عز الدين السريفي
اوضح المحلل السياسي و المختص في قضية الصحراء، احمد نور الدين، ان قصة الصحراء الشرقية المغربية يمكن ان تقسم الى ثلاث مراحل تاريخية مهمة: تاريخ ماقبل الاستعمار، تاريخ فترة الاستعمار وتاريخ ما بعد الاستعمار فمساحة الصحراء الشرقية المغربية التي تفوق مساحة المغرب مرتين تقريبا، اي حوالي 1.5 مليون كيلومتر مربع وتضم مناطق تمتد من بشار وتندوف وكرزاز إلى أدرار وعين صالح ومناطق أخرى، كانت تابعة للمغرب والوثائق التي تثبت ذلك تعد بالمئات بل بالآلاف، وهي ترقى إلى درجة التواتر لكثرتها.
و أوضح الخبير أن المغرب يعتمد أولا وقبل كل شيء على الوثائق التي تتوفر عليها الخزانة الملكية بالرباط، وثائق ماقبل الاستعمار التي تتناول تعيين العمال والباشوات والقادة والقضاة من ممثلي السلطة المخزنية وشيوخ الزوايا، كما تتضمن مراسلات السلطان مع ممثليه في تلك الأقاليم. والوثائق المتعلقة بالضرائب التي كان يدفعها سكان تلك الأقاليم كأفراد أو كقبائل للسلطة المخزنية، كل هذه الوثائق تمثل أسانيد شرعية وقانونية لبسط سيادة المغرب على أقاليم الساورة وتوات وكورارا وتدكلت وغيرها من ربوع الصحراء الشرقية.
وابرز المتحدث إلى جانب هذه الوثائق الرسمية أن هناك آلاف الوثائق الخاصة التي تتضمن عقود زواج وعقود الإرث وأحكام القضاء في منازعات بين القبائل أو الأفراد، كلها عقود وأحكام كانت تصدر باسم سلطان المغرب. وبما ان العملة تعتبر أحد رموز السيادة لكل الدول، فهي أحد الأدلة على بسط نفوذ المغرب على الصحراء الشرقية وعلى مناطق أخرى من الجزائر الحالية، وهذا ما تثبته الأبحاث الأركيولوجية التي لم تعثر على عملة جزائرية غير العملة المغربية، وهي الآن معروضة في متاحف الجزائر من تلمسان إلى الجزائر العاصمة. وهذا دليل على أن الجزائر كانت تابعة للمغرب، ليس في عهد المرابطين والموحدين فقط، بل في عهد العلويين أيضا، مرورا بباقي الأسر التي حكمت المغرب. كما تشكل البيعة الشرعية، والدعاء للسلطان في الجمعة والأعياد، أركانا إضافية للسيادة من وجهة نظر القانون الدولي الإسلامي. كل هذه الأركان، بالإضافة إلى الوثائق العدلية، من عقود الزواج والإرث، وعقود ملكية الأرض والبيوع، وأحكام القضاء، وتعيين شيوخ الزوايا باسم السلطان، أدلة ساطعة على سيادة المغرب على الصحراء الشرقية ومناطق أخرى في الجزائر الحالية، ومنها تلمسان التي مازالت وثيقة البيعة الشرعية لأهلها موثقة ومحفوظة في الخزانة الملكية بالرباط.
وأشار إلى أن وثائق فترة الاستعمار والمراسلات التي دونها ممثلو السلطات الفرنسية بعد احتلالها الصحراء الشرقية، التي أثبتت بما لا يدع مجالا للشك سيادة المغرب على الصحراء الشرقية، ومنها كتاب أربعة قرون من تاريخ المغرب في الصحراء الشرقية الذي ألفه ضابط فرنسي.
وقد وضح الخبير إلى أن معاهدة للامغنية سنة 1845 وقعت كما هو معلوم بعد هزيمة الجيش المغربي في معركة إسلي قرب مدينة وجدة. فإن تلك المعركة وقعت بسبب دعم المغرب الأمير عبد القادر في مواجهة الاحتلال الفرنسي للجزائر الذي بدأ سنة 1830. وقد دفع المغرب الثمن غاليا ليس فقط من أرواح أبنائه الذين سقطوا في ساحة الشرف دفاعا عن الجزائر ضد فرنسا، ولكن باقتطاع أجزاء شاسعة منه وضمها إلى الجزائر الفرنسية، نتيجة اختلال ميزان القوى لصالح فرنسا التي كانت أكبر قوة عسكرية في أوربا، مقابل المغرب الذي كان دخل في مرحلة الضعف والتفكك منذ عشرات السنين لأسباب داخلية وأخرى خارجية. فاستغل المفاوض الفرنسي هذا الضعف وهذه الهزيمة لفرض شروطه وإملاء بنود الاتفاقية التي تضمنت ثغرات خطيرة، خاصة في ما يتعلق برسم الحدود الشرقية للمملكة من السعيدية إلى ثنية الساسي، ثم إلى فكيك، وتركت كل الجنوب المغربي دون تحديد، مبررة ذلك بأنها مناطق خالية، وهو غير صحيح طبعا، أو لأن الأراضي المغربية جنوب فكيك كانت تتنقل فيها قبائل البدو بحثا عن الكلأ، ولذلك وجب، حسب زعمها، أن تترك دون تحديد.
