدولي منذ أكثر من عشرين سنة.
وتابع، “واليوم الصحراء المغربية، هي معيارنا في تمييز المواقف الضبابية من الواضحة وهي وسيلتنا في تحديد مدى عمق الصداقات وصدقيتها وهي العامل الحاسم في تثمين الشراكات وتطويرها، الصحراء المغربية هي باختصار القضية التي يميز فيها المغرب ما بين المواقف الصادقة والجدية وغيرها”.
وأكد بوريطة، أنه في ظرف وجيز أبان هذا التحول عن وجاهته وذلك بالنظر إلى التغيير الوازن والواضح في الموقف الإسباني باعتبارها دولة محورية في هذا النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، مضيفا “وهو الموقف الذي عبرت عنه في الرسالة الموجهة من طرف رئيس الحكومة الإسبانية إلى الملك محمد السادس تلاه بعد ذلك الموقف الألماني المعبر عنه في الرسالة الملكية”.
وعلى هذا الأساس، تُواصل الدبلوماسية ترسيخ هذا المنعطف الحاسم، حيث تميزت هذه السنة بتطورات هامة شملت خمس مستويات، حيث أبانت عن قدرة المغرب في الحفاظ على مكتسبات وتحقيق تطورات هامة، من بين محطاتها، توسيع دائرة الدعم لمبادرة الحكم الذاتي، في كل الجهات والقارات بما في ذلك دول لها تأثير كبير وعلى دراسة واسعة بالملف.
وقال وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، إن العلاقات الثنائية بين المغرب واسبانيا شهدت التأسيس لمرحلة جديدة، عبر تعزيز شراكة قوية في كافة المجالات قوامها الشفافية والوضوح، توجت بإعلان مدريد عن دعمها لمخطط الحكم الذاتي بالصحراء المغربية، مضيفا أنه “بنفس المقاربة اهتم المغرب بتقوية علاقات التعاون مع ألمانيا وهولندا باعتبارهما شريكين مهمين”.
وأعلن بوريطة، أنه تم تبديد سوء الفهم الذي طبع العلاقات الثنائية مع البلدين واستئناف التعاون ليشمل جميع المجالات وإطلاق حوار ذي طابع استراتيجي، أفضى إلى تأييد كل من ألمانيا وهولندا لمقترح الحكم الذاتي كأساس جيد لتسوية قضية الصحراء المغربية”.
من حصاد الدبلوماسية المغربية، خلال سنة 2022، سجل أحمد نور الدين، أن هناك أيضا مكسب الرسالة التي وجهها 27 عضوا في “الكونغرس الأمريكي” في أكتوبر 2022 تُطالب الإدارة الأمريكية بفرض عقوبات على الجزائر، بسبب صفقات التسلح وعلاقتها العسكرية مع روسيا التي تخوض حربا ضد أوكرانيا، وطالبوا التعامل مع الجزائر وفقا “لقانون مكافحة أعداء أمريكا” الذي أقره الكونغرس في عام 2017.
ويرى الخبير بشؤون الصحراء، أن هذه المبادرة أسقطت القناع عن ازدواجية المواقف الجزائرية ولعبها على كل الحبال، مما سيحد من أنشطة “اللوبيات” داخل الكونغرس التي تمولها الجزائر سنويا بملايين “البترودولار” لضرب وحدة المغرب وتشجيع الانفصال.
نهج دبلوماسي جديد
وبدا لافتا أيضا خلال هذه المرحلة، تبني المغرب لنهج جديد في سياسته الخارجية، يقطع مع حقبة التبعية والولاء للحلفاء التقليدية ويؤسس لأسلوب يقوم على جعل معيار المصلحة ضابطا يحكم القرار الدبلوماسي الخارجي للبلاد.
