المسؤول عن النشر و الاعداد
في 29 يوليوز 2023، وجه الملك محمد السادس خطابا من القصر الملكي بتطوان، بمناسبة الذكرى الرابعة والعشرين لجلوسه على عرش المغرب، جاء فيه “نؤكد مرة أخرى، لإخواننا الجزائريين، قيادة وشعبا، أن المغرب لن يكون أبدا مصدر أي شر أو سوء، وكذا الأهمية البالغة، التي نوليها لروابط المحبة والصداقة، والتبادل والتواصل بين شعبينا”، مضيفا “نسأل الله تعالى أن تعود الأمور إلى طبيعتها، ويتم فـتح الحدود بين بلدينا وشعبينا، الجارين الشقيقين”.
كانت تلك آخر مرة يلجأ فيها العاهل المغربي، بشكل واضح ومباشر، إلى لهجة تنم عن سياسة باتت تعرف في الإعلام المغربي والدولي بـ”اليد الممدودة” تجاه الجزائر، قبل أن يُحجم عن ذلك تدريجيا، إلى أن جاء خطابه مساء أمس الأربعاء، بمناسبة الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء، حين اختار لهجة أخرى، تتكلم بكثير من الصراحة عن طبيعة الصراع حول الصحراء.
واختار العاهل المغربي ألا يُسَمِّي الجزائر، لكنه انتقى عبارات تُحيل مباشرة إليها وإلى دورها في الصراع الإقليمي حول الصحراء، حيث وضعها، ضمنيا، في خانة “العالم الآخر”، وهو “المنفصل عن الحقيقة”، والذي “ما زال يعيش على أوهام الماضي، ويتشبث بأطروحات تجاوزها الزمن”، في إشارة إلى الطرح الانفصالي.
وكان العاهل المغرب واضحا في إعلان موت خيار “استفتاء تقرير المصير” الذي دعت إليه الجزائر من جديد داخل مجلس الأمن مؤخرا، موردا “هناك من يطالب بالاستفتاء، رغم تخلي الأمم المتحدة عنه، واستحالة تطبيقه، وفي نفس الوقت، يرفض السماح بإحصاء المحتجزين بمخيمات تندوف، ويأخذهم كرهائن، في ظروف يرثى لها من الذل والإهانة والحرمان من أبسط الحقوق”، وهو ما يحيل إلى مخيمات جبهة “البوليساريو” الانفصالية التي يحتضنها النظام الجزائري.
العاهل المغربي كان أيضا مباشِرًا في الحديث عن تطلعات الجزائر الاقتصادية والجيو سياسية من انفصال الصحراء عن المملكة، مُسطرا على السبيل الوحيد للوصول إليها في ظل السيادة المغربية، حين تحدث عن أن هنا من “يستغل” هذه القضية “للحصول على منفذ على المحيط الأطلسي”، مضيفا “لهؤلاء نقول: نحن لا نرفض ذلك، والمغرب كما يعرف الجميع، اقترح مبادرة دولية، لتسهيل ولوج دول الساحل للمحيط الأطلسي، في إطار الشراكة والتعاون، وتحقيق التقدم المشترك، لكل شعوب المنطقة”.
وبدا الملك صريحا أيضا في توصيف جانب رئيسي من جوانب إذكاء نيران الصراع منذ 2019، حين قال “هناك من يستغل قضية الصحراء، ليغطي على مشاكله الداخلية الكثيرة”، وهو ما يحيل على الجزائر أيضا، البلد الغازي والنفطي الغارق في الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، التي أدت إلى حراك شعبي قبل نحو 6 سنوات، أوصل الرئيس الحالي، عبد المجيد تبون، المدعوم من الجيش، إلى سدة الرئاسة، دون أن يستطيع إنهاء حالة انعدام الثقة بين النظام “الجديد” والمواطنين.
كلام الملك محمد السادس كان موجها أيضا، ضمنيا، إلى الاتحاد الأوروبي، إثر إبطال محكمة العدل الأوروبية لاتفاقيات الفلاحة والصيد البحري، كونها تشمل أقاليم الصحراء، موردا “هناك كذلك من يريد الانحراف بالجوانب القانونية، لخدمة أهداف سياسية ضيقة، لهؤلاء أيضا نقول: إن الشراكات والالتزامات القانونية للمغرب، لن تكون أبدا على حساب وحدته الترابية وسيادته الوطنية”.
وإذا كان العاهل المغربي قد تفادى ذكر الجزائر والاتحاد الأوروبي صراحة، فإن الحال غير ذلك مع الأمم المتحدة، حين أورد “لقد حان الوقت لتتحمل الأمم المتحدة مسؤوليتها، وتوضح الفرق الكبير بين العالم الحقيقي والشرعي، الذي يمثله المغرب في صحرائه، وبين عالم متجمد، بعيد عن الواقع وتطوراته”.
هذه العبارات يبدو أن المعني الأول بها هو ستافان دي ميستورا، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، الذي طرح مجددا مقترح تقسيم المنطقة بين المغرب و”البوليساريو”، ليعلن وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، أن الرباط رفضت “حتى مناقشته”، قبل أن يؤكد السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة بنيويورك، عمر هلال، مؤخرا، أن الأمر يتعلق بمُقترح جزائري.