هذا ما اعتبره احمد نور الدين المدخل، أو مسمار جحا، الذي استغلته فرنسا لتتوسع جنوب فكيك باتجاه كرزاز وبشار والعبادلة وبني عباس وإكلي وصولا إلى كل أقاليم الصحراء الشرقية، بل وتوسعت بخط قطري (diagonale) باتجاه المحيط الأطلسي. هذا التوغل في التراب المغربي كانت السلطة المخزنية في ذلك الوقت تعيش حالة من الضعف الشديد، فالخزينة كانت شبه فارغة وعاجزة عن تمويل حملات عسكرية ضد فرنسا، هو ما سيحدث فعلا منعطفا في الخارطة الجيوسياسية للمنطقة، مازل المغرب يعاني إلى اليوم من تبعاته الكارثية وعلى وحدة أراضيه. فرنسا التي كانت تعتبر الجزائر جزءا من الأراضي الفرنسية ولم تكن مجرد مستعمرة، وسعت رقعتها الجغرافية بما يقارب خمس مرات، والدليل ان قاموس “لاروس الفرنسي” لسنة 1905 يحدد مساحة الجزائر الفرنسية بما قدره 500 ألف كيلومتر مربع (نصف مليون)، بينما مساحة الجزائر الفرنسية عند خروج الاستعمار الفرنسي اصبحت تقدر بحوالي 2.3 مليون كيلومتر مربع. قامت فرنسا بهذا التوسع على حساب أراضي المغرب، اعتقادا منها أن الجزائر ستبقى أرضا فرنسية إلى الأبد، بينما المغرب كان دولة قائمة الذات قبل وبعد توقيع اتفاقية الحماية، وكان عليها إضعاف الإمبراطورية الشريفة، وهو الاسم الرسمي للمغرب آنذاك، حتى لا يشكل خطرا على الوجود الفرنسي من جديد. واعطت الاتفاقيات أو البروتوكولات الموقعة بين فرنسا والمغرب الحق للمغاربة الذين توجد أراضيهم وممتلكاتهم خلف الحدود التي فرضتها فرنسا بالقوة أن يستغلوها بكل حرية، وأن يتنقلوا دون قيود إدارية بين طرفي الحدود، وهو ما يعتبر اعترافا ضمنيا واضحا بجريمة اقتطاع أراض مغربية وضمها ظلما وعدوانا إلى الجزائر الفرنسية.
على صعيد آخر أكد الخبير على أن الأرشيف الذي رفعت عنه السرية مؤخرا يشهد على كيفية اقتطاع الأراضي المغربية وضمها إلى الجزائر الفرنسية ما بين 1881 و1907، وهناك مناطق ظلت تابعة للمغرب إلى غاية 1952، مثل تندوف. لحسن الحظ أن كل الاتفاقيات التي وقعها المغرب مع الجزائر بعد الاستقلال تتضمن الإشارة في ديباجتها إلى هذه الاتفاقيات والبروتوكولات الموقعة مع فرنسا، سواء للا مغنية أو اتفاقيات وبروتوكول 1901 و1902. هذا ما يضمن الحقوق العينية للمواطنين المغاربة بغض النظر عن قضايا الحدود والسيادة على الأرض، وهو ما انتهكته الجزائر منذ استقلالها من خلال منع المغاربة من الوصول إلى أراضيهم، أو من خلال مصادرة ممتلكاتهم كما حصل سنة 1975 في أكبر جريمة ضد الإنسانية عرفتها المنطقة المغاربية خلال القرن العشرين، وصولا إلى اقتطاع واحة العرجا بمدينة فكيك سنة 2021 ومصادرة أراضي المزارعين، وان هذه جرائم لا تسقط بالتقادم وستدفع الجزائر ثمنها عاجلا أم آجلا.
وفي السياق ذاته عبر المتحدث على أن استرجاع الصحراء الشرقية لن يكون بهذه البساطة، خاصة أن المغرب وقع مع الأسف اتفاقية ترسيم الحدود سنة 1972، وكان خطأ إستراتيجيا، لكن لحسن الحظ أن تلك الاتفاقية تضمنت بنودا وملحقا حول استغلال مشترك لمنجم الحديد في غارة جبيلات قرب بشار، وهذا لوحده دليل على أن تلك الأرض مغربية وإلا لماذا ستقبل الجزائر تقاسم استغلال ثرواتها المعدنية مع المغرب. لكن ما يهم في هذه الاتفاقية أن الجزائر خرقت بنودها في ما يتعلق باستغلال منجم الحديد، ومعروف أن عدم احترام بند واحد من اتفاقية معينة أو معاهدة بين الدول يعتبر إلغاء للاتفاقية أو المعاهدة كلها، وهذا مدخل مهم للعودة إلى ما قبل اتفاقية 1972، والمطالبة بمراجعة ترسيم الحدود واحترام الحدود الحقة للمملكة كما يشير إلى ذلك دستور المملكة.
كما أشار المتحدث عينه الى انه وجب الاطمئنان إلى حتمية استرجاع كل شبر من أراضي المغرب إلى حضن الوطن، لأن الحدود متحركة وليست ثابتة ولا مقدسة، والدليل على قوله هو ما جرى في ألمانيا الغربية التي استطاعت استعادة بلد بأكمله هو ألمانيا الشرقية رغم أن الأخيرة كانت دولة قائمة الذات وعضوا كامل العضوية في الأمم المتحدة. وهناك أمثلة كثيرة على تغير الخرائط في أوروبا منذ سقوط جدار برلين سنة 1989 إلى الآن، إذ اختفت دول وظهرت أخرى، وتغيرت خارطة أوروبا بشكل جذري. وفي هذه الوقائع التاريخية الحديثة ما يحفزنا على مواصلة العمل والتعبئة بحكمة وتأن من أجل استرجاع كامل للتراب المغربي، ومن ضمنه الصحراء الشرقية، لكن علينا العمل ثم انتظار اللحظة التاريخية المناسبة لتحقيق هذا الهدف والقيام بالوثبة الكبرى.