خيّارٌ كانت له انعكاسات واضحة على الدبلوماسية المغربية خلال السنة المنتهية، بعدما أضحى ميزان الربح والخسارة محددا جوهريا في قراراتها، حيث وجدت الرباط نفسها وجها لوجه مع الحلفاء التقليديين، بعد هذا النهج الجديد في دبلوماسيتها، الذي حتّم عليها الخروج من شرنقة الولاء الأعمى، واختارت التموقع في سياق دولي مضطرب، وفق ما تفرضه مصالحها أولا وقبل كل شيء.
وشكَّل هذا التوجه صدمة غير متوقعة للدول التي كانت تتعامل مع المغرب كتابع لها كما هو الشأن بالنسبة لفرنسا التي تعتبر على رأس حلفاء المملكة التقليديين، بعدما وجدت نفسها تفقد وبشكل مفاجئ أحد الأصوات المناصرين والمساندة لمواقفها وقراراتها على الصعيد الدولي.
وأوضح وزير الخارجية ناصر بوريطة، أن الدبلوماسية المغربية انتهجت مقاربة استيباقية للتعامل مع هذه المتغيرات، خدمة للمصالح الجوهرية للمملكة، وذلك بالارتكاز على النظر المتبصرة والتعليمات الملكية، لافتا إلى أن المغرب بلور تصورا جديدا لعلاقاته مع شركائه الأوروبيين، مبنيا على التشبث بمبادئ المملكة من خلال النأي بنفسه عن التجاذبات السياسية.
وأضاف وزير الشؤون الخارجية، بمناسبة مناقشة الميزانية الفرعية للوزارة برسم سنة2023، أن تصور المملكة الجديد يقوم أيضا على احترام سيادة الدول ووحدتها تماشيا وروح القوانين الدولية مما رسخ وضع المغرب كشريك موثوق به واعتبراه فاعلا مهما في استتباب الأمن والسلم على المستويين الإقليمي والدولي، مؤكدا في السياق ذاته، أن المغرب سعى إلى الحفاظ على علاقته المتميزة مع روسيا بعيدا عن تداعيات وتبعات الأزمة الروسية-الأوكرانية
وفيما يتعلق بالدول دائمة العضوية بمجلس الأمن، أبرز بوريطة، أن المغرب استثمر الزخم الذي حققه الحوار الاستراتيجي مع المملكة المتحدة، للمضي قدما في تفعيل مضامينه على أرض الواقع وفي حوار سياسي منتظم يرعى مصالح البلدين، مردفا أن المملكة عملت إلى الاستمرار في نسج علاقاتها الاستراتيجية مع فرنسا وتكريس التعاون والحوار حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.
وأشار بوريطة، إلى أن العلاقات الثنائية مع العديد من الدول الأوربية، شهدت تطورا لافتا، وذلك من تفعيل التشاور السياسي وكذا تعزيز تبادل الزيارات على مستوى وزراء الخارجية على غرار دول كإيطاليا ومالطا واليونان وقبرص ورومانيا واستونيا وجورجيا والسويد والنرويج وفلندا.
وفي نفس الاتجاه، قال بوريطة، إن الدبلوماسية المغربية، سعت خلال هذه السنة إلى الانفتاح على التجمعات الإقليمية الأخرى خاصة تجمع فيشغراد الذي يضم هنغاريا والتشيك وسلوفاكيا وبولونيا، مهدت لتسجيل مواقف إيجابية بخصوص القضية الوطنية تمثلت في دعم هنغاريا لمقترح الحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية للمملكة.
المغرب يكافَأ افريقياً
وقد توجت هذه السياسة القارية بتكثيف حضور المملكة داخل مختلف هياكل ومؤسسات الاتحاد الافريقي وانتخابه لعهدة تمتد لثلاث سنوات، ما بين 2022و2025 في مجلس السلم والأمن التابع للمنظمة، ويعد إعادة انتخاب المغرب بهذا المجلس، تكريسا للالتزام الملكي من أجل قارة مزدهرة وتنعم بالسلم والأمان والاستقرار، كما يشكل تعبيرا عن مستوى الثقة التي يحظى بها المغرب لدى أشقائه الافريقة منذ عودته إلى منظمة الاتحاد الافريقي سنة 2